الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات اتجاهات التصويت على القرار العربي بالأمم المتحدة حول غزة

  • مشاركة :
post-title
جانب من جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة - صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة، مشروع القرار العربي الذي قدمته المجموعة العربية بالأمم المتحدة، 27 أكتوبر 2023 بشأن هدنة إنسانية فورية دائمة في غزة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا وبدون عوائق. وقد أيد القرار 121 دولة، وعارضته 14 دولة فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت، وذلك من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.

ويعكس القرار انتصارًا للإرادة الجماعية العربية والدولية، وللدول الداعمة للسلام والاستقرار، كما أنه يمثل أول رد رسمي للأمم المتحدة على تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بعد التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، الذي افتقد لأبسط قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، من استهداف للمدنيين والمباني السكنية والمستشفيات والمدارس ولمقار الوكالات العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية. وهو الأمر الذي أدى لسقوط ما يزيد على 7 آلاف شهيد فلسطيني، ووقوع ما يزيد على 20 ألف جريح.

مضمون القرار

جاء القرار الذي تقدم به الأردن باسم المجموعة العربية، والذي صوت عليه أعضاء الجمعية العامة في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة، وحملت عنوان "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة". وقد جاء انعقاد تلك الدورة الاستثنائية عملًا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والمعنون بـ "متحدون من أجل السلام" والصادر في 3 نوفمبر 1950 بأن تعقد دورة استثنائية طارئة في غضون 24 ساعة، إذا بدا أن هناك تهديدًا للسلام أو خرقًا له أو أن هناك عملًا من أعمال العدوان، ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بشأنه بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) من جانب أحد الأعضاء الدائمين.

ويدعو القرار الذي حمل عنوان "حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية" بعد التصويت عليه إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، ويطالب الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة، ويرفض بشدة أية محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين.

كما يدعو القرار إلى إلغاء الأمر الذي أصدرته إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأمم المتحدة، فضلًا عن العاملين في المجال الإنساني والطبي، بإخلاء جميع المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة والانتقال إلى جنوب القطاع. ويدعو أيضًا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، ويطالب بسلامتهم ورفاهم ومعاملتهم بشكل إنساني امتثالًا للقانون الدولي. ويوكد القرار على الحاجة إلى إنشاء آلية على وجه السرعة، لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، وآلية أخرى للإخطار الإنساني لضمان حماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المنشآت الإنسانية، ولضمان حركة قوافل المساعدات دون عوائق.

وينطوي القرار على إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية، فضلًا عن جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير، كما عبرت الجمعية العامة عن القلق البالغ من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، وتداعياته الهائلة على السكان المدنيين، ومعظمهم من الأطفال، كما يؤكد القرار أنه لا يمكن التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلا بالوسائل السلمية، وبناءً على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ووفقًا للقانون الدولي وعلى أساس حل الدولتين.

دلالات التصويت

جاء تصويت الدول الأعضاء على القرار بتأييد 121 دولة من بينها: كل الدول العربية باستثناء تونس، وكذلك تأييد فرنسا، والصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، وأيرلندا، والبرتغال، وبلجيكا، والبرازيل، والأرجنتين، والأكوادور، والسلفادور، وإيران، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وأفغانستان. كما امتنعت 44 دولة من بينها: بريطانيا، وألمانيا، وكندا، والهند، وصربيا، وأستراليا، والدنمارك والأورجواي، وقبرص، واليونان، وبولندا، ورومانيا، وأثيوبيا، إلى جانب معارضة 14 دولة هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والمجر، والتشيك، والنمسا، والباراجواي، وجواتيمالا، وكرواتيا، وتونج، وبابوا غينيا الجديدة، وجزر المارشال وفيجي، وناورو، وميكرونيسيا.

وعكس تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من الدلالات التي يُمكن الإشارة إليها في التالي:

(*) التضامن العربي: عكس تبني المجموعة العربية للقرار داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة التضامن العربي الذي لا يزال يعتبر القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وقد انعكس ذلك التضامن على تصويت الدول العربية لصالح هدنة إنسانية فورية ودائمة ومتواصلة تقود إلى وقف العمليات العسكرية، بعد أن كانت الصيغة السابقة للقرار التي تقدم بها الأردن كممثل للمجموعة العربية، وعدد من الدول الأخرى تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار. وقد جاء تحفظ تونس على مشروع القرار للعديد من المبررات، حيث عبر بيان وزارة الخارجية التونسية عن ذلك التحفظ، لأن القرار أغفل عددًا من المسائل المهمة على غرار: غياب الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال، وعدم المطالبة بمحاسبة المحتل على جرائمه، وعدم المطالبة بشكل واضح بالوقف الفوري للعدوان، علاوة على مساواته بين الجلاد والضحية. 

