" النهاردة هكون الساحر وأنتم المتفرجين"، ربما كانت هذه الجملة التي قالها الفنان المصري رشدي أباظة في فيلم "الرجل الثاني" إنتاج 1959 عابرة ضمن أحداث العمل المشوقة، ولكنها تحققت بالفعل عندما سحر العيون والقلوب، فكان دنجوان السينما العربية الذي لم ينازعه أحد على هذا اللقب حتى الآن.
دخل الفتى الوسيم صاحب الطلة الملفتة قلوب الجماهير على مستوى الوطن العربي من أول مرة، سجّل فيها حضورًا على شاشة السينما المصرية، من خلال فيلم "المليونيرة الصغيرة" مع الفنانة المصرية الراحلة فاتن حمامة، ليقول عن هذا الفيلم: "رغم أنني كنت رياضيًا كبيرًا ومعروفًا إلا أنني كنت خائفًا وأرتعش من رأسي إلى قدمي".
ولد رشدي أباظة، الذي تمر ذكرى رحيله اليوم 27 يونيو عام 1980، في هذا الفيلم نجمًا كبيرًا، ولكنه قدم بعدها أدوارًا صغيرة بمشاهد قليلة مثل فيلم "رد قلبي، موعد غرام، جعلوني مجرمًا".
منذ 97 عامًا خرج رشدي أباظة، المولود في 3 أغسطس 1926، من الأسرة الأباظية الشهيرة بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية (في دلتا مصر)، فوالده عمل ضابطًا، بينما والدته إيطالية، فكانت الرياضة هي الهواية الأولى التي امتلكها واشتهر بها، حتى أنه ترك الدراسة الجامعية من أجلها إذ التحق بكلية الطيران ثم التجارة، ولكنه تفرغ للرياضة قبل أن يتجه للتمثيل، وتمتع بمواصفات جسدية أهلته ليكون بطلاً رياضيًا ثم نجمًا معروفا في السينما، ولكنه تذمر من وصف أحد الصحفيين له بأنه "مفتول العضلات" إذ شعر بأنه يتهكم منه، بحسب ما ذكره في لقاء تلفزيوني.
صدفة أدخلته عالم الفن
عرف الفن طريقه بالصدفة في حياة رشدي أباظة، كانت الرياضة كلمة السر في أن يتجه لهذا المجال، حيث التقى بالمخرج المصري الراحل كمال بركات في أحد الأندية، وكان رشدي يلعب البلياردو، وعرض عليه الوقوف أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في فيلم "المليونيرة الصغيرة"، ووافق رشدي أباظة، ولكن كان لأسرته موقف آخر، فواجه رفضًا من والده عندما علم برغبته في الاتجاه للتمثيل، وساعده ابن عمه الفنان أحمد أباظة في هذا المجال.
سجّل فيلم "الرجل الثاني" نجاحًا كبيرًا وساهم في نقله إلى منطقة جديدة في عالم النجومية والبطولة المطلقة، إذ قدمه بشكل جديد للجمهور وكشف عن مواهبه المتعددة وكان محطة فاصلة في مشواره الفني، وذلك بعد 11 عامًا من وقوفه لأول مرة على الشاشة.
دنجوان السينما العربية
كان فتى أحلام كثير من الفتيات وربما ساعده جماله وكاريزمته في أن يصل لقلوب الجمهور ولكن أداءه المميز وإتقانه وذكاءه الفني، دعم موهبته ليتخطى حدود الوطن العربي، ويكون بحق دنجوان السينما العربية، ليحتفظ بهذا اللقب حتى الآن.
على أعتاب العالمية
اقترب رشدي أباظة من أعتاب العالمية، وأن يصبح خليفة للفنان المصري الراحل عمر الشريف الذي احترف التمثيل في الخارج، إذ ساعده في ذلك بجانب وسامته وثقافته، إتقانه 5 لغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية، ولكنه اكتفى بالمشاركة كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور، كما انضم لفريق تمثيل فيلم "الوصايا العشرة" للمخرج العالمي سيسيل ديميل.
تمرد على جماله ووسامته وتخلى عنها في عدد من الأعمال مثل فيلم "صراع في النيل"، و" تمر حنة"، فتقمص شخصيات مختلفة منوعًا في أدواره ما بين الكوميديا والتراجيديا والرومانسية والشريرة والجادة، ليقدم سجلاً حافلاً من الأعمال يزيد على 150 فيلمًا كما اختير 12 منها ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ومنها فيلم "جعلوني مجرمُا"، "رد قلبي"، و"حياة أو موت".
رغم الشهرة الكبيرة التي وصل لها رشدي أباظة ولكن مساحة الدور لم تكن تفرق معه كثيرًا بقدر ما يشغله الشكل الذي سيظهر فيه، إذ يسرد الفنان المصري الراحل فريد شوقي كيف أقنعه بالظهور كضيف شرف في فيلم " كلمة شرف"، ليقول عن ذلك: "كان عندي مشكلة كيف أقنع رشدي أباظة بالظهور في دور صغير بفيلم، فقلت له عندي فيلم به دور ضابط ورئيس مصلحة السجون، وأبحث عن شخص يرهب فريد شوقي ونور الشريف وأحمد مظهر، فوجدته يقول لي أنا معاك وموافق على الدور، فرشدي كان يحب الشكل الذي سيظهر به وليس حجم الدور".
عالم الإنتاج
دخل رشدي أباظة مجال الإنتاج، إذ أنتج 5 أفلام كان أولها فيلم "عاشور قلب الأسد"، وكان هذا الفيلم فكرته وتأليفه بينما قام بالسيناريو والحوار أحمد كامل الحفناوي، ثم "طريق الشيطان" والذي قام بوضع فكرته أيضًا، وشارك في بطولته، كما أنتج فيلم "شقاوة رجالة"، "سر الغائب" و"كانت أيام" وشارك في بطولتها.
كان معشوق النساء في السينما المصرية، إذ غنت له الفنانة المصرية الر احلة شادية "وحياة عينيك" في فيلم "الزوجة الـ 13"، والفنانة اللبنانية صباح أغنية "كل حب وأنت طيب"، والفنانة المصرية نجاة "دوبنا حبايبنا"، كما غنت له الفنانة الجزائرية وردة "بكرة يا حبيبي".
5 زيجات
لم يكن رشدي أباظة دنجوان أمام الكاميرا ولكن في الحياة أيضًا، إذ تزوج 5 مرات ولكنه أنجب ابنته الوحيدة "قسمت" من زوجة أمريكية، كما تزوج من الفنانات الراحلات "سامية جمال، وتحية كاريوكا، وصباح"، ثم ابنة عمه والتي تزوجها قبل عامين من وفاته، إذ رحل في مثل هذا اليوم 27 يوليو عام 1980 عن عمر ناهز 53 عامًا، ليترك خلفه سجلاً حافلاً بالأعمال المخلدة لاسم لن يمحوه الزمن.