الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

في ذكرى ميلاده الـ 104.. إحسان عبد القدوس عاشق الحب والحرية

  • مشاركة :
post-title
إحسان عبد القدوس

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

"كلما كان الإنسان صادقًا مع نفسه وصل لمرتبة أعلى من الحب، بأن يعرف ما يحبه وما يريد الوصول له"، هكذا كان نهج عملاق الأدب العربي الأديب إحسان عبد القدوس، الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1919، حيث يعتبر واحد من أهم الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب والعلاقات الإنسانية.

خجل وارتباط بالقلم

رغم الشهرة الكبيرة التي حققها الكاتب إحسان عبد القدوس، ولكن كانت هناك جوانب إنسانية ربما لا يعرفها الكثيرون عنه ومنها، أنه خجول في الواقع، حيث كان يجد غايته في إخراج أفكاره على الورق ولا يحب الظهور كثيراً، ولا يجيد الحديث بلباقة أيضًا، حيث يقول عن ذلك في أحد لقاءاته التليفزيونية عند سؤاله عن سبب عدم ظهوره كثيرا: "السبب يرجع إلى إحساسي بطبيعتي حيث أنني أثق في نفسي عندما أمسك بقلمي وأكتب، ولا أثق بنفسي عندما أتكلم فالرابط بين عقلي وقلمي أقوى من العلاقة بين عقلي ولساني، وإذا تكلمت لا أستطيع السيطرة على لساني، ولذلك لا أقدم محاضرات أو اجتمع بمجموعات وبالتالي لا أظهر كثيراً في الإذاعة والتليفزيون، لأنني لا أشعر أنني استطيع التعبير بلساني على عكس قدرتي على التعبير بقلمي".

الابتعاد عن المحاماة

ما ذكره الأديب إحسان عبد القدوس كان سببًا كافيًا لأن يترك مهنة المحاماة، لدرجة أنه وصف نفسه بـ"المحامي الفاشل" ليجد ضالته في الكتابة، ويحوّله القدر لفارس الكلمة والرومانسية.

ملجأ الأيتام

من رحم الألم يولد الأمل، هكذا كان حال إحسان عبد القدوس، على الرغم من مولده في ظروف مضطربة بعد أن انفصلت والدته (الممثلة والكاتبة روز اليوسف) عن والده الفنان محمد عبد القدوس، فكانت في حيرة كيف تتصرف معه، وهداها التفكير لوضعه في ملجأ للأيتام، لكن حدثت مفاجأة، ويسرد إحسان ما حدث قائلًا: "وضعتني أمي في أحد مستشفيات القاهرة ووقتها كانت ممثلة صغيرة وفقيرة بعد أن انفصل عنها والدي، وكانت في حيرة هل تأخذني للعيش معها أم تضعني في ملجأ للأيتام، فوالدي لم يكن يعرف وقتها بمولدي وعندما أخبروه جاء فرحًا وأخذني للعيش معه وكنت متصلًا ببيت جدي وأقضي معهم الإجازة".

وأثرت نشأة إحسان عبد القدوس مع جده وعمته في كفر ميمونة بمدينة زفتى التابعة لمحافظة الغربية في مصر، على تكوين ذاته وإحساسه بالمجتمع والبسطاء، ليؤكد أنه كلما كتب قصة من القصص عن القرية أطلق اسم "سبيلة" على إحدى بطلاتها، ليكشف عن سر هذا الاسم قائلًا: "كانت "سبيلة" شخصية حقيقية وعاشت فترة طويلة معي في طفولتي، وكنت أقضي معها معظم الوقت نلعب سويًا، ولذلك كل قصة من القصص التي أقدمها أطلق على إحدى بطلاتها اسم "سبيلة"، وهو ما يؤكد تأثري بالقرية التي نشأت فيها".

ونشأ إحسان عبد القدوس في بيئتين مختلفتين كليًا، لأن والدته الفنانة والكاتبة الصحفية روز اليوسف - مؤسسة المجلة المصرية الشهيرة التي تحمل اسمها- كانت منفتحة على الحياة وتعيش وتقيم السهرات والندوات الفنية والثقافية في منزلها، بينما بيت جده (القاضي الشرعي أحمد رضوان) وعمته التي تربى على يدها، محافظ ولا يحبون الاختلاط بين الرجال والسيدات، ويقول إحسان عن ذلك: "هذا التناقض بين البيئتين جعلني أفكر لماذا كل واحد يرى من منظوره أنه على حق، لذلك قمت بعمل دراسات اجتماعية على هذا المجتمع، لذا يرى بعض الأصدقاء أنني محافظ جدًا في علاقاتي، لكنني متحرر جدًا في تفكيري وكتاباتي، وهو ما جعلني أؤمن بأن شخصية الفتاة مثل شخصية الرجل".

رغم هذا التفاوت الكبير بين الثقافتين، اللتين أثرتا في فكر وتكوين "إحسان"، لكن ثمة عامل مشترك بينهما، فرغم النزعة الدينية لجده أحمد رضوان بحكم عمله كقاض شرعي، لكنه كان مرتبطًا بالفن ويقيم كل أسبوع في منزله سهرة رجالية تضم فنانًا يقوم بالغناء، وكان معروفًا عنه تقديمه "النعناع" حتى إن أحد المطربين غنى له مازحًا: "يا بتاع النعناع يا منعنع يا بتاع النعناع يا شيخ أحمد"، وذلك بحسب ما قاله إحسان في لقاء سابق له.

التحرر من لقب "ابن الست"

تعرض الأديب الراحل لانتقادات كثيرة في بداية حياته، وعاني من نظرة متحيزة من المجتمع، إذ كان يشكو في لقاء تلفزيوني له من الصحافة التي كانت تطلق عليه" ابن الست"، ويقول عن ذلك: "كنت أريد أن أستقل بذاتي لأكون إحسان عبد القدوس، لدرجة أنه في بداياتي كانوا يقولون إن والدتي هي التي كانت تكتب لي القصص أو تأتي لي بشخص يكتب لي، وهو ما دفعني للتحرر من لقب "ابن الست".

تحويل قصصه لأعمال فنية

تحولت أغلب قصص إحسان عبد القدوس لأعمال سينمائية، وركّزت في أغلبها على المرأة وقصص الحب والعلاقات الإنسانية والعاطفية بين الجنسين، وبلغت القصص والروايات التي كتبها نحو 600 قصة، تحول منها 49 إلى أفلام، بينما تحولت 5 روايات إلى مسرحيات، و9 منها إلى مسلسلات إذاعية، و10 إلى مسلسلات تلفزيونية.

لم يكتفِ إحسان بكتابة قصصه، لكنه قام بكتابة السيناريو والحوار لبعضها، وحوّل شخصياتهم إلى لحم ودم، ومنها أفلام "لا تطفئ الشمس" و"إمبراطورية ميم" و"أبي فوق الشجرة" الذي شارك مع سعد الدين وهبة ويوسف فرنسيس في كتابته، ليكون أول أفلامه، ليتربع على قائمة أكثر كاتب مصري تحولت روايته وقصصه لأعمال فنية سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، كما تعاون معه كبار المخرجين الذين وصل عددهم لـ17 مخرجًا منهم؛ صلاح أبو سيف، حسين كمال وغيرهما، كما عمل مع نجوم وصفوة الفن المصري، منهم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وعمر الشريف وشادية وزبيدة ثروت وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز، وغيرهم.

العالمية

وصل إحسان عبد القدوس إلى العالمية، إذ تُرجمت 65 رواية له إلى عدة لغات منها الألمانية والإنجليزية والفرنسية والأوكرانية وحتى اللغة الصينية.

لأكثر من 60 عامًا ظل إحسان عبد القدوس معطاءً ممسكًا بقلمه حتى آخر لحظة في حياته، معبرًا عن واقع مجتمعه مشاكسًا وقادرًا على إحداث جدل حول القضايا التي يقدمها في رواياته، ليبقى في ذاكرة الفن والرواية العربية بأعماله الخالدة التي ستعيش، فهو أديب محب لوطنه لم يجود الزمن بمثله إلا قليلًا.