زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مصر في 29 أغسطس 2023، وعقد خلالها مباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمدينة العلمين الجديدة الواقعة على الساحل الشمالي لمصر، تناولت تطورات الأوضاع الدائرة بالأراضي السودانية، وسُبل دعم وتعزيز العلاقات بين القاهرة والخرطوم، إضافة لعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وحظيت هذه الزيارة باهتمام بالغ على الصعيدين الإقليمي والدولي، نظرًا لكونها تعد أول تحرك خارجي لـ"البرهان" منذ اندلاع الاشتباكات بالسودان منتصف أبريل الماضي، وهو ما يعكس المكانة التي تحظى بها مصر داخل القارة الإفريقية ومساعيها المتواصلة لحل أزمات بلدانها.
وتجدر الإشارة إلى أن اختيار "البرهان" مصر لتكون المحطة الخارجية الأولى له، يعني ثقة القيادة السودانية في مصر ودورها في حل أزمات السودان من جهة، وتقديم وسائل الدعم اللازم للشعب السوداني للخروج من هذه الأزمة من جهة أخرى.
قضايا رئيسية
تناولت هذه الزيارة التي استغرقت يومًا واحدًا، عددًا من الموضوعات، يمكن تناولها على النحو الآتي:
(*) تأكيد مصري على دعم أمن واستقرار السودان: شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مباحثاته مع "البرهان" على استمرار موقف مصر الثابت تجاه السودان القائم على دعم أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وفق الأواصر التاريخية والمصالح الاستراتيجية والعلاقات الثنائية المشتركة التي تجمع كلا البلدين، خاصة أن الأمن السوداني جزء من الأمن المصري.
وفي الوقت ذاته، أشاد "البرهان" بالجهود التي بذلتها السلطات المصرية على مدار الأربعة أشهر الماضية في دعم السودان، سواءً من خلال استضافتها للقمم أو مباحثاتها مع أطراف إقليمية ودولية للتوصل لحل تلك الأزمة، وصولًا إلى وقوفها بجانب السودانيين من خلال استقبالهم على أرضها من جهة، وتسهيل عملية عبورهم برًا وجوًا وتقديم المساعدات الغذائية والصحية من جهة أخرى.
(*) سبل حل عدد من القضايا الملحة: تطرقت مباحثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بجانب مناقشة تطورات الأوضاع بالسودان وجهود التسوية السياسية لهذه الأزمة، بعض القضايا المُلحّة التي تركز بشكل خاص على تحقيق مصالح الشعب السوداني حتى يتجاوز الأزمة الراهنة، فوفقًا لوزير الخارجية السوداني علي الصادق، فإن زيارة "البرهان" التي وصفها بـ"البناءة والمثمرة"، تطرقت لمناقشة قضية المدارس السودانية في مصر، خاصة مع اقتراب العام الدراسي الجديد، وأزمة "التكدس الواقع على المعابر بين البلدين" الأمر الذي يؤثر على حركة المواطنين والبضائع وحركة الصادرات والواردات بين القاهرة والخرطوم.
(*) مساعٍ مصرية للوساطة وسودانية للحل: لم يخلُ الاجتماع المشترك بين الرئيس السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني "البرهان"، من التطرق إلى جهود مصر للوساطة لحل هذه الأزمة وهي الجهود التي لم تخفت يومًا، إذ إن القاهرة حرصت خلال الفترة الماضية على محاولة حل تلك الأزمة بكل الوسائل التي تمتلكها، وكان آخرها استضافة قمة دول جوار السودان في يوليو الماضي، وهو ما رحب به "البرهان"، الذي أكد في الوقت ذاته أن الجيش السوداني لا يسعى للاستيلاء على السلطة أو الاستمرار بحكم البلاد، وإنما يريد إنهاء الحرب واستكمال مسار الانتقال الديمقراطي وإقامة انتخابات حرة، جاء ذلك في تصريحاته لقناة "القاهرة الإخبارية"، قائلًا: "نحن حريصون على أن نضع حدًا لهذه الحرب ونسعى لإقامة فترة انتقالية يستطيع بعدها الشعب أن يؤسس دولة من خلال انتخابات حرة نزيهة".
