"أنا الطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل، أمنح الجميع الضحك ولا أجد من يضحكني".. هكذا وصفت الفنانة المصرية الراحلة زينات صدقي حالها فكانت تلك الكوميديانة التي عاشت مخلصة للفن وجمهورها، عانت وحيدة قسوة الحياة مثل الكثير ممن رسموا السعادة في القلوب، لكنهم لم يجدوا من يهون عليهم حياتهم".
زينات صدقي - التي ولدت في الرابع من مايو عام 1912، وتمر اليوم ذكرى وفاتها- أحبت الفن والذي كان دافعًا وراء هروبها من منزلها إلى لبنان، بسبب عدم رغبة أهلها في عملها بالفن بل وقوفهم أمام استكمال تعليمها، لتقول عن ذلك في لقاء تلفزيوني لها : "كان أهلي متبرئين مني بسبب اتجاهي للفن وأدعو الله أن ينصر الفنانين على أهلهم الذين لم يعترفوا بالفن، وأتمنى أن يشاهدونني ليعترفوا بي، ونفسي أظل أعمل حتى آخر يوم في حياتي طوال الـ24 ساعة".
حفرت زينات مكانة لنفسها في قلوب جمهورها، فلم يختلف أحد على موهبتها وقدرتها على رسم الضحكة على وجوه الجمهور، تلك الموهبة الاستثنائية التي تربعت على عرش الكوميديا لسنوات طويلة، التي رغم جمالها تحولت لأشهر عانس في السينما المصرية.
عالم الغناء
وجدت زينات غايتها في العمل كمغنية في أحد الكازينوهات قبل أن يذاع صيتها كممثلة؛ إذ بدأت بتقديم المونولوجات، لكن ثمة مشكلة بينها وبين إحدى المطربات دفعتها لمغادرة لبنان والعودة إلى القاهرة والعمل في كازينو بديعة بوسط القاهرة، إذ قدمتها كراقصة للجمهور ولم تجد زينات سبيلًا أمامها سوى الموافقة، لكن مع الوقت ظلت رغبة التمثيل بداخلها فعملت مع الفنان نجيب الريحاني في فرقته ليقدمها في دور العانس، رغم أنها سبق لها الزواج من أحد أقاربها، لكن لم تدم هذه الزيجة طويلا، ظل لقب العانس مُلتصقًا بها ودارت معظم أدوارها في هذا الإطار.
عالم السينما
أبهرت زينات صدقي الجمهور، خلال وقوفها على خشبة المسرح، ليدخل الحضور في وصلة ضحك على ما تقدمه ليكبر جمهورها يومًا بعد يوم، وتكبر معها مساحة دورها ليصل الأمر إلى كتابة أدوار لها خصيصًا، يساعدها ذلك في الانتقال إلى السينما من خلال فيلم "بسلامته عاوز يتجوز" ثم توالت الأعمال وتقدم فيها أشهر الأفلام، وبرعت في تقديم العانس والباحثة عن الزواج مثل دورها في "ابن حميدو" و"الآنسة حنفي"، و"تحيا الستات"، و"شارع الحب"، الذي ظهرت فيه مع الفنان عبد السلام النابلسي وقدمت فيه دور العانس باقتدار.
الشهرة
فتحت الشهرة أبوابها أمام زينات صدقي لتصبح مطلوبة في غالبية الأعمال لخفة ظلها، حتى إنها في عام واحد كانت تقدم أكثر من 15 فيلمًا دفعة واحدة، وهو ما حدث عام 1953، لكنها في نهاية حياتها كانت مُقلة للغاية في أعمالها وظلت لسنوات لا تشارك في أي أعمال وختمت مسيرتها السينمائية بفيلم "بنت اسمها محمود" عام 1975.
"كتاكيتو بني"، و"الراجل الوحيد اللي يقولي كلام حلو يطلع عقله براني"، و"عوض عليا عوض الصابرين يا رب"، "الوحش الكاسر الأسد الغادر إنسان الغاب طويل الناب"، "يا سارق قلوب العذارى" وغيرها من الأيفيهات التي قدمها في أفلامها، وظلت ملتصقة بهذه الشخصية الكوميدية الاستثنائية في تجربتها التي تحدت عائلتها من أجل دخول الفن.
دويتو مع إسماعيل ياسين
كونت زينات صدقي مع إسماعيل ياسين دويتو، إذ قدما سويًا أشهر الأفلام مثل "الستات ميعرفوش يكدبوا"، "حلاق السيدات"، "العتبة الخضراء"، "عريس مراتي"، "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"، "إسماعيل ياسين في الأسطول"، "ابن حميدو"، "عفريته إسماعيل ياسين"، وغيرها من الأعمال، لتشكل معه ثنائيًا في الفن، رسمت معه البهجة على قلوب الجمهور.
بعد رحلة من العطاء الفني امتدت لأكثر من 50 عامًا، رحلت زينات صدقي في مثل هذا اليوم عام 1978، عن عمر ناهز 64 عامًا، لتترك بسمة صادقة على وجوه الجمهور المُحب لها، وتظل أعمالها خالدة في قلوب جمهورها على مستوى الوطن العربي.