الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع التوغل البري الإسرائيلي في غزة

  • مشاركة :
post-title
جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

سعت الحكومة الإسرائيلية قبيل بدء عملياتها العسكرية الجوية والبرية في قطاع غزة، إلى تحقيق نوع من الإجماع الداخلي في إسرائيل بين القوى السياسية الداعمة للحكومة، وقد تجلى ذلك في موافقة الكنيست الإسرائيلي على تشكيل حكومة طوارئ طوال مدة الحرب من خلال إشراك المعارضة وأبرزها بيني جانيتس، زعيم معسكر الدولة، والإعلان عن حالة الطوارئ في جميع أنحاء إسرائيل، والتي تضع كل إمكانات الكيان الإسرائيلي في خدمة تلك الحرب، بصرف النظر عن مدى مشروعيتها، كما استدعى جيش الاحتلال 360 ألفًا من جنود الاحتياط، وهو الأمر الذى يدعم التصور الإسرائيلي لتحقيق الأهداف النوعية من العمليات العسكرية بشكل عام، ومن الاجتياح البري تحديدًا، وفى مقدمتها كما أعلن مجلس الحرب الإسرائيلي القضاء على قدرات حماس العسكرية في القطاع، وتدمير بنيتها العسكرية، وإنهاء حكمها لقطاع غزة.

دوافع متعددة

تنوعت أهداف إسرائيل من شن عملياتها العسكرية البرية على قطاع غزة، والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:

(*) القضاء على قدرات حماس: جاء حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في 20 أكتوبر 2023 خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمنية ليحدد أهداف العملية العسكرية في غزة ومراحلها، حيث أشار إلى أن العملية تتكون من ثلاث مراحل، الأولى حملة عسكرية بالنار والمناورة لتدمير حماس، والثانية استمرار القتال بدرجة أقل حدة والقضاء على جيوب المقاومة. أما المرحلة الثالثة إنشاء واقع أمني جديد لمواطني إسرائيل.

(*) استعادة الثقة في المؤسسات الأمنية والعسكرية: جاءت عملية حركات المقاومة الفلسطينية النوعية وغير المسبوقة في العمق الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، لتسقط نظرية الردع الإسرائيلي القائمة على امتلاك القوة، وتشكك في قدرات المؤسسات الأمنية والعسكرية وفشلها في توقع عملية بمثل هذا الحجم، فضلًا أن عنصر المفاجأة للعملية كشف عن الخلل الأمني الذى تعاني منه إسرائيل على أرض الواقع، بعد أن نجح مقاتلو حركات المقاومة في العودة إلى قطاع غزة وبرفقتهم أكثر من 200 إسرائيلي وأجنبي من المدنيين والعسكريين، وقتل ما يقرب من 1400. وبالتالي تسعى إسرائيل من خلال تنفيذها للهجوم البري على قطاع غزة لاستعادة الثقة في المؤسسات الأمنية والعسكرية بعد أن تراجعت الثقة في قدرتها على تحقيق الأمن، وهو الأمر الذي وصفه يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية بأن "ما حدث في 7 أكتوبر فشل لا يغتفر للحكومة"، كما كشف الفيديو المصور الذى نشر مؤخرًا لثلاث رهينات إسرائيليات لدى حماس في 30 أكتوبر 2023 التقصير الأمني في حماية الإسرائيليين في المستعمرات الإسرائيلية بغلاف غزة حيث قالت إحداهن موجهة حديثها لنتنياهو" نحن في خضم إخفاقكم السياسي والأمني والعسكري في السابع من أكتوبر، لم يكن هناك جيش، ولم يصل أحد".

(*) تفادي إسقاط حكومة نتنياهو: نشأت حكومة بنيامين نتنياهو متأزمة، لا سيما وأنها اعتبرت من أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينيًة وتطرفًا في تاريخ الحكومات المتعاقبة، حيث تشكلت من أحزاب أبرزها: الليكود، والصهيونية الدينية، والقوة الصهيونية. وبرغم أن الحرب في غزة قدمت للحكومة فرصة للدعم الداخلي والاستمرارية، لتنفيذ أهداف العملية العسكرية في غزة، بعد تشكيل مجلس حرب انضمت إليه المعارضة، إلا أن هناك العديد من الأصوات داخل إسرائيل تعالت وتطالب بإسقاط حكومة نتنياهو ومحاسبة أعضائها على الفشل الذي منيت به، لحماية أمن إسرائيل. وهو الأمر الذي عكسته المظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، والتي تطالب بإقالة حكومة نتنياهو وتحرير الرهائن في غزة.

