"لن تعودوا كما حدث في 1948".. بتلك الكلمات حذرت الكاتبة الصحفية البريطانية سارة هيلم، المحررة الدبلوماسية في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، سكان غزة من الاستجابة لأوامر جيش الاحتلال بتهجيرهم من شمال القطاع إلى جنوبه.
واعتبرت الكاتبة البريطانية أن الأمر الصادر من جيش الاحتلال الإسرائيلي بتهجير السكان من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، بمثابة تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.
وقالت "سارة" في مقال نشرته صحيفة "الجارديان"البريطانية، إن طلب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من 1.1 مليون فلسطيني الجلاء في 24 ساعة، سيكون إن لم يكن تطهيرًا عرقيًا؟".
وأضافت أن طلب الحكومة الإسرائيلية من مليون فلسطيني أو أكثر مغادرة بيوتهم في شمال غزة إلى الجنوب يحمل ترددات رهيبة من الماضي.
وقالت: "عملت كصحفية في المنطقة بفترة التسعينيات من القرن الماضي، وقضيتُ خلال السنوات الأخيرة وقتًا في غزة وإسرائيل للبحث في تاريخ 2.3 مليون لاجئ فلسطيني. فسكان غزة جاءوا، على الأغلب، من 200 قرية في جنوب فلسطين دمّرتها القوات الإسرائيلية عام 1948، عندما ظهرت دولة إسرائيل، و"ما تبقى من حطام هذه القرى يقع على بعد 10 أميال من حدود غزة، ويمكن لبعض اللاجئين رؤية أرضهم عبر السياج".
وكانت المرحلة الأولى لانتقام إسرائيل، من الفصائل الفلسطينية، بعد عملية "طوفان الأقصى"، القصف الجوي المكثف، وعلى مدى الأيام الماضية، وكان من السهل توقّعه. فكل فلسطيني بريء في غزة سيدفع الثمن الباهظ ودفعه سلفًا الآلاف، "لكنني لم أتوقع هذه المرة أن يسمح الغرب بحدوثه كما في المرات الماضية، لكن الرقص لإسرائيل وإرسال الأسلحة وتقديم حصانة فعلية لها من القانون الدولي وترك الفلسطينيين لمصيرهم".
وبهذا الضوء الأخضر من حلفاء إسرائيل أمر بنيامين نتنياهو 1.1 مليون من سكان غزة، للجلاء من شمال القطاع إلى جنوبه. و"يريد نتنياهو منا تصديقه أن قلقه الرئيسي هو إبعاد المدنيين عن الخطر، خلال الغزو البري المرتقب من الشمال، إذ يخطط كما هو مفترض، لسحق فصائل المقاومة، ومزاعم فارغة كهذه، في وقت قتل فيه أكثر من 1.800 فلسطيني.
لكن تهجير مليون فلسطيني لن يتسبّب في الرعب فقط، وكلنا يعرف الآن أنه لا يوجد مكان آمن للفرار إليه.
وعندما طهرت إسرائيل القرى القريبة في عام 1948، بدأت العملية بنفس الحرب النفسية، تحذيرات للهرب وإسقاط ملصقات وتهديدات بما سيحدث لو لم يهربوا. وعادة يتم قصف القرى قبل أن تتقدم القوات البرية، إذ يقتل الكثير من المدنيين ويذبحون، ويتم حصار القرى عادة دون أن يكون هناك أي مخرج لهرب الفلسطينيين، وفرّ الناجون إلى قطاع غزة الذي اعتُبر مكانًا آمنًا.
وصدر قرار الأمم المتحدة 194، في ديسمبر 1948، وأقرَّ بحق العودة لهم، لكن إسرائيل رفضت، و"لو واصل نتنياهو بخطة "الجلاء" فإن التاريخ والأحداث على الأرض تخبرنا أنه بعد التحذيرات والقصف، فإننا نشاهد اللاجئين يفرون كما فعلوا عام 1948.
وتعلق الكاتبة أن المخاطر لنتنياهو كبيرة، وليس على الأقل لأن هناك رهائن إسرائيليين لدى فصائل المقاومة في غزة، لكن لأن مستقبله السياسي انتهى، وبالتأكيد فإنه قد يجازف بأن ليس لديه ما يخسره.
و"بعبارات أخرى؛ لو لم يتحرك الغرب واللاعبون المؤثّرون لوقف هذا، فالجلاء هو عملية تطهير عرقي في الطريق".
وكما حدث في 1948، ستحاول القيادة الإسرائيلية نشر رواية تقول إنه لن تكون إسرائيل آمنة في المستقبل إلا بطرد كامل سكان غزة، وستدور المفاوضات حول حق اللاجئين بالعودة إلى قطاع غزة، الذي كان منفى لهم.
ويشعر الكثير من أهالي غزة أن عام 1948 عاد إليهم اليوم، و"تحدثت إلى أصدقاء داخل القطاع، الذين قالوا إنهم مصممون على منع اقتلاعهم مرة أخرى، وإنهم يفضّلون البقاء في بيوتهم والموت".
وقالت عدلة، أم تعيش وسط غزة: "لن أتحرك، وسأُقتل في بيتي مع عائلتي". ويقع بيتهم على الشاطئ، وتراقبه القوارب العسكرية الإسرائيلية، وإنها جمعت كل عائلتها في المنزل للموت معًا".