يزور محمد شيّاع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، القاهرة، اليوم الاثنين، على رأس وفد حكومي رفيع، بعد نحو شهرين من زيارة سابقة أجراها للبلاد، ومن المُنتظر أن يوقع الجانبان المصري والعراقي، عددًا من مذكرات التفاهم في المجالات المالية والتجارية، في ظل انعقاد أول اجتماعات اللجنة المشتركة بعد تفعيلها إلى مستوى التنفيذ.
وجرت مراسم استقبال رسمية لرئيس الوزراء العراقي، في العاصمة المصرية، واستقبله نظيره المصري، مصطفى مدبولي، في مطار القاهرة الدولي، وعُزف النشيدان الوطنيان العراقي والمصري، واستعراض حرس الشرف.
وسيلتقي "السوداني" خلال الزيارة، الرئيس المصري، وسيعقد عددًا من اللقاءات والاجتماعات مع كبار المسؤولين في الحكومة المصرية، كما سيلتقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وشيخ الأزهر الشريف، أحمد الطيب، بالإضافة إلى عقد لقاء موسّع مع الجالية العراقية، المقيمة في مصر، وفق ما أورد مكتب رئاسة الوزراء العراقية.
شراكة استراتيجية بعيدة المدى
ويرى الدكتور عصام الفيلي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية في بغداد، في تصريحات خاصة لـ"موقع القاهرة الإخبارية" أن زيارة رئيس الوزراء العراقي للقاهرة، اليوم الاثنين، ينظر إليها باعتبارها تفعيلًا للزيارة السابقة التي أجراها لمصر، شهر مارس الماضي، و"هي تأكيد على أن العراق جاهز لإجراء الاتفاقيات السابقة بكل حذافيرها، بعد اتخاذ التفعيل الحقيقي لها من خلال الزيارات اللاحقة".
أضاف "السوداني بزيارته هذه يريد أن يؤكد أن الشراكة بين العراق ومصر شراكة استراتيجية بعيدة المدى".
تجربة رائدة
وتحدث "الفيلي" عن اجتماعات اللجنة المصرية العراقية المقرر انعقادها، يوم غدٍ الثلاثاء، وما يمكن أن تثمر عنه من اتفاقات لاسيما في مجال التعاون بملف إعادة الإعمار، قال: "العراق بحاجة إلى ما لا يقل عن 5 ملايين وحدة سكنية، وبعد توقيع الميزانية الاستثمارية لـ3 سنوات، سيكون العراق قبلة لشركات الإعمار والبناء المصرية".
وفي تقدير أستاذ العلوم السياسية العراقي، فإن مستقبل الشركات المصرية واعد في العراق وربما يتجاوز عقودًا من الزمن، بمجرد الاتفاق في هذا الملف، موضحًا أن مصر تمتلك تجربة واسعة في البناء، سواء كانت مدنًا في الصحراء، أو مدنًا تعمل على استراتيجية الطاقة النظيفة، وهو ما يعد العراق في أمس الحاجة إليه الآن.
وسيتضمن اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين العراق ومصر، المقرر الثلاثاء، توقيع عدد من مذكرات التفاهم في المجالات المالية والتجارية، وفي مجالات السياحة والتطوير الإداري والتدريب الدبلوماسي، والاتفاق على تبادل الخبرات في مُختلف المجالات والحقول، وفق بيان مكتب رئاسة الوزراء العراقية.
ثقل إفريقي
أشار أستاذ العلوم السياسية العراقي إلى أنه بجانب امتلاك مصر شركات قابضة عابرة للقارات لديها القدرة على تقديم المُنجز المعماري، فهي دولة عربية كبرى، ولها ثقل في القارة الإفريقية، ومن الممكن تفعيل كثير من المشاريع الاستراتيجية في هذا الاتجاه، ولهذا العراق جاهز لعقد الكثير من الاتفاقيات معها.
سوق طاقة عربي
وتوقع "الفيلي" أن تعقب زيارة السوداني للقاهرة، زيارات قمة ثلاثية جديدة على غرار قمة العقبة السