انطلاقًا من إيمان عراقي اتفقت معه دمشق بأن مفتاح أمن المنطقة واستقرارها مكمنهُ مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية ذات الجذر الاقتصادي، وربط الشعوب بشراكات ومصالح، قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الأحد، بإجراء مباحثات مع الرئيس السوري بشار الأسد، تعزيزًا للعلاقات بين البلدين، في زيارة استثنائية هي الأولى منذ 13 عامًا.
قال السوداني في مؤتمر صحفي مشترك مع الأسد، اليوم: "زيارتنا هي لبحث التعاون في كل المجالات، وتعزيز العلاقة، التي نرى أن من المهم تطويرها"، وشدد على أنه من "ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار بلدينا إزاء التحديات الأمنية، ونحتاج إلى المزيد من التنسيق على مستوى الأجهزة الأمنية، وخصوصًا في المناطق الحدودية".
وفي تقدير الدكتور عصام الفيلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية ببغداد، في تصريحات خاصة أدلى بها لموقع "القاهرة الإخبارية" تأتي زيارة السوداني وهي استجابة لدعوة وجهها له الرئيس بشار الأسد، استكمالًا لنهج سوريا للانفتاح العربي، لكنه لم يستبعد أهداف "أسمى" لطبيعة الزيارة تسعى من خلالها بغداد لتفعيل لجانها المشتركة المعنية بالحصص المائية ومكافحة الإرهاب وتعزيز العلاقات التجارية مع الجارة دمشق.
علاقات متوازنة
قال الدكتور الفيلي، إنه رغم توافق العراق مع مساعي سوريا نحو إعطائها المزيد من القوة الدافعة للانفتاح العربي، حيث تتوقع دمشق من الزيارة الجارية مساعدة بغداد في التوسط لإزالة العديد من التوترات الإقليمية والدولية، إلا أنه في تقديره يرى أن العراق بدوره حريص على مسألة أساسية، وهي إقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى بما يحقق مصالحها بشكل أساسي.
وقال الرئيس الأسد خلال المؤتمر الصحفي اليوم إن "العراق كان صوت سوريا حكومة وشعبًا بالمحافل المختلفة، كما رفض كل التبريرات التي وقفت ضد سوريا"، مضيفًا "العراق رفض منذ البداية جميع أنواع العدوان على سوريا".
من جانبه، أكد السوداني إن "العراق يدعم الإجراءات الرامية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، وضمان وصول إدخال المساعدات الضرورية إلى الشعب السوري، والتخفيف من وطأة المعاناة الإنسانية".
الهدف الأسمى
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الحصص المائية لكل من العراق وسوريا والمتعلقة بأزمة نهر الفرات هي واحدة من التحديات الُملّحة التي تواجه البلدين، إذ تحولت العديد من المجاري المائية إلى "مناطق مقفرة في العراق وسوريا، وتحول فيها نهر الفرات إلى أشبه ما يكون بساقية صغيرة من الماء بعد أن فقد خصائصه كنهر كبير"، مضيفًا "أعتقد أنها مسالة أساسية تستدعي تفعيل اللجان المشتركة بين البلدين، والهدف الأسمى بالنسبة للعراق" من الزيارة.
والعراق وسوريا يتشاركان مجرى نهر الفرات الذي ينبع من تركيا، إذ تشكو الدولتان من تراجع تدفق مياهه وتحملان أنقرة جزءًا من المسؤولية.
وفعّلت الحكومة العراقية، مطلع يناير 2023، ملف التفاوض مع تركيا وإيران وسوريا حيال حصصها المائية من نهري دجلة والفرات، وأعلنت عن دفع إطلاقات مائية من سدود دوكان ودربندخان والموصل باتجاه نهر دجلة لرفع منسوب النهر بعد تراجع غير مسبوق في مستوى مناسيب نهري دجلة والفرات.
تهديدات أمنية مشتركة
وتحدث أستاذ العلوم السياسية عن الأهمية التي يفرضها الملف الأمني على زيارة السوداني لدمشق، مشيرًا إلى رغبة العراق في "تنسيق أمني عالي" مشترك بين البلدين لتفكيك "مخيم الجدعة" وإعادة قاطنيه إلى مناطقهم بعد أن بات أطفاله ومن بلغ منهم مبلغ الشباب بمثابة قنابل موقوتة تهدد أمن كلا البلدين.