مخرجات سريعة
إضافة للتطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن الزيارة السريعة التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني إلى مصر، نجم عنها بعض المخرجات، يمكن إيضاحها على النحو الآتي:
(&) البدء في تسيير الرحلات الجوية بين القاهرة وبورتسودان: بعد يوم من زيارة "البرهان" مصر، أعلنت الشركة الوطنية "مصر للطيران" في بيانٍ لها، في 30 أغسطس الماضي، عن "البدء في تسيير أولى رحلاتها الجوية المباشرة من مدينة القاهرة إلى مدينة بورتسودان الواقعة شمال شرقي السودان، وذلك بداية من أول سبتمبر 2023 وبواقع رحلة واحدة يوميًا"، ويأتي هذا القرار بعد إعلان شركة مصر للطيران في أبريل الماضي عقب اندلاع الأزمة بالسودان، تعليق جميع رحلاتها الجوية للعاصمة السودانية الخرطوم، وهذا القرار يأتي استجابة للمطالب السودانية والمساعي المصرية لتقليل التكدس على المعابر بين البلدين.
(&) الاتفاق على زيادة سعة المعابر البرية: أسفرت زيارة رئيس المجلس السيادة السوداني مصر، عن اتفاق مع الرئيس المصري "السيسي"، قضى بتسريع العمل بالمعابر البرية بين البلدين وزيادة سعتها، كي تتماشى مع الوضع الراهن ومع تزايد استخدامها من قبل عدد كبير من السودانيين، وفقًا لما كشفه القائم بأعمال السفارة السودانية بالقاهرة محمد عبدالله التوم، إضافة لإزالة أي عراقيل أمام حركة رجال الأعمال بين البلدين من أجل دعم وتنشيط حركة التجارة، بما يسهم في تطوير آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وتحقيق تطلعات شعبي البلدين من خلال توفير السلع والاحتياجات العاجلة لهم.
(&) الاستعداد لتشكيل حكومة تصريف أعمال سودانية: إن إعلان "البرهان" خلال زيارته مصر عن مساعي القوات المسلحة السودانية لإنهاء الحرب وإجراء انتخابات حرة، أثار ردود فعل عدة، حول ما تشهده المرحلة المقبلة في السودان، خاصة بعدما أفادت وسائل إعلام سودانية، بأن رئيس مجلس السيادة السوداني سيركز جهوده خلال الأيام المقبلة على ترتيب الأوضاع الداخلية بمختلف الولايات السودانية خاصة غير المتأثرة بالحرب، وقد يتجه في الوقت ذاته، إلى البدء في "تشكيل حكومة تصريف أعمال" من أجل القيام بهذا الدور، وقد تمارس هذه الحكومة صلاحياتها في "بورتسودان" المدينة المطلة على البحر الأحمر في شرق البلاد.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني مصر، وحديثه عن رغبة القوات المسلحة السودانية في إنهاء الأزمة التي تمر بها البلاد والانخراط بالمسار السياسي، وإيضاحه لتطورات الأوضاع في بلاده، يشير إلى أن "البرهان" أراد توضيح الصورة والحقائق الكاملة للقيادة المصرية قبل أي أطراف إقليمية أو دولية أخرى، كون مصر من أكثر البلدان حرصًا على عدم وجود أي تدخلات خارجية بالسودان وتريد أن يحل السودانيون الخلاف الدائر بالبلاد بأنفسهم.
وبناءً عليه، فقد ينجم عن هذه الزيارة خلال الفترة المقبلة، تصاعد الحراك المصري سواء من خلال إجراء اتصالات مع القوى الخارجية المعنية بحل الأزمة السودانية، أو باستضافة طرفي الأزمة على أراضيها وإقناعهما بضرورة التسوية السياسية للأزمة الراهنة، وهو ما قد ينجم عنه توقيع "إعلان مشترك" يضع حدًا للأزمة السودانية، ويسهم في خلق توافق سوداني على نقل السلطة إلى حكومة مدنية تكون مهمتها الرئيسية عقد انتخابات، وهذا الأمر تستطيع مصر القيام به بالفعل إذ أبدت الأطراف السودانية رغبتها في حل الأزمة التي تمر بها بلادهم بعيدًا عن الخيار العسكري.