في جلاسجو، بأسكتلندا، يجري تنفيذ الخطط لإنشاء أول "غرفة آمنة" لاستهلاك المخدرات في بريطانيا، والمعروفة أيضًا باسم مركز الوقاية من الجرعات الزائدة، وفي حين أن مثل هذه المراكز أصبحت قانونية بالفعل في 16 دولة، إلا أن هذا يمثل تحولًا كبيرًا في سياسة المخدرات البريطانية.
بيئة آمنة لمتعاطي المخدرات
وبحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية، تهدف هذه المراكز إلى توفير بيئة آمنة حيث يمكن لمتعاطي المخدرات تعاطي المخدرات، غير المشروعة، تحت إشراف طبي، ما يقلل من خطر الجرعات الزائدة المميتة، وقد حصلت هذه الخطوة على الدعم، مع توقع الموافقة من المجلس المشترك لتكامل مدينة جلاسجو.
وأظهرت الدراسات أن تلك المراكز لا تؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات، ولكنها فعالة في تشجيع المستخدمين على طلب العلاج، ومع مواجهة أسكتلندا لحالة طوارئ صحية عامة مرتبطة بالمخدرات، يُنظر إلى هذه المبادرة على أنها استجابة حيوية للأزمة.
وفيات المخدرات
في عام 2022، توفي 1051 أسكتلنديًا بسبب تعاطي المخدرات، ما يعكس انخفاضًا بنسبة 21٪ عن العام السابق ولكنه لا يزال أعلى بأربع مرات من العدد قبل عقدين من الزمن، وما يثير القلق أن الوفيات الناجمة عن المخدرات ارتفعت مرة أخرى في النصف الأول من عام 2023، مما يجعل معدل الوفيات الناجمة عن المخدرات في اسكتلندا من بين أعلى المعدلات في الدول الغنية، ولا تتجاوزها سوى الولايات المتحدة.
أسباب المشكلة
إن مشكلة المخدرات في اسكتلندا لها أسباب متعددة الأوجه، بما في ذلك التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع معدل متعاطي المخدرات الذين يعانون من مشاكل، وقد ساهم الإفراط في وصف مركبات "البنزوديازيبينات" وهي أدوية لها تأثير مهدئ، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في الأزمة، ما أدى إلى انتشار مخدرات أكثر خطورة في الشوارع.
سياسات فاشلة
وعزا الحزب الوطني الأسكتلندي هذه القضية إلى سياسات الفشل في التعامل مع المخدرات، ومع ذلك، واجه الحزب أيضًا انتقادات بسبب التراجع عن سياسة "مراكز التعاطي"، ما دفع بعض النشطاء إلى تشغيل "مراكز تعاطي" في حافلة صغيرة، وساهم ذلك في إنقاذ الأرواح، ورفع مستوى الوعي حول هذه القضية، وذلك بحسب المجلة البريطانية.
وتظهر التطورات الأخيرة علامات التقدم، وأعلن مكتب المحامي العام في أسكتلندا أنه لن يتم محاكمة أولئك الذين يتعاطون المخدرات في "المشروع التجريبي" لمراكز التعاطي، وأكدت الحكومة البريطانية أنها لن تتدخل، ما يشكل سابقة لعدد أكبر من المدن في المملكة المتحدة لإنشاء مراكز أخرى، مع توقعات بأن تحذو مقاطعات مثل "ويلز" و"إنجلترا" حذوها في الأشهر المقبلة.
مشروع جلاسجو التجريبي لن يغير قوانين المخدرات
ومع ذلك، فإن مشروع جلاسجو التجريبي لا يغير قوانين المخدرات في حد ذاته، حيث تهدف الحكومة الأسكتلندية إلى إلغاء تجريم حيازة المخدرات للاستخدام الشخصي، مستوحاة ذلك من دول مثل البرتغال وسويسرا، حيث الوفيات الناجمة عن المخدرات أقل بكثير، ومع ذلك، لا تزال أسكتلندا خاضعة لقانون إساءة استخدام المخدرات في المملكة المتحدة منذ عام 1971.
تحديات إلغاء تجريم المخدرات
ويواجه إلغاء التجريم تحديات بسبب الرأي العام، حيث لا يزال غالبية البريطانيين يؤيدون تجريم كميات صغيرة من الهيروين أو الكوكايين، وعلاوة على ذلك، أدت الإجراءات البرلمانية الأخيرة إلى تشديد قوانين المخدرات بدلاً من تحريرها، ما يشير إلى الانفصال بين المشرعين والخبراء، ومع ذلك، فإن المشروع التجريبي في جلاسجو يمثل خطوة نحو الحد من الضرر واتباع نهج أكثر تعاطفًا في التعامل مع سياسة المخدرات، ما يسلط الضوء على الخطاب المتطور المحيط بالحرب على المخدرات في بريطانيا.