"الفن شيء جميل.. فهو الذي يجعلك تعيش بعد الرحيل، إذا قدمته بصدق".. كانت هذه العبارة ليست مجرد كلمات قالها الفنان المصري الكبير محمود عبدالعزيز، في أحد لقاءاته التليفزيونية، ولكنها كانت نهجًا سار عليه، وخلّد به اسمه، ليظل حيًا بأعماله في قلوب عشاقه بالوطن العربي، رغم مرور 6 سنوات على رحيله.
خلطة الساحر
كان السحر حاضرًا في أعمال الفنان الراحل محمود عبد العزيز، تلك الخلطة التي تحوي عناصر الإبهار في الأداء والتنوع بين الشخصيات، وقدرته على الإقناع وخطف الأنظار في كل عمل يقدمه سواء كان كوميديًا أو تراجيديًا ليفوز بلقب الساحر، الذي لم يكن مجرد اسم أحد أعماله الذي عرض في عام 2001، ولكن أسلوبًا مشوقًا ميّز به نفسه بين أبناء جيله منذ طلته الأولى على الشاشة ليصيب المشاهدين بحالة من الدهشة كأنه يمسك عصا سحرية يحول النصوص المجردة لشخصيات من لحم ودم، قادر على الوصول لكل الفئات كأنه واحد منهم.
كانت السينما التليفزيونية بوابة الساحر لعالم الشهرة والنجومية، بحسب ما ذكره في لقاء سابق، ولكنه كان يرى التليفزيون الأصعب على الإطلاق لما يتطلبه من تركيز طول الوقت، وعدد ساعات تصوير أكبر، فحصدت السينما نصيب الأسد من إجمالي أعمال "عبد العزيز" ليقدم 90 فيلمًا منذ بداية من ظهوره اللافت في فيلم "الحفيد" في النصف الأول من السبعينيات مع الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي، ليختم مسيرته السينمائية بتغير كامل في جلده بفيلم "إبراهيم الأبيض" عام 2009.
تمرد على الدنجوان
على مدار 40 عامًا قضاها محمود عبد العزيز في العمل بالسينما، قدّم فيها أشهر الأعمال، وتنقل بين الشخصيات، وبين الرومانسي والتراجيدي، ولكنه تمرد عن شخصية الدنجوان، ليقدم أدوارًا بعيدة عن شخصية الفتى الجان، حتى إنه أعرب في أحد لقاءاته التليفزيونية عن ضجره بحصر المخرجين له في دور الرومانسي، مؤكدًا أن بداخله كوميديان كامن.
قضايا جادة في شكل كوميدي
تربع محمود عبد العزيز على عرش كوميديا الموقف، فأضفى خفة ظل على أعماله الجادة ليكسر جمود القضايا التي يقدمها، ففي مواقف شديدة البؤس نراه يُضحك الجمهور بأدائه الممتع، مثلما حدث في فيلم "العار" الذي قدّمه مطلع الثمانينيات، وفيلم "السادة الرجال"، "الشقة من حق الزوجة"، "الكيف"، "الكيت كات"، وغيرها الكثير من الأعمال القيمة التي تقدم قضايا مجتمعية مهمة، ولكنها لم تخلُ من الضحك، حتى إن بعض إيفيهات أعماله ما زالت حاضرة في أذهان الجمهور مثل "بحبك يا ستاموني مهما الناس لاموني"، فلم تكن شخصيته المرحة فنيًا بعيدة عن شخصيته الحقيقية ليدخل قلوب الجميع بلا استئذان.
الأعمال الوطنية
بين الجاسوس والوطني تنقل محمود عبد العزيز في أعماله الوطنية، وأثبت جدارته في كل مرة، ففي فيلم "إعدام ميت" قدّم شخصية الجاسوس الذي تم تجنيده بعد استغلال ظروفه الصعبة، ولكنه لم يقف عندها، وفاجأ الجميع بتقديمه الشخصية الأشهر في عالم الدراما التليفزيونية الوطنية، وهي شخصية "رأفت الهجان" في عمل تليفزيوني حمل الاسم نفسه على مدار 3 أجزاء، محققًا شهرة واسعة ونجاحًا كبيرًا منقطع النظير.
العودة للدراما
ورغم أنه كان مقلًا في أعماله التليفزيونية، ولكن تجسيده "رأفت الهجان" كان كافيًا ليثقل كفة ميزانه، بجانب تقديمه مسلسلات أخرى مثل "البشاير" و"محمود المصري"، لكنه في آخر 7 سنوات من حياته، ترك السينما وتفرغ للتليفزيون، ليقدم "باب الخلق"، و"جبل الحلال"، و"رأس الغول" الذي يُعد آخر عمل قدّمه قبل رحيله بـ6 أشهر عام 2016.
الفن لا يورث
قدّم محمود عبد العزيز دور الأب في أكثر من عمل منها فيلمه "العذراء والشعر الأبيض" و"تزوير في أوراق رسمية"، كما أنه كان أبًا في الحياة الواقعية لنجمين وهما كريم ومحمد محمود عبد العزيز، اللذان ورثا منه مهنة التمثيل، حيث كشف "الساحر"، في حوار سابق له، أنه كان يرفض أن يتوسط لأولاده في الأعمال، رغبة منه أن يعتمدوا على أنفسهم، ويشقوا طريق الحياة بأنفسهم، معبرًا عن ذلك بالقول: "الفن لا يورث ودون وساطة، لكنه يأتي نتاج عمل وكفاح".
جوائز ومحبة الجمهور
لم يحصد الساحر الجوائز فحسب، ولكنه حظي بحب واحترام وثقة الجمهور، حيث دائمًا ما كان يؤكد أن هدفه من وراء عمله بالفن، هو الفوز بإسعاد وحب الجمهور، كما نال عديدًا من الجوائز، منها أحسن ممثل عن فيلم "الكيت كات"، من مهرجان دمشق، والإسكندرية السينمائي، وأحسن ممثل عن فيلم "سوق المتعة" من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وغيرها الكثير من الجوائز، وتظل أهم جائزة في مشوار محمود عبد العزيز هو حب الجمهور الذي لا يزال يتذكره بأعماله الخالدة.