أجرى رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا جولة خليجية، في الفترة من 16 إلى 18 يوليو 2023، شملت دول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، تصدرها بحث التعاون في مجالات الطاقة والمناخ والتحول الأخضر، وهي الأولى له إلى منطقة الخليج العربي.
وفي ثالث محطة بجولته الخليجية، زار كيشيدا قطر في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء ياباني إلى الدوحة لأكثر من 10 سنوات، سعيًا لتعزيز إمدادات الغاز، معلنًا الاتفاق مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد على الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
وبشكل عام؛ أسفرت زيارة كيشيدا عن توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الجانب السعودي، ونحو 23 اتفاقية مع الجانب الإماراتي، في مجالات الطاقة المتجددة والمناخ والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتعدين والكيماويات والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والتجارة والاستثمار والفضاء والنقل.
ملفات رئيسية
سادت ملفات الطاقة والتعاون الاقتصادي والتقني وتعزيز سلاسل الإمداد على زيارة رئيس وزراء اليابان إلى منطقة الخليج العربي، في ظل التوترات بين روسيا واليابان في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، وانضمام طوكيو للعقوبات الغربية على موسكو.
(*) تعزيز أمن الطاقة: لطالما كانت إمدادات الطاقة من النفط والغاز الطبيعي المسال من منطقة الخليج أحد محددات سياسة اليابان تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتعززت تلك الروابط في عهد رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذي زار الخليج في 2020، إذ تمثل السعودية والإمارات على التوالي أكبر موردي النفط إلى اليابان.
وكان من اللافت أن تشمل الجولة زيارة قطر لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، في ظل احتياج طوكيو لإمدادات ثابتة وطويلة الأجل من الغاز الطبيعي المسال، تحت ضغط شركات الطاقة اليابانية بعدما انتهت عقود توريد الغاز بين شركة جيرا اليابانية مع قطر في 2021، مما أدى لفقدان 5.5 مليون طن سنويًا.
وعلى الرغم من تأكيد كيشيدا على دور بلاده كرئيس حالي لمجموعة السبع الصناعية في تعزيز الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال في التحول للطاقة الخضراء، إلا إنه لم يحصل على اتفاق واضح لتأمين إمدادات غاز مستقرة.
كما أكد أهمية التعاون بين بلاده ودول الخليج العربي في تأمين سلاسل إنتاج مكونات الطاقة المتجددة، استغلالًا للمزايا المشتركة من ناحية الموقع الاستراتيجي على طرق إنتاج الطاقة العالمية والوفرة المالية الخليجية من جهة وتوفر التكنولوجيا المتطورة لليابان من جهة أخرى.
وشملت الزيارة إطلاق مبادرة "منار" السعودية-اليابانية للتعاون في مجال الطاقة النظيفة، التي تستهدف توسيع التعاون بين الشركات الرائدة في البلدين لإنتاج مكونات وسلاسل إمداد الطاقة المتجددة عالميًا، ويشمل التعاون إنتاج الهيدروجين والوقود الصناعي والأمونيا الخضراء وإعادة تدوير الكربون واستخلاصه من الهواء.
وروج رئيس الوزراء الياباني لتحويل منطقة الشرق الأوسط عامة، ودولة الإمارات خاصة، إلى "مركز عالمي للطاقة الخضراء" اعتمادًا على الاستثمارات الضخمة لأبوظبي في المنطقة من جهة، والتقنيات اليابانية لإزالة واستخلاص الكربون من جهة أخرى، في ظل مساعي الإمارات لإنجاح مؤتمر "كوب 28" وقيادة العمل المناخي الدولي.
(*) تسويق التكنولوجيا اليابانية: تسهم اليابان بفاعلية في التعاون بمجالات التكنولوجيا المتقدمة ودعم صناعة الفضاء الخليجية، في ظل التعاون بين طوكيو وأبو ظبي في مجال تكنولوجيا الفضاء من خلال صواريخ "H2A". كما نجح مركز محمد بن راشد للفضاء، بالتعاون مع شركة "آي سبيس" الفضائية اليابانية في تشغيل مسبار "المستكشف راشد" الذي تم إرساله في مهمة لاستكشاف القمر في أبريل 2021.
ويشير تطلع طوكيو لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع منطقة الخليج العربي إلى أهمية دعم تنافسية التعاون التقني والصناعي للمنتجات اليابانية، بالمقارنة بالمنتجات الصينية الرخيصة نسبيًا، خاصة في ظل التوجه الاستراتيجي الصيني لتعميق الانخراط في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الثقة مع شركائها الإقليميين، عبر التعاون المشترك مع منطقة الخليج في مجالات الطاقة النووية والفضاء.
وتأتي أهمية السوق الخليجي الأوسع، إذ يمثل مجلس التعاون بدوله الست، الشريك التجاري الرابع لليابان بإجمالي صادرات يصل إلى 76,7 مليار دولار، بينما تمثل فاتورة الاستيراد الخليجية من اليابان 22 مليار دولار، حسب تصريحات أمين عام المجلس جاسم البديوي، وهو ما دفع لبحث الجانبين استئناف مفاوضات اتفاقية تجارة حرة على غرار العديد من القوى والتكتلات الدولية التي توجهت لمنطقة الخليج في أعقاب التحديات الاقتصادية التي خلفها تفشي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
وعلى صعيد دعم صناعة أشباه الموصلات اليابانية، روّج رئيس الوزراء الياباني خلال مقال له، نشرته وكالة أنباء الإمارات "وام" في 16 يوليو 2023، لاجتذاب استثمارات مباشرة في مجال صناعة أشباه الموصلات لصالح تعزيز سلاسل إمدادها عالميًا، واستبق كيشيدا الزيارة بالدعوة لشراكة ابتكار بين بلاده ودولة الإمارات، كما اتفق مع رئيس دولة الإمارات على دراسة ضخ استثمارات إماراتية لصالح صناعة أشباه الموصِّلات والبطاريات الكهربائية في اليابان، حسب مجلة "نيكي آشيا" اليابانية.
(*) دعم "انفتاح منطقة المحيطين": لم تخلُ زيارة كيشيدا لمنطقة الخليج العربي من الترويج لرؤية اليابان لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ "الحرة والمفتوحة" والمعروفة اختصارًا بـ"فويب FOIP" في ظل تولي بلاده رئاسة مجموعة السبع الصناعية، وأشار رئيس وزراء اليابان في حوار مع وكالة الأنباء القطرية "قنا" إلى أهمية التفاعل (القطري في هذا السياق، والخليجي بوجه عام) مع التطورات في منطقة المحيطين التي يعد الجانبان جزءًا منها، حسب تصريحات كيشيدا.
وإجمالًا؛ تمثل زيارة رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا تأكيدًا على تعطش بلاده لمصادر الطاقة التقليدية وتطلعها لتعاون أوسع مع الدول الخليجية في صناعة الطاقة الخضراء، وفي المقابل يسعى كيشيدا لتعزيز موقع طوكيو على خريطة صناعة أشباه الموصلات عالميًا عبر الاستفادة من الاستثمارات الخليجية، وتعميق الروابط الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة للحد من النفوذ الصيني المتصاعد على جميع الأصعدة.