جاء انعقاد القمة الأولى لقادة دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى الخمس: أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان، بمدينة جدة بالسعودية في 19 يوليو 2023 تعزيزًا للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وترجمةً لما أقره الاجتماع الوزاري الأول لوزراء خارجية دول الخليج ودول آسيا الوسطى سبتمبر 2022 من خطة للعمل المشترك 2023- 3027 في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتواصل بين الشعوب؛ لذلك يكتسب انعقاد القمة أهميته في هذا التوقيت من أنه يعكس حيوية منطقة آسيا الوسطي ومركزيتها في التنافس الإقليمي والدولي، في ظل ما تمتلكه من موارد وثروات طبيعية جعلها محط أنظار القوى الكبرى والمتوسطة في النظام الدولي.
مقومات التعاون
هناك العديد من المقومات الداعمة للتعاون بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، وهي تلك المقومات التي يُمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:
(*)الأهمية استراتيجية: تقع دول آسيا الوسطى في منطقة جغرافية، تُعد قلب آسيا أو قلب العالم، بما يكسبها أهمية استراتيجية لدى الدول الساعية لتعزيز شراكتها معها.. وتقدر مساحة الدول الخمس مجتمعة أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، وكازاخستان بنحو 4 ملايين كم2، وتمتد من غرب الصين شرقًا حتى بحر قزوين وإيران غربًا، بعدد سكان يصل إلى 73 مليون نسمة، وناتج محلى إجمالي يصل إلى نحو 300 مليار دولار للدول الخمس، بما يعكس ثقلها الاقتصادي.
(*) الركائز الاقتصادية: تقدر احتياطات الغاز في دول آسيا الوسطى والقوقاز بنحو 34 % من الإجمالي العالمي، مما يؤهلها لدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي، وتمتلك طاجيكستان موارد مائية ضخمة تقدر بـ65% من موارد المياه في إقليمها. وفى القطاع الزراعي تعد كازاخستان من أهم خمس دول في العالم في إنتاج القمح، وتتميز أوزبكستان بإنتاج القطن طويل التيلة، كما تمتلك دول آسيا الوسطى ثروات هائلة من الغابات والثروات الخشبية، وهو ما يجعلها تتميز بوجود قطاع زراعي واعد اكتسب أهميته بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وما أنتجته من مشكلة مرتبطة بإمداد الحبوب.
(*) التعاون الأمني: يُشكل المجال الأمني أحد المجالات الرائدة للتعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج ودول آسيا الوسطى، هو الأمر الذي تجلى خلال اجتماع دول آسيا الوسطى 31 يوليو 2022 في مدينة شولبون آتا بقرغيزستان، وتأكيدهم على أهمية التعاون في مكافحة الإرهاب الدولي والتطرف الديني والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، معبرين عن أهمية الحاجة إلى تهيئة ظروف تنظيمية وقانونية واقتصادية مواتية؛ لتعزيز التعاون في هذه المجالات والالتزام بالقانون الدولي لمكافحة الاتجار بالمخدرات واتفاقيات الأمم المتحدة الثلاث ذات الصلة، وتعزيز التدابير لمكافحة تهديد المخدرات والمؤثرات العقلية، وإنتاجها وتصنيعها والاتجار غير المشروع بها.
دلالات الانعقاد
يعكس انعقاد القمة بين دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى الخمس، العديد من الدلالات التي انعكست على بيان القمة الختامي، وهو ما يمكن إبراز أهمها في العناصر التالية:
(*) تعزيز حوار الجنوب- الجنوب: عكس ارتفاع مستوى تمثيل المشاركين في القمة على مستوى قادة دول الخليج وقادة دول آسيا الوسطى، أهمية حوارات الجنوب – الجنوب. وهي تلك الحوارات التي تناقش طبيعة التعاون بين دول الجنوب وأولويات هذا التعاون، فضلًا عن التحديات التي تواجه تلك الدول وكيفية مواجهتها. فدول الخليج لديها الملاءة المالية، وتمتلك دول آسيا الوسطى بموقعها الجيواستراتيجي موارد ضخمة في العديد من المجالات، بما يعطيها ميزة نسبية تنافسية تعزز التعاون بين الجانبين، فكازاخستان تعتبر عاشر دولة منتجة للبترول، وتركمانستان تعد رابع دولة في احتياطات الغاز الطبيعي، بينما تمتلك أوزبكستان وفرة سكانية وموقعًا استراتيجيًا، فهي تقع في قلب آسيا الوسطى، كما تتميز كل من طاجيكستان وقيرغيزستان برغم محدودية اقتصادهما بوفرة الموارد المائية.
