الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لماذا سعّت دول الخليج للوساطة بين روسيا وأوكرانيا؟

  • مشاركة :
post-title
الشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

حافظت الدول الخليجية على موقف حيادي من الأزمة الروسية-الأوكرانية منذ بدايتها، كما سعّت لتكريس تلك الرسالة في انخراطها مع موسكو وكييف، وفي مجمل تفاعلاتها الدولية لتأمين درجة من التواصل والانفتاح على خيارات تخفيف حدة الأزمة، والتقدم للأمام في بحث سبل إنهاء الحرب وتداعياتها على الأمن والاقتصاد العالميين.

يأتي ذلك فيما كشفت وكالة رويترز، يوم الخميس 24 نوفمبر الجاري، عن محادثات بين روسيا وأوكرانيا، جرت في السابع عشر من الشهر الجاري بالأراضي الإماراتية.

مساعٍ مستمرة:

تبرز مؤشرات مختلفة رغبة الدول الخليجية في الانخراط بمسارات إنهاء الأزمة، تتمثل في دعم خفض التصعيد عبر التواصل مع جميع الأطراف المعنية، وبذل جهود المساعدة الإنسانية لحماية المدنيين، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

(*) الدور الإماراتي: بذل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أولى تحركات دول الخليج العربي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث هاتف رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين في الأول من مارس 2022، قبل اتصاله بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الرابع من الشهر نفسه، مؤكدًا ضرورة استمرار الاتصالات والمشاورات الجادة لحل الأزمة، والتوصل إلى تسوية سياسية لها. كما أكد الشيخ محمد بن زايد أن أبوظبي ستستمر في اتصالاتها مع مختلف الأطراف المعنية بالأزمة، للمساعدة في إيجاد الحل السياسي.

كما حرص رئيس دولة الإمارات خلال لقائه نظيره الروسي في سانت بطرسبرج في 11 أكتوبر الماضي، على تأكيد أهمية الحلول الدبلوماسية التي تخدم مصالح جميع الأطراف، وتحقق السلام والاستقرار العالمي.

الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه بوتين في سانت بطرسبرج

وأعلنت أبوظبي تقديم مساعدات إغاثية للمدنيين في أوكرانيا عبر حزم متتالية، أولها بقيمة 5 ملايين دولار مطلع مارس 2022، وقدمت الحكومة الإماراتية أطنان من المساعدات الطبية والغذائية خلال شهري مارس وأبريل. وفي 18 أكتوبر الماضي وجّه رئيس الدولة بتقديم 100 مليون دولار مساعدات إنسانية للمدنيين الأوكرانيين المتضررين من الأزمة.

وذكرت وكالة رويترز، في 24 نوفمبر الجاري، أن مفاوضات روسية-أوكرانية جرت في العاصمة الإماراتية في 17 من الشهر الجاري، وبحثت تبادل أسرى الحرب الأوكرانيين مقابل استئناف صادرات الأمونيا الروسية، التي تستخدم في صناعة الأسمدة، من منطقة الفولجا إلى البحر الأسود، عبر خط أنابيب قادر على حمل 2,5 مليون طن سنويًا، وينتهي بميناء بيفديني الأوكراني لتصديرها إلى دول آسيوية وإفريقية.

(*) الدور السعودي: عرض ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الوساطة بين روسيا وأوكرانيا خلال مكالمتين تلقاهمها من الرئيسين الروسي والأوكراني في 3 مارس 2022، مبديًا استعداد المملكة لدعم كل الجهود الدولية الرامية لخفض التصعيد وحل الأزمة سياسيًا.

وفي 21 سبتمبر 2022، لعبت وساطة ولي العهد السعودي دورًا مباشرًا في إطلاق سراح عشرة مواطنين من خمس دول هي (أمريكا وبريطانيا والسويد وكرواتيا والمغرب) كانت أسرتهم القوات الموالية لروسيا، بدعوى مشاركتهم إلى جانب القوات الأوكرانية في مواجهات بإقليم دونباس.

وفي منتصف أكتوبر 2022، أعلن ولي العهد السعودي، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني، تقديم 400 مليون دولار مساعدات إنسانية للإسهام في تخفيف معاناة الشعب الأوكراني.

لقاء الشيخ تميم بن حمد وفلاديمير بوتين في كازاخستان

(*) تحول الموقف القطري: رغم تصريحاتها الأولى الرافضة لما أسمته بالحرب غير العادلة، إلا أن الموقف القطري ظل متمسكًا بأهمية الحوار والدعوة لإنهاء الأزمة بالطرق والوسائل السلمية، فضلًا عن تأكيد حياديته في الأزمة، وهو ما ظهر لاحقًا في لقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس الروسي في 13 أكتوبر 2022 بكازاخستان. وأبدت الدوحة استعدادها للوساطة بين الجانبين الروسي والأوكراني، وهو ما برز مطلع يونيو 2022، خلال لقاء نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نظيره الروسي سيرجي لافروف بالرياض، على هامش الاجتماع الوزاري الخليجي، الذي حضر لافروف جانبًا منه.

