"أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارًا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز؛ لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة "، بهذه الكلمات عبَّر الكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم عن تجربته في مجال المسرح، والملقب برائد المسرح الذهبي، لصعوبة تجسيد كتاباته على خشبة المسرح.
رائد الرواية العربية الذي ولد في مثل هذا اليوم التاسع من أكتوبر عام 1898، بإحدى مدن محافظة البحيرة، لأب مصري يعمل في السلك القضائي، من أصول ريفية وأم تركية ارستقراطية، ظهر حب توفيق للموسيقى والغناء والمسرح في المرحلة الثانوية وزاد تعلقه بها خلال وجوده بالقاهرة للدراسة وابتعاده عن أسرته التي كانت تقطن في مسقط رأسه، وهو ما أتاح له نوعًا من الحرية، وتردده على فرقة جورج أبيض والمسارح، وساهمت فترة إيفاده لدراسة الدكتوراة في باريس، في توسيع مداركه بعد اطلاعه على الأدب العالمي واحتكاكه بالثقافة الفرنسية، وتحوله من دراسة القانون للأدب المسرحي والقصص.
في عام 1933، كانت مسرحية "أهل الكهف" أول إنتاج لتوفيق الحكيم في المسرح الذهبي، ورغم كثرة الكتابات التي قدمها للمسرح، التي وصلت إلى 100 مسرحية، لكن عددًا قليلًا منها يمكن تجسيده وتمثيله على الخشبة، ويعود ذلك لاحتواء أعماله على الكثير من الرمزية الدلالية وإسقاطه على الواقع.
استمد توفيق الحكيم موضوعات أعماله المسرحية الروائية من التراث المصري عبر حقب وأزمنة مختلفة، الفرعوني أو الروماني أو القبطي والإسلامي، التي ساهمت كذلك في تلقيب بـ"رائد الرواية العربية"، ونقل الواقع بجميع مكوناته وقضاياه وموضوعاته في أعماله المسرحية.
كان توفيق الحكيم يطلق العنان لخياله، والقلم كرسول يعبر بصدق عن أفكاره وصياغة أعمال تميزت بالعمق وعدم التعقيد، رغم امتلائها بالرموز الدلالية، مع قدرته على تصوير وتجسيد الواقع.
كانت كتابات توفيق الحكيم تمثل رصيدًا خصبًا لكثير من صنّاع السينما، وتحولت إلى عدد من الأفلام، وتم اختيار ثلاثة منها لتكون من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب اختيار النقاد في استفتاء عام 1996، وبلغ عدد أعماله التي تحولت لأفلام سينمائية 12 فيلمًا منها "رصاصة في القلب، الرباط المقدس، الأيدي الناعمة، ليلة الزفاف، يوميات نائب في الأرياف، والخروج من الجنة" وغيرها.
أثنى الأديب المصري طه حسين، على أسلوب توفيق الحكيم قائلا: "الحكيم يفتح باباً جديداً في الأدب العربى هو باب الأدب المسرحى الذي لم يعرفه العرب من قبل في أي عصر من عصورهم"، لكنه انتقد مسرحيته "الأيدي الناعمة" التي قال عنها: "يحاول توفيق أن يكون شخصًا آخر، فرنسيًا يعيش في باريس، لا علاقة له بالقاهرة ومصر واللغة العربية".
ترجمت عدد من أعمال الحكيم إلى لغات أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية، مثل مسرحية "سليمان الحكيم" التي ترجمت ونشرت بالفرنسية عام 1950 وبالإنجليزية في أمريكا بواشنطن 1981، وأيضًا ترجمة ونشر مسرحيته "الملك أوديب" بالفرنسية والإنجليزية، وأيضًا مسرحية "بجماليون" التي ترجمت ونشرت بالفرنسية في باريس منتصف الخمسينيات، وغيرها من الأعمال التي وصل صداها إلى العالمية.
تقلد توفيق الحكيم، عددًا من المناصب مثل مدير دار الكتب المصرية، مندوب مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، رئيس المركز المصري للهيئة العالمية للمسرح، رئيس المركز المصري للهيئة العالمية للمسرح، كما حاز على الكثير من الجوائز والأوسمة مثل قلادة الجمهورية عام1957 وجائزة الدولة في الآداب عام 1960، وسام الفنون من الدرجة الأولى، قلادة النيل عام 1975، وغيرها الكثير.