"صغار كبار الممثلين".. مصطلح هزلي أطلقه مجموعة من الممثلين المصريين الشباب في مقتبل العمر على أنفسهم، عقب أن تخرجوا من المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يجدوا فرصة مناسبة لاختراق صفوف الأدوار المهمة في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، من ضمنهم النجم الراحل فريد شوقي، الذي عرف طريقه إلى الفن من خلال المسرح بأدوار صغيرة لم تصعد إلى سماء طموحه، رفقة العديد من أبناء جيله – منهم شكري سرحان- أخذوا حقهم بعد أن توجهوا إلى السينما.
ربع قرن على وفاته
فريد شوقي الذي يمر اليوم 27 يوليو ربع قرن على وفاته، اضطر في بدايته الفنية إلى أن يختزن لديه الكثير من الأفكار والطموحات، مكتفيًا بالعمل في أدوار صغيرة بالمسرح ساخرًا من وضعه مع زملائه من خريجي الدفعة الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حتى عندما اتجه إلى السينما المصرية، بترشيح من الفنان الراحل يوسف وهبى ليشارك في فيلم "ملاك الرحمة" مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة – زميلته في الدفعة نفسها- عام 1947، رضي أيضًا بقبول أدوار بسيطة ولكن أحلامه دائمًا كانت نصب عينيه.
شارك فريد شوقي، المولود في 30يوليو عام 1920، في بدايته بأفلام "قلبي دليلي"، "طلاق سعاد هانم"، "رجل لا ينام"، "غزل البنات"، "بيومي أفندي"، حتى عرفت صورته طريقها إلى الملصقات الدعائية حتى إن لم تكن أدوارًا رئيسية أو أفلامًا مهمة مع السنوات الأولى في الخمسينيات من القرن الماضي، ومنها "أشكي لمين"، "ظلمت روحي"، "انتقام الحبيب"، "الخارج على القانون"، منتظرًا الفرصة المناسبة للتعبير عن نفسه، والاستمتاع بما يقدمه أكثر، بدلًا من أن يأخذ الأدوار "الفائضة" من النجم محمود المليجي، حسبما قال فريد شوقي بنفسه في لقاءات مسجلة.
وحش الشاشة
تغيير دفة الحياة كما أطلق عليها وحش الشاشة، مرحلة لاحقة، ساهمت في أن تختصر عدد سنوات الانتظار أمام فريد شوقي، إذ اتجه إلى الإنتاج وأيضًا التأليف عام 1952 بعد نحو 30 فيلمًا بأدوار بسيطة، لكن مع إنتاجه لفيلم "الأسطى حسن" من تأليفه وسيناريو وحوار السيد بدير، ذهب إلى منطقة إبداع جديدة، واجتذب جمهورًا مغايرًا، ليقترب من البسطاء في الشارع، الذي يعرف دروبه جيدًا فهو ابن حي البغالة بمنطقة السيدة زينب الشعبية الشهيرة وسط القاهرة، كما عاش طفولته في حي الحلمية الجديدة.
ملك الترسو
عبر أفلام عدة قدم فيها فريد شوقي دور البطل الذي يدافع عن حبيبته وأسرته تارة، ويحارب الشر تارة أخرى، وينتصر في معارك وصراعات أمام الراحلين محمود المليجي وزكي رستم وغيرهم من أشرار السينما وقتها، اكتسب فريد شوقي لقبًا جديدًا اعتز به كثيرًا وهو "ملك الترسو" نسبة إلى الجمهور الذي يشتري تذاكر السينما قليلة السعر ليشاهد بطله المفضل ينتصر للخير ويحارب الأشرار، ويطلق النكات بين الحين والآخر، ومتفاعلًا مع نجمه المفضل عندما ينطق "يا عدوي"، و"صقفة للنبي" قبل بداية معركته مع منافسيه.
أفلام فارقة
تأثير فريد شوقي القوي مع جمهوره المتسع، ساهم في أن تحدث أفلامًا فارقة في صناعة السينما من ناحية، وأيضًا تكون سببًا في تغيير بعض القوانين الجنائية، مثلما حدث في فيلمه "جعلوني مجرمًا" الصادر عام 1954 الذي كتب فكرته وقصته بنفسه، وأنتجه أيضًا، إذ تم تعديل القانون بعد عرضه، ونص على ألا توضع الجريمة الأولى في صحيفة الحالة الجنائية للجاني، حتى يعطيه فرصة جديدة للاندماج في المجتمع.
كما ساهم فيلم فريد شوقي "كلمة شرف" الصادر عام 1973 في السماح للمسجون بأن يزور أهله وفق قواعد وشروط محددة، إذ أن أحداث الفيلم تدور حول دخول "سالم أبو النجا" السجن وتعاني زوجته من حالة صحية حرجة، ويجد نفسه مضطرًا إلى أن يزورها لكي يخبرها بأنه بريء.
ومضى قطار العمر
في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أخذ مشوار فريد شوقي منعطفًا جديدًا بتجسيده بطولة فيلم "ومضى قطار العمر" مبتعدًا عن أداور الفتوة، إذ وثق فيه المخرج المصري الراحل عاطف سالم وآمن بأن وحش الشاشة قادر على تجسيد دور (بيومي) الذي يعمل بقصر أحد البشوات أصحاب النفوذ، ويدخل السجن بدلًا من (محسن) ابن الباشا، مقابل مبلغ مالي.
أحلام فريد شوقي السينمائية لم تكن تتوقف عند نقطة محددة، إذ بمرور السنوات يستخرج إحداها لتصير واقعًا، مثلما فعل عندما جسد دور "جان فالجان" برائعة فيكتور هوجو "البؤساء"، ليحولها إلى عمل سينمائي مصري عام 1978 من إخراج عاطف سالم أيضًا، فهذه القصة استهوته كثيرًا في شبابه وكانت حلمًا مختزنًا دائمًا في ذاكرته، اقتنص الوقت المناسب لكي تخرج في شريط سينمائي من إنتاجه.
تمتع فريد شوقي بذكاء فني ساعده على أن يحتفظ بلمعان بريق نجمه على مدار سنوات عدة وفي سنوات حياته الأخيرة، مقدمًا أعمالًا في السينما والمسرح والتلفزيون مميزة، ومتنقلًا بين شخصيات عدة، منها البخيل في المسلسل الشهير "البخيل وأنا"، والمغلوب على أمره في "صابر يا عم صابر"، والريفي الذي يعيش حياته بالفطرة في "خرج ولم يعد"، وغيرها من الشخصيات الشهيرة التي جسدها النجم الذي رحل عن عالمنا عام 1998.