ثمار الوساطة:

سعت المجموعة الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لإبراز دورها البنّاء بالأزمة عبر المحددات سالفة الذكر، ففي الوقت الذي حافظت على علاقاتها مع روسيا والتعاون في مجال الطاقة ضمن تحالف "أوبك بلس"، لكنها أدانت استخدام القوة في أوكرانيا، وكذلك ضم روسيا أقاليم زابوريجيا ودونيتسك ولوجانسك وخيرسون الأوكرانية.

وأشرّت تلك الخطوات على إدراك خليجي لخطورة الحرب وأهمية تضييق الفجوات بين الأطراف المباشرة في الأزمة وتعكس التوجهات التالية:

(*) البناء على المتكسبات: دللت التحركات الخليجية على أولوية تعزيز التحرك الجماعي الدولي لتخفيف آثار الأزمة، إذ تزامن اللقاء -كما أعلنت عنه رويترز في 17 نوفمبر 2022- مع تمديد اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة وتركيا لأربعة أشهر إضافية قبيل انتهاء الاتفاق بيومين، للإسهام في تجنيب العالم مواجهة النقص الحاد للحبوب، والدخول في أزمة غذاء واسعة النطاق.

لقاء سابق بين الشيخ محمد بن زايد وزيلينسكي

كما يمثل استعراضًا لفاعلية الدور الدبلوماسي الخليجي كطرف نزيه ومحايد قادر على جمع مختلف الأطراف تحت مظلة المصالح المشتركة، في إطار الالتزام بالشرعية الدولية والنظام الدولي متعدد الأطراف، للإسراع بتغيير مسار الصراع، وتعزيز الأمن والاستقرار العالميين، وليس عن طريق استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، التي تتسع مضارها إلى شعبي البلدين، وتُخلِّف أزمات إنسانية أو تُفاقِمها.

(*) الحفاظ على التوازن: سعت دول الخليج لتعظيم دورها الإيجابي على الصعيد الدولي، في واقع متغير فرض نوعًا من التعاون مع روسيا في مجال الطاقة، دون الإضرار بعلاقاتهم أو نفوذهم الدولي المبني على تعزيز السلام والتعايش. ومن ثم يعبر الموقف من الأزمة عن مساعي الخليج للحفاظ على ارتباط قرارهم الخارجي بالمصالح والأولويات الوطنية، فمن ناحية يكتسب هذا الموقف بعدًا إنسانيًا عالميًا تجاه الشركاء في إفريقيا، أكثر المناطق المتضررة من نقص إمدادات الغذاء، ومن ناحية ثانية لتحييد الضغوط الأمريكية ومخاطر سياسة المحاور التي سترتفع كلفتها وارتداداتها بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة مع انخراط روسيا بالعديد من الأزمات الإقليمية، ومنع بروز تحالف إيراني-روسي يهدد أمن المنطقة، إذا ما انتقل تقاطع المصالح بينهما إلى تطابق في الرؤى والمواقف.

الأمير محمد بن سلمان وفلاديمير بوتين

(*) الإطار القيّمي: تواجه الدول العربية والخليجية منها على وجه التحديد هجومًا ضاريًا يستهدف قيمها ومُثُلها الوطنية والقومية، منذ بروز ظاهرة الإرهاب مطلع القرن الحادي والعشرين، وربطها بالبعد الديني والعقائدي، وصولًا للمساعي الغربية بتعزيز وضع المثلية الجنسية. وتسعى في مواجهة التنميط السلبي لثقافتها، إلى إبراز ثقافة السلام على رأس منظومة قيمها وتعزيز الصورة الذهنية الإيجابية لثقافتها وانفتاح مجتمعاتها على الآخر، شريطة احترام خصوصية تلك المجتمعات ومعتقداتها على الأصعدة كافة.

وإجمالًا؛ يزداد زخم الجهود الخليجية في التوسط بين أطراف الأزمة الروسية-الأوكرانية، مع التقائها بجهود عربية وأخرى دولية، سعيًا لتجنب تداعيات الحرب على مصالحها الاقتصادية والأمنية، كما تعدها فرصة لتعزيز نفوذها وبناء صورة ذهنية إيجابية تضمن احترام قيم وثقافة مجتمعاتها على الصعيد الدولي.

وسوم :