(*) الانقسام الأوروبي: أظهر تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار انقسامًا في موقف الدول الأوروبية التي لازالت ترفع شعارات داعمة لتسوية القضية الفلسطينية ودعم حل الدولتين، ورفض استهداف المدنيين، والمطالبة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهي تلك التوجهات التي تبناها ممثلي عدد من الدول الأوروبية خلال مشاركتهم في قمة القاهرة للسلام. غير أن التصويت على القرار العربي بالجمعية العامة شهد انقسامًا أوروبيًا في المواقف. ففي حين أيدت فرنسا القرار امتنعت كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، وقبرص واليونان عن التصويت. وصوتت كل من النمسا، والمجر، والتشيك، وكرواتيا ضد القرار.

(*) الدعم الأمريكي لإسرائيل:جاء تصويت الولايات المتحدة الأمريكية ضد القرار، ليمثل التوجه الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية والداعم للحليف الاستراتيجي لها في المنطقة.وقد تبلور هذا الدعم بشكل سريع على أرض الواقع عقب بدء تنفيذ حركات المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 بإرسال حاملتين طائرات، وتعزيز الامدادات العسكرية بحرًا وجوًا في المنطقة، واعتماد الكونجرس الأمريكي مزيد من المساعدات لإسرائيل، كما جاءت زيارات الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وغيرهم من المسؤولين إلى إسرائيل، لتعكس حجم الدعم الأمريكي الضخم لإسرائيل والاقرار بحقها في الدفاع عن نفسها،حتى وإن اختلف هذا الحق مع الشعارات البراقة التي ترقعها الولايات المتحدة الأمريكية، لحماية حقوق الإنسان، ومع قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني خلال الحروب.

(*) رفض التعديل الكندي: نص التعديل الكندى الذي أدخل على مشروع القرار على "رفض وإدانة بشكل لالبس فيه الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في إسرائيل اعتبارًا من 7 أكتوبر 2023، واحتجاز الرهائن". غير أن هذا التعديل لم يحصل على الأغلبية المحددة لتمريره وهي ثلثي عدد الأصوات.

(*) اخفاق مجلس الأمن الدولي: جاء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن اخفق مجلس الأمن الدولي أربع مرات في اتخاذ إجراء باعتباره الجهاز المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث أعلنت الأمم المتحدة في 25 أكتوبر 2023 أن مجلس الأمن الدولي فشل في تمرير مشروعي قرارين أحدهما روسي والأخر أمريكي بشأن حرب غزة. فقد استخدمت روسيا والصين حق النقض(الفيتو)، لإحباط مشروع قرار تقوده الولايات المتحدة في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة إنسانية، وإنشاء ممر أمن للمساعدات إلى غزة. أما مشروع القرار الروسي فقد دعا إلى وقف إنساني لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إلى غزة، واعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا باستخدامهما حق النقض (الفيتو). واعتبر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبيننزيا أن مشروع القرار الأمريكي بمثابة ترخيص من مجلس الأمن، لمواصلة الهجوم الإسرائيلي، ولا يمكن تمريره لأنه سيفقد المجلس مصداقيته تمامًا، وأن الولايات المتحدة لا تريد لقرارات مجلس الأمن التأثير على العملية الإسرائيلية.

مجمل القول، إن اتجاهات التصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار العربي بشأن الحرب في غزة عكست تقليدًا متبعًا لتوجهات القوى الإقليمية والدولية، كان أبرزها: التضامن العربي الداعم للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولي، وممارسة الولايات المتحدة الأمريكية للنهج الداعم لإسرائيل بصرف النظر عن شعارات حقوق الإنسان التي ترفعها، واستمرار الانقسام الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية. وهو الأمر الذي يتطلب إثارة قضية إصلاح منظومة القرار الدولي، لاسيما مجلس الأمن الذي تشكل في حقبة مغايرة إذ تحتاج عضويته الدائمة إلى تعديل وتوسيع، لتواكب التغيرات والتحديات التي تواجه السلم والأمن الدوليين في مرحلة فارقة من التحولات الإقليمية والدولية.