تشهد أنهار أوروبا تراجعًا مستمرًا في مستويات مياهها، ما يشكل تهديدًا ليس فقط للقطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها في نقل البضائع، بل أيضًا لطموحات الاتحاد الأوروبي في مجال المناخ.
كجزء من خططه لخفض انبعاثات النقل بنسبة 90% بحلول منتصف القرن، يسعى الاتحاد الأوروبي لنقل حجم كبير من البضائع عن طرق النقل البري إلى شبكته المائية الداخلية الممتدة لـ37 ألف كيلومتر، إلا أنه ومع استمرار انخفاض مستويات المياه في أهم أنهار وقنوات الاتحاد أو زيادة تقلباتها بسبب تغير المناخ مثل الجفاف، سيصبح من الصعب تحقيق هذا الهدف، بحسب ما أشار تقرير لمجلة "بوليتيكو".
وأوضحت الصحيفة أنه في بداية العام الحالي، شهد نهر الراين أهم أنهار أوروبا تراجعًا في مستويات المياه، ما تسبب في اضطرابات كبيرة في قطاع النقل، وحذّر الخبراء من أن لها آثارًا سلبية على اقتصاد ألمانيا. وشهد القطاع المشكلة نفسها بين عامي 2018 و2021 عندما أجبر انخفاض مستويات المياه على نقل البضائع إلى وسائل أخرى أكثر تكلفة.
يرى الخبراء أن ما حدث ليس سوى مقدمة لما سيتكرر في المستقبل، إذ أشار روبرت أيجلينج، مدير مركز بحوث حماية البيئة في ألمانيا، إلى أن الراين شهد "انخفاضًا مستمرًا في مستويات المياه صيف السنوات الخمس الماضية" بسبب "التغيرات المناخية الشديدة".
هذا الوضع من شأنه خلق العديد من المشكلات، سواء للمزارعين أو محطات الطاقة النووية التي تعتمد على مياه الأنهار. كما يهدد خطط الاتحاد الأوروبي لزيادة اعتماده على المواصلات المائية.
من جانبه حذّر عالم البيئة السويدي ساندور نيميثي، من أنه "في حال فشلت الأنهار في استعادة مستويات مياهها خلال فترة معقولة، سيُضطر للاستغناء عنها".
وبالفعل، بدأ قطاع النقل النهري يتوقع أسوأ الأحداث، إذ سجلت حركة النقل النهري الداخلي في الاتحاد الأوروبي انخفاضا بنسبة 10% خلال عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
كما توقعت دراسة أعدتها هيئة إدارة النقل على نهر الراين "فترات مديدة من الجفاف القاسي والأحداث المناخية القصوى"، ما يلقي بظلاله على النقل النهري الذي يتميز بكفاءته البيئية واعتماديته، لكن تكرار حالات الجفاف دفع العديد من الشركات إلى الشك حول اعتمادها عليه في المستقبل.
ومع ذلك، فإن حل هذه المشكلة ليس بالأمر السهل، إذ تتطلب تدابير مثل توسعة الأنهار وتحسين البنية التحتية وانخفاض حمولة السفن، في ظل ارتفاع التكاليف.
ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن التحديات البيئية من جراء تعزيز استخدام المواصلات النهرية، إذ لا تزال 90% من أحواض الأنهار غير صحية بيئيًا حتى عام 2027، في حين أن مزيدًا من فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة تتسبب في جفاف المناطق المجاورة للأنهار مهددة التنوع البيولوجي.
وتستدعي هذه التحديات البيئية مزيدًا من التوازن بين أهداف الاتحاد الأوروبي في قطاعي النقل والبيئة.
فقد أصبحت التوترات واضحة، على سبيل المثال، على نهر الأودر الذي يمر بألمانيا وبولندا، إذ تريد برلين إعادة النظر في اتفاقية تحويله لنهر ملاحي بسبب تدهور حالته البيئية، فيما ترفض وارسو ذلك.
ويشير الخبراء إلى أن زيادة حركة النقل النهري يجب أن تتم بطريقة مستدامة تراعي قوانين الاتحاد الأوروبي المائية، لافتين إلى ضرورة اتخاذ تدابير للحد من التلوث واحترام النظم البيئية.
كما تشير التقارير البيئية إلى أنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ستشهد القارة الأوروبية زيادة في حدوث وشدة الجفاف، ما سيؤثر على مستويات المياه في الأنهار بشكل دائم. ما يستدعي وضع خطط طويلة المدى للتكيف مع آثار تغير المناخ من خلال إجراءات مثل زراعة المحاصيل وإعادة تأهيل البيئات المائية.
وفي الوقت نفسه، يتوجب على الاتحاد الأوروبي مراجعة أهدافه المتعلقة بالنقل النهري لضمان تحقيقها بشكل مستدام، مع مراعاة تأثيرات تغير المناخ على هذا القطاع الحيوي.