(*) تفريغ شمال غزة من السكان: وفقًا للمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) فيليب لازاريني في إحاطته أمام جلسة مجلس الأمن الطارئة في 31 أكتوبر 2023، فإن نصف سكان غزة قد دُفع من شمال قطاع غزة إلى جنوبه خلال ثلاثة أسابيع، وأن الجنوب لم يكن بمنأى عن القصف، واصفًا ذلك الواقع بأن ما يحدث ولازال يحدث عبارة عن تهجير قسري، وبحسب وزارة الأشغال والإسكان في غزة فإن القصف الجوي الإسرائيلي تسبب في تدمير نحو 200 ألف وحدة سكنية ما بين تدمير كلي وجزئي، وهو ما يمثل 25% من المناطق المأهولة في القطاع.

حدود التأثير

الثابت أنه وفقًا لأدبيات النضال الوطني، فلا توجد حركة مقاومة صاحبة أرض هزمت على مر التاريخ، لذلك فإن تحقيق العمليات العسكرية الإسرائيلية لأهدافها في غزة، سيتوقف على العديد من العوامل الرئيسية أهمها:

أولها: حدود وقدرة حركات المقاومة على الصمود لوقف العملية البرية الإسرائيلية الشاملة من التوغل داخل القطاع، وأن تظل عملية محدودة كما حدث في حالات التصعيد السابقة، حيث انطلقت التوغلات الإسرائيلية بريًا بالقرب من بيت حانون في شمال غزة ومخيم البريج بوسط القطاع، وهو الأمر الذي سيرتبط بالأساس بمدى قدرة حركات المقاومة على التشبث بالأرض، وحجم الخسائر في صفوف جيش الاحتلال، والقدرة على تسويق ذلك إعلاميًا، يضاف إلى ذلك ما تمتلكه حركات المقاومة الفلسطينية من أوراق للضغط على المجتمع الإسرائيلي، وفى مقدمتها ملف الرهائن، حيث يطالب أهالي الرهائن بوقف الاجتياح البري لقطاع غزة، وتحرير الرهائن الموجودين لدى حماس، فضلًا عن تبلور مقترحات فلسطينية بشأن إمكانية الإفراج عن كافة الرهائن مقابل الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ثانيها، رفض التهجير القسري، فإذا كان التهجير القسري لسكان قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب يمثل أحد أهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية، واجتياحها لشمال القطاع ومحاولة عزله عن الجنوب، فإن رفض ذلك التوجه من قبل المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية، وعدد من القوى الدولية مثل روسيا والصين، والقوى الإقليمية وفى مقدمتها مصر، يضع تلك العمليات العسكرية وتداعياتها المروعة في مأزق أمام الرأي العام العالمي، والرأي العام الإسرائيلي الذى ربما تشكلت لديه قناعه بأن استعراض القوة العسكرية في غزة يهدف بشكل رئيسي للتغطية على الفشل والإخفاق الأمني الذى يواجه الحكومة الإسرائيلية منذ عملية 7 أكتوبر، فضلًا على أنها اسقطت نظريات الردع الإسرائيلي، وأثبتت عدم جدواها في تحقيق الأمن أو تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه.

ثالثها، وربما يشكل المحدد الأهم، وهو دور مجلس الأمن الدولي الذي أخفق (أربع مرات) سابقة في التوصل لصيغة مناسبة للوقف الفوري لإطلاق النار، وذلك بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الدول دائمة العضوية، لذلك فإن التعويل لازال قائمًا على أن يقوم المجلس وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بحفظ السلم والأمن الدوليين بدوره المأمول، حيث تمت الدعوة في 31 أكتوبر 2023 إلى جلسة طارئة للمجلس إذ تسعى الدول العشر غير الدائمة في مجلس الأمن، وعلى رأسها البرازيل لصياغة مسودة مشروع قرار لوقف إطلاق النار، إلا أنه يواجه عقبات متعددة من الدول الداعمة لإسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ليبقى التوجه في صياغة مسودة المشروع هو الدعوة إلى هدنة إنسانية مؤقتة وفقًا لتقارير إعلامية دولية.

مجمل القول إن العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية في قطاع غزة سيتوقف تحقيقها لأهدافها على مدى قدرة حركات المقاومة الفلسطينية على الصمود أمام آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة التي أسقطت ما يزيد على 10 آلاف شهيد فلسطيني وأكثر من 20 ألف جريح، ومدى قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرار بالوقف الفوري لإطلاق النار، ومدى قدرة الرأي العام العالمي بعد المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي في عدد من العواصم الغربية وغيرها، على تشكيل أداة ضغط على الحكومات لوقف الحرب حتى لا يتسع نطاقها ومداها بعد تكثيف الوجود العسكري لقوى دولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والصين.