(*) محورية آسيا في استراتيجيات القوى الصاعدة: يُشكل التوجه إزاء آسيا أحد التوجهات الرئيسية للقوى الصاعدة في النظام الدولي، وكذلك لدى القوى الكبرى التي تمتلك استراتيجيات إزاء تلك الدول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، إذ تُعد الأخيرة اللاعب الأبرز في المنطقة بحكم الجوار والعلاقات التاريخية والثقافية بينهما، وتشغل ثلاث دول من آسيا الوسطى (كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان) عضوية منظمة الأمن الجماعي التي تُعد بمثابة ناتو مصغرًا تقوده روسيا، كما تعد الصين من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين لكل دولة من دول آسيا الوسطى، مما يعكس طموحاتها الاستراتيجية في المنطقة.
(*) دعم التسامح والتعايش السلمي بين المجتمعات: اعتبر البيان الختامي للقمة أن التسامح والتعايش من أهم القيم والمبادئ للعلاقات بين الأمم والمجتمعات، لذلك رحب القادة المشاركون في فعاليات القمة باعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2686، الذي أقر المجلس بموجبه بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من أشكال التعصب والتمييز بين الجنسين وأعمال التطرف يُمكن أن تُسهم في اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها، كما أعربوا عن قلقهم إزاء تزايد الخطاب حول العنصرية وكراهية الإسلام، وأعمال العنف ضد الأقليات المسلمة والرموز الإسلامية. وأثنى القادة على نتائج وأهداف مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية الذي يعقد في كازاخستان منذ عام 2003 من أجل مناقشة المبادئ التوجيهية العالمية لتحقيق الاحترام والتسامح فيما بين الأعراق والأديان.
(*) تعزيز التعاون التنموي: أبدى القادة المشاركون في القمة أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتشجيع الاستثمار المشترك، من خلال تعزيز العلاقات بين المؤسسات المالية والاقتصادية، وقطاعات الأعمال لدى الجانبين لاستكشاف مجالات التعاون والفرص المتاحة، وتوفير مناخ جاذب لقطاع الأعمال والتجارة والاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي لتحقيق المنفعة المتبادلة، كما دعا القادة إلى تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة وتطوير مجالات الاستثمار، وبحث الأولويات التنموية وتبادل الخبرات في ضوء خطة العمل المشتركة، لذلك رحب القادة بقرار السعودية لاستضافة منتدى الاستثمار بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، في الربع الأخير من عام 2023، وبمبادرتي تركمانستان وقيرغيزستان لاستضافة منتدى الاستثمار بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في عام 2024.
(*) محورية التعليم والبحث العلمي: تبنى البيان الختامي التأكيد على تعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي والتعليم العالي والتدريب المهني وتشجيع التعاون بين الجامعات ومراكز البحث العلمي لدى الجانبين، وتوفير فرص التعليم في الجامعات التقنية، حيثما أمكن للطلاب من دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب من خلال التواصل بين الخبراء والمختصين في مجالات التعليم.
(*) مواجهة التغيرات المناخية: تعد التغيرات المناخية أحد أبرز التحديات التي تواجه جميع الدول بلا استثناء ـ لذلك أعرب القادة المشاركون في القمة عن تطلعهم إلى تعزيز التعاون ودعم الدور الرائد الذي يقوم به الجانبان لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وجددوا ترحيبهم ودعمهم لدولة الإمارات لاستضافتها مؤتمر COP28 لدعم الجهود الدولية في هذا الإطار كدول نامية، من خلال التأكيد على مبادئ وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس، لاسيما الإنصاف ومبدأ المسؤوليات المشتركة، ومراعاة الظروف والأولويات الوطنية المختلفة، وأن يراعي في تنفيذ الاتفاقيتين الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية الناجمة عن تدابير الاستجابة لتغير المناخ، خاصةً تلك المؤثرة على الدول النامية الأكثر عرضة لهذه الآثار، وسيوفر COP28فرصة لتقييم هذه المسائل والتقدم المحرز في الجهود الجماعية الرامية إلى تنفيذ هذه الاتفاقات الدولية.
مجمل القول، إن انعقاد القمة الأولى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى يعكس محورية منطقة آسيا الوسطى في استراتيجيات المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تسعى لإثراء شراكاتها الاستراتيجية مع الأقاليم الصاعدة. وهو الأمر الذي تبنته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، عندما أشارت إلى أن انعقاد القمة يستهدف تعزيز علاقات دول مجلس التعاون مع دول آسيا، انطلاقًا من مبادئ وأهداف مجلس التعاون المنصوص عليها في النظام الأساسي لعام 1981 وإيجاد نوع من الشراكة وتطوير الآليات لضمان استدامة التشاور والحوار.