وأوضح أن المخيم الذي "يأوي قيادات كبار التنظيمات، يسكنه أكثر من 7 آلاف عراقي، ونحو 7 آلاف سوري، وأكثر من 10 آلاف شخص يحملون جنسيات 20 دولة"، بحد قوله.
وأشار السوداني خلال المباحثات مع الأسد، اليوم، إلى ضرورة "العمل المشترك لمعالجة مشكلة اللاجئين وضمان العودة الآمنة والكريمة لهم، حال استقرار الأوضاع في مناطق سكناهم"، لافتًا إلى أنه "تم توجيه الأجهزة المعنية بالتعاون مع سوريا من خلال القنوات الرسمية، في ما يتعلق بمخيم الهول".
الخطر الأكبر
على الجانب الآخر، أشار الفيلي إلى أن "العراق يدرك تمامًا أن الخطر الأكبر الذي يواجهه في الحقيقة هو المخدرات"، مبينًا أنه بعد أن كان المتداول مليون أو مليوني حبة كابيتون تدخل العراق، "أصبحنا اليوم نتحدث عن 25 مليون حبة تدخل العراق في الثلاثة أشهر الأولى (من العام)"، إضافة إلى مصادر قدرت أن أكثر من 54 مليون حبة ونحو 350 كليو كوكايين دخلت العراق خلال السنوات الأخيرة الماضية، بحد قوله.
أضاف، أن "الجهد الأمني والاستخباري للعراق في مقارعة هذا الملف بحاجة على مزيد من التنسيق المشترك بين العراق وسوريا عبر إقامة غرفة عمليات مشتركة فيما يخص التهديدات الأمنية".
علاقات مؤسسية.. إشارة نبيلة
بينما اعتبر الرئيس السوري، زيارة السوداني لدمشق "فرصة لبناء علاقة مؤسسية" وتحقيق قفزة كبيرة في التعاون الثنائي بين البلدين، عدّ السياسي السوري، طارق الأحمد، إشارة الأسد "أساسية ونبيلة" لأن تصبح العلاقات بين البلدين علاقة مؤسسات لا أنظمة سياسية.
قال عضو المكتب السياسي بالحزب السوري القومي الاجتماعي، في تصريحات خاصة أدلى بها لموقع" القاهرة الإخبارية" إن: "العلاقات بين البلدين دومًا بقيت رهينة المواقف السياسية"، وفي تقديره وجد أن دعوة الأسد "إشارة جوهرية ونبيلة جدًا" مضيفًا "من الخطأ حتى على الحكومات المتعاقبة في البلدين أنها كانت تترك العلاقات بين الشعبين رهينة للعلاقات بين السلطتين أو النظامين".
أشار السياسي السوري إلى أن من شأن تحويل العلاقات بين البلدين إلى علاقات مؤسسية "أن لا تبقى حبيسة الأهواء السياسية، وأن تصبح علاقات متجذرة في مختلف المجالات وليس لها علاقة بتحسين أو سوء العلاقة السياسية"، مضيفًا "وهذا الأمر مُناط بفتح الطرق والسكك الحديد وتفعيل التواصل بين القرى والمدن بين البلدين، وألا يكون هناك معبر واحد بينهما".
ودعا إلى أنه بموجب هذه الدعوة يجب على كل المؤسسات أن تصبح ذات علاقات مع نظيراتها العراقية وتنسق وحدها دون الرجوع للسلطة المركزية في البلدين.
تعاون ثنائي كامل
وعن المباحثات الثنائية لتعميق التعاون بين البلدين، التي كان ثمارها إعلان السوداني أن أبواب العراق مفتوحة للاستثمار، أكد السياسي السوري، أنه ثمة هناك تكامل يمكن أن يشمل البلدين لا سيما على الصعيد الاقتصادي والتجاري.
قال الأحمد: "هناك الكثير من الأمور (البضائع) يريد العراق استيرادها وتصديرها يمكن أن تكون عبر المرافئ السورية، حيث بوابته عبر البحر المتوسط، وجل ما تحتاجه سوريا يوجد في العراق من نفط ومصادر للطاقة".
أضاف: "وبالتالي لا تحتاج العلاقات السورية العراقية إلا أن تكون علاقات طبيعية لتصب في مصلحة البلدين والشعبين"، أملًا"من الممكن أن ننقل الشعبين من العوز إلى مرحلة الاكتفاء في حال عادت العلاقات إلى الحال الذي يجب أن تكون عليه".