الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات محتملة.. كيف تؤثر اجتماعات القاهرة على مسار الأزمة السودانية؟

  • مشاركة :
post-title
اجتماع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بالقاهرة

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

احتضنت القاهرة على مدار يومي 24 و25 يوليو الجاري، اجتماعات مكثفة للفرقاء السياسيين السودانيين، لبحث الخروج من الأزمة الراهنة بوقف إطلاق نار فعّال ومستدام وإعادة بناء الدولة وترميم وحدة النسيج الاجتماعي وبحث إعادة إعمار البلاد.

وعقد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير اجتماع مكتبه التنفيذي الأول، عقب اندلاع الأزمة السودانية يومي 24 و25 يوليو 2023 بالقاهرة، بالتوازي مع اجتماع مجموعة الكتلة الديمقراطية بقوى الحرية والتغيير، الثلاثاء 25 يوليو الجاري، وكل من قوى التراضي الوطني وقوى الحراك الوطني وتحالف القوى الوطنية.

أجندة اللقاءات

تشابهت مخرجات الاجتماعين في الدعوة لوقف إطلاق النار وإعادة ترتيب وبناء الدولة الوطنية السودانية بمشاورات سودانية-سودانية خالصة، وتوحيد مبادرات الحل، والترحيب بالأدوار الإيجابية لدور دول الجوار وعلى رأسها الدور المصري في استضافة أبناء السودان قبل وبعد الأزمة وتيسيير العملية السياسية، بينما خلت البيانات من وضع محددات سابقة كانت سببًا في الاختلاف، واستعدادًا لبناء جبهة مدنية واسعة داعمة لوقف الحرب واستئناف التحول الديمقراطي، وكانت المخرجات على النحو التالي:

(*) المجلس المركزي: جاءت مخرجات الاجتماع الحضوري الأول للمكتب التنفيذي للمجلس المركزي بعد الحرب، بمناقشة 3 أوراق عمل "سياسية، إنسانية، واقتصادية" تتضمن رؤية استراتيجية لأسباب الأزمة الراهنة وسبل حلها وتقديم الدعم الإنساني للمدنيين ومناقشة تحسين الأوضاع الاقتصادية بعد انتهاء الحرب.

1) إدانة الطرفين: سعى البيان الختامي لتبرئة ساحة المجتمعين من الانحياز لطرفي الأزمة بإدانة "انتهاكات قوات الدعم السريع" بالتوازي مع إدانة من وصفهم البيان بـ"فلول النظام البائد في القوات المسلحة"، إذ اتهم البيان عناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل بالوقوف خلف اندلاع الأزمة وطالب بتصنيفه تنظيمًا إرهابيًا.

2) إطلاق عملية سياسية شاملة: في معرض الحديث عن جذور الأزمة الراهنة في بنية الدولة السودانية منذ الاستقلال وحتى 15 أبريل 2023، وتأكيد أن تضحيات السودانيين من الممكن أن تُسهم في إعادة بناء وتأسيس الدولة السودانية الجديدة وفق مبادئ السلام والعدالة والمواطنة وإدارة التنوع وبناء "جيش وطني مهني موحد".

وأشار البيان إلى أولوية إطلاق عملية سياسية شاملة وواسعة "تؤدي إلى وقف الحرب" وتشمل تصميم العملية السياسية وأطرافها وطرق إدارتها، بهدف توحيد كل القوى المدنية الرافضة للحرب (باستثناء المؤتمر الوطني).

3) التعاون مع المجتمع الإقليمي والدولي: ثمن البيان دور ميسري العملية السياسية السودانية وأهمية تكامل منصات جدة والإيجاد ومؤتمر دول الجوار، مع ضرورة التنسيق بين تلك الآليات والقوى المدنية في عملية واحدة يتولى إدارتها السودانيون أنفسهم.

4) معالجة آثار الحرب: تتضمن إعادة الإعمار والدعم الإنساني والاقتصادي للسودانيين لمواجهة التداعيات التي تهدد بتفكك النسيج المجتمعي وانهيار الاقتصاد السوداني في ظل تضرر قطاعات الزراعة والصناعة.

اجتماع الكتلة الديمقراطية بالقاهرة

(*) الكتلة الديمقراطية: شمل اجتماع "الكتلة الديمقراطية" إعلان مبادرة لحل الأزمة السودانية من محورين؛ أولهما للقضايا الإنسانية ووقف إطلاق النار، وثانيهما للحوار السياسي وتمثلت أبرز مخرجاتها في التالي:

1) المطالبة بتشكيل حكومة تصريف أعمال لإدارة مرافق الدولة وتيسير وصول المساعدات وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة.

2) دعم منبر جدة لوقف إطلاق النار ومنصة دول جوار السودان.

3) إعداد حوار وطني شامل لمعالجة إشكاليات المرحلة الانتقالية وعلى رأسها المواطنة وإدارة التنوع والتعددية.

4) الالتزام باتفاق سلام جوبا، والدعوة لإيجاد حل عادل لشرق البلاد.

5) تشكيل لجنة اتصال معنية بالتواصل مع القوى السياسية والمجتمعية للتأسيس لدولة مدنية ديمقراطية.

انعكاسات محتملة:

قبيل اندلاع الأزمة الأخيرة في السودان اتسمت العلاقات المدنية العسكرية بالتمايز والاستقطاب الشديد، ما أضفى درجة من انعدام ثقة عموم السودانيين في النخب المتواجدة على الساحة، فضلًا عن التدخلات الواضحة من بعض الفاعلين الدوليين ومسؤولي المنظمات الأممية في مسار العملية السياسية دون مراعاة التوازنات على أرض الواقع، وهو ما ظهر في اتهام الفريق البرهان لمبعوث الأمين العام فولكر بيرتس، بالتدخل في العملية السياسية.

وعلى الرغم من صيغة الإدانة التي وجه المجلس المركزي من خلالها اللوم لطرفي النزاع على التطورات الدامية في العاصمة المثلثة وإقليم دارفور، إلا إن إدانة انتهاكات "الدعم السريع" وإن كانت متأخرة لكنها تفقد "الدعم السريع" أي غطاء سياسي قد يستخدم في التجنيد السياسي والعسكري لفئات من المجتمع السوداني أو تبرير مهاجمة المنشآت العامة.

وعلى العكس من ذلك، عززت المعارك من التفاف فئات واسعة من الشعب السوداني خلف قيادة الجيش كملاذ أخير لحماية بقاء مظاهر الدولة، إلا إن تلك المؤشرات لا تعطي بالضرورة تراجع تأثير القوى المدنية الراهنة على المشهد السياسي بما تمتلكه من اتصالات بالمجتمعين الإقليمي والدولي، كما لا يمكن للشارع السوداني أن يفرز نخبة مدنية جديدة قادرة على قيادة المشهد مع استمرار المواجهات واضطراب الأوضاع.

ويمكن أن ينعكس اجتماع القوى المدنية على المشهد السوداني على النحو التالي:

(&) توحيد المكون المدني: من الملاحظ في بيانات الجانبين أن هناك انفتاحًا ضروريًا على الحوار والتفاهم بين الفرقاء السياسيين لمعالجة جذور الأزمة التي تمس كيان السودان وتنوعه الإثني، ومن ثم تعطي تلك الاجتماعات في حال استمرارها دفعة للحل السلمي للأزمة وتمهد لتشكيل تيار مدني موحد يجمع القوى السياسية والمجتمعية خلف مبادئ دولة مدنية حديثة أساسها المواطنة.

كما أن التعجيل بإطلاق عملية سياسية رغم استمرار الحرب من الممكن أن يخلق مساحة أكبر من التوافق ويقلص التباينات السياسية والمناطقية إذا ما راعت تلك العملية الشمول بانضمام كل القوى السياسية والمجتمعية في تصميمها وتحديد قضاياها وإدارتها، والواقعية في عملية دمج القوات في جيش وطني موحد، وتحقيق عدالة انتقالية دون الإضرار بمصالح أي من المكونات المجتمعية السودانية.

(&) تخفيف حدة المواجهات: مع ارتفاع تكلفة الأزمة وتوسيع انخراط القوى المدنية مع دول جوار السودان والقوى الإقليمية والدولية صاحبة التأثير الإيجابي ستتسع الضغوط على طرفي الأزمة مع وجود مطلب أساسي وواضح وهو تحييد المدنيين عن الصراع والسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها وهو ما لا يمكن تحقيقه دون خروج عناصر "الدعم" من منازل المواطنين والمنشآت المدنية الحيوية في الخرطوم. ولعل الرسالة الأهم أن اجتماع الفرقاء السودانيين يؤكد طبيعة الأزمة باعتبارها شأن داخلي يجنب البلاد خطر أي تدخل غير محمود العواقب يعمق الفرقة والانقسام.

(&) تجفيف مصادر التهديد: وفي حين لا توجد آلية واضحة لمراقبة الانتهاكات على الأرض من تجنيد للأطفال ودعاوى الانضمام للمعركة على أساس عرقي، إلا إن تواصل القوى المدنية المتواصل مع أطراف الأزمة بالتوازي مع مخاطبة الحواضن والقوى المجتمعية والقبلية كفيل بإعادة شيء من الهدوء والسلام الاجتماعي في بعض المناطق.

وختامًا؛ يظل خيار إنهاء الأزمة سودانيًا خالصًا، في ظل الجهود المبذولة من بعض دول الجوار لتحييد التدخلات الخارجية وتوفير حاضنة لتلاقي الفرقاء السودانيين على أسس لحل ومعالجة جذور الأزمة في عملية معقدة قد تستمر لأشهر، لكنها تمثل المسار الأمثل لإيجاد حل سلمي يراعي تماسك النسيج المجتمعي السوداني ووحدة الدولة والحفاظ على سلامتها الإقليمية. ويمثل اجتماع الفرقاء السودانيين في القاهرة دلالة واضحة على عمق الروابط السياسية والشعبية بين شعبي وادي النيل والتي تجلت في مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم 1967 واجتماعات القاهرة 2023، وكما يدلل على وجود سياسة مصرية رشيدة سعت منذ اليوم الأول لاحتواء الأزمة بالوقوف على مسافة واحدة من أطراف المعادلة.