"كنت أشعر أن بداخلي بركانًا من الفن"، هكذا عبَّر الفنان المصري الراحل إبراهيم نصر، عن فيض موهبته التي فجرتها الأيام ليصبح أشهر كوميديان في الوطن العربي، رسم البهجة على قلوب الكثير من الأجيال، وترك بصمة لن يمحوها الزمن.
اقتنص الفنان إبراهيم نصر، المولود في مثل هذا اليوم 18 أغسطس 1946، لقب صانع السعادة، إذ رسم بأدائه وأسلوبه الساخر، أيقونة فنية يصعب تكرارها، فهو نجم الكاميرا الخفية، ومقلد الفنانين الأول، إذ يقول عن بداياته في لقاء تلفزيوني سابق: "أجمل ما في بداية مشواري أنه لم يكن أحد يعرفني، فكنت أشعر أن بداخلي طاقة وبركان، واشتهرت منذ الصغر بتقليد كل من أراه وخاصة المشاهير مثل أمين هنيدي وتوفيق الدقن ومحمد رضا وغيرهم".
امتلك الراحل موهبة فطرية ربانية، رغم أن أسرته كانت بعيدة عن الفن، فوالده عمل مقاولًا معماريًا جاء من قلب الصعيد جنوب مصر، ليستقر بالقاهرة وأقام في منطقة شبرا، إلا أن إبراهيم فتح عيونه على حب الفن وجذبته الشاشة بأضوائها، فتوجه بناء على نصيحة صديقه الشاعر والمؤلف بخيت بيومي، إلى الشاعر حسين السيد، الذي اقتنع الأخير بموهبته ووصفه بأنه "اكتشاف"، وأعطى له فرصة حياته، فوقف لأول مرة أمام جمهور غفير يؤدي" ستاند أب كوميدي"، وبعد مرور 3 دقائق انفجر الحضور من الضحك، فوجد البركان الذي بداخله طريقه إلى عالم النجومية، وتوالت عليه البرامج والأدوار وعرفت الشهرة حياته.
لعبت الصدفة دورها في تعريف إبراهيم نصر بالمشاهدين، إذ التقى بالإعلامية أماني نصر والتي طلبت منه الظهور معها في برنامج "عزيزي المشاهد"، على الهواء مباشرة بفقرة مميزة أظهر فيها موهبته، ومن شدة إعجاب الجمهور وتفاعلهم معه في الاستديو زادت مدة الفقرة من 5 دقائق إلى 20 دقيقة، ليؤكد إبراهيم نصر أنه عقب انتهاء البرنامج وجد استقبالًا حافلًا من المواطنين بالشارع.
شغف إبراهيم نصر الدائم بالتقليد وتجسيد الأدوار دفعه لتقديم "الكاميرا الخفية" التي أتقنها على مدار أكثر من 40 عامًا، فكان عنوانها التلقائية والبساطة والفكاهة والمفاجأة أيضًا، فتقمص الأدوار المختلفة وصدقه الجمهور، فقدم أسلوبًا مختلفًا وجديدًا في أول برامج الكاميرا الخفية حمل اسم " إنسى الدنيا"، بعدما سمحت له الإعلامية الراحلة سهير الإتربي بعمل "المقالب" بالشارع، بحسب ما سرده في لقاء تلفزيوني سابق.
ابتكر إبراهيم نصر الكثير من "اللزمات" وتقمص الكثير من الشخصيات في برنامجه الأشهر "الكاميرا الخفية"، إذ أطلق العنان لفكره وموهبته وأخرج مئات الأفكار خارج الصندوق، فكان يصيب المشاهدين بنوبة من الضحك المتواصل بعد عرض الحلقات، وكانت شخصية "زكية زكريا" من أبرز الشخصيات التي صنعها، فكشف سبب ذلك قائلاً: "عندما أدركت أنني قدمت كل شيء بشخصية إبراهيم نصر، فكان لابد أن أصنع شخصية جديدة مختلفة عني، فابتكرت "زكية زكريا" والتي أخذتها من الواقع، فجمعت فيها صفات كثيرة لسيدات رأيتهن في الشارع".
واجه إبراهيم نصر، الكثير من المواقف المحرجة وصلت إلى الضرب من ضيوف برنامجه، واحتجاز أحد الجزارين له داخل ثلاجة اللحم بعد هروب طاقم البرنامج، بحسب ما أكده في لقاء سابق، إلا أنه كان ينسى عناء تعبه والمجهود الذي بذله بعد إذاعة حلقات برامجه، والاستقبال الذي يلمسه من المواطنين بالشارع، فصنع "نجم المقالب" نجوميته من قلب الشارع المصري ووصل بها لخارج حدود الوطن العربي.
بالتزامن مع تقديم البرامج، انتقل إبراهيم نصر لمرحلة جديدة في مشواره بدخوله عالم التمثيل، فظهرت مواهبه ليس فقط ككوميديان ولكن كممثل يمتلك مهارات متعددة، فكما أضحك الجمهور أبكاهم أيضًا، إذ قدم الكثير من الأدوار الجادة مثل فيلم "شمس الزناتي" مع الزعيم عادل إمام، وفيلم "لهيب الانتقام" مع نور الشريف، ومسلسل "رأفت الهجان"، وغيرها.
"العمر عدى ولا لمحته، ابقوا افتكروني لو سمحتوا" هكذا نعى إبراهيم نصر نفسه، في فيلم "إكس لارج" مع الفنان أحمد حلمي، إذ كتب رثاءً لنفسه خلال أحداث العمل، يصلح أن ننعيه به بعد رحيله يوم 12 مايو 2020 عن عمر ناهز الـ 73 عامًا، ليترك وراءه رصيدًا كبيرًا من الصعب أن تنساه ذاكرة الجمهور بالوطن العربي، كان عنوانه الضحكة الصادقة التي أدخلت السعادة على قلوب الملايين.