الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محمود درويش.. شاعر الأرض فى ذكراه: "أنا هنا"

  • مشاركة :
post-title
محمود درويش

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

"ما دمت أحلم فأنا حي لأن الموتى لا يحلمون"، هكذا خلّد الشاعر الفلسطيني محمود درويش أثره رغم الغياب، وأشعل في نفوس كل من سمعه جذوة الحب والأمل والحياة، إذ مزج بين حب الوطن والحبيبة في قصائده.

 رغم مرور 15 عامًا على رحيل محمود درويش، الذي تتزامن ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم التاسع من أغسطس 2008، إلا أنه ما زال حاضرًا رغم الغياب، فعلى الجدران رسمت صورته وفي القلب بقيت أشعاره، وعلى اللسان ترددت عباراته، لتصل لعنان السماء وتتجاوز حدود الوطن العربي.

شكّل درويش، المولود في 13 مارس عام 1941، حالة استثنائية فريدة وضلعًا من ضلوع القضية الفلسطينية، فظل مدافعًا بقلمه عن وطنه حتى آخر نفس في حياته، فكانت قصائده وكلماته بمثابة رصاصة وخنجر في ظهر العدو، لينسج بموهبته سلاحًا قويًا دافع به عن وطنه حتى آخر أنفاسه.

لم يكن يتخيل أن يصبح الطفل الذي لم يتجاوز 6 سنوات من عمره واحدًا بين صفوف الرجال، إذ زادت المعاناة التي عاشها في طفولته من عمره أضعافًا، بعدما خرج فارًا من قريته "البروة" الفلسطينية بمنطقة الجليل قرب ساحل عكا، إثر سقوطها في قبضة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، فاضطرت عائلته للهرب إلى لبنان، فكان شاهدًا على العصر، وأسهمت هذه الظروف في تشكيل شخصيته المقاومة للاحتلال.

استعاد محمود درويش، بداياته الأولى التي أثرت في نشأته وموهبته الشعريةـ، إذ يؤكد أن الإنسان لا يمكن أن يتحرر من بداياته، التي اعتبرها بذور تُخصب تجربته الشعرية والإنسانية والذاتية، ليقول عن طفولته في لقاء تلفزيوني سابق: "كنت طفلًا قرويًا نشأ في أحضان الطبيعة لم يتجاوز الـ6 سنوات من عمره، وفجأة وجدت نفسي يُزج بي في عالم الكبار بسبب نكبة 1948، انتقلت من الطفولة إلى هذا العالم الكبير في مسيرة قصرية مع أهل قريتي في اتجاه المجهول والوديان لأجد نفسي في لبنان، التي مكثت فيها عامًا، ثم عدت إلى قريتي الفلسطينية فوجدتها دمرت تمامًا، فأصبحت أحمل اسمًا جديدًا يسبقني في طفولتي وهو لاجئ فلسطيني، فكنت حاضرًا غائبًا في بلادي، وأثرت نشأتي على موهبتي فلولا هذه الظروف لأصبحت شخصًا آخر".

كانت القراءة هي الوسيلة المُثلى التي أخرجت محمود درويش من معاناته في الطفولة، إذ يقول عن ذلك: "التهمت الكثير من الكتب في عمر مبكر، التي أخرجتني من تلك التجربة القاسية، فكنت أجد عزائي وتعويضي عن هذا التيه بالقراءة، التي كانت تنقلي إلى عالم آخر مضاد لما عشت فيه".

خطط محمود درويش لحلمه في أن يصبح شاعرًا، وتأثر في بداياته بحكايات "ألف ليلة وليلة" وبما يتخللها من أشعار وأيضًا قصص الفروسية حتى أنه حلم بتجسيد إحدى شخصيات الفرسان التي غاص في أعماقها، ليكون "فارسًا بالكلمة" بحسب ما وصف به نفسه، إذ كان يرى نفسه كشاعر تعويضًا عن الهزائم التي لحقت به في حياته، في مرحلة متقدمة من عمره، تأثر بالتراجيديات الإغريقية، وقراءة سير الشخصيات الذاتية.

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة:

 تردد إبريل/ رائحة الخبزِ في الفجر/ آراء امرأة في الرجال/ أول الحب/ عشب على حجرٍ/ أمهاتُ تقفن على خيط ناي/ وخوف الغزاة من الذكريات"، كانت هذه الكلمات التي خطها شاعر العروبة والوطنية، لتعكس تمكسه بالحياة والأمل والنضال والكفاح، إذ يقول في إحدى قصائده "لن أساوم وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم".

وجد محمود درويش من الصحافة وسيلته للتعبير عما بداخله فكان القلم رفيق دربه الذي لم يخونه، فعبر بصدق عن أحاسيسه ومشاعره، إذ عمل في عدد من الأماكن، منها مجلة الكرمل الثقافية، وجريدة الأهرام بعد قدومه لمصر لاجئًا، إثر معاناته من سطوة الاحتلال، كما عمل رئيسًا لتحرير مجلة شؤون فلسطينية في بيروت، كما عمل رئيسًا للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

"وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ، لا تنسَ قُوتَ الحمامْ، وأَنتَ تخوضُ حروبكَ فكِّر بغيركَ لا تنسَ مَنْ يطلبونَ السلامْ، وأَنتَ تُسدِّدُ فاتورةَ الماءِ، فكِّر بغيركَ، مَنْ يرضعون الغمامْ، وأَنتَ تعودُ إلى البيتِ، بيتكَ، فكِّر بغيركَ، لا تنس شعب الخيامْ"، هكذا ارتبط شعر "درويش" بالوطن والحس على التآزر المجتمعي، فلم يكن شعره مرتبطًا بالفلسطينيين، لكن للوطن العربي والعالم ككل، فهو ملك التجربة الشعرية للإنسانية كلها، ليكون بحق فارس الكلمة الحقيقي الذي خلّد اسمه بين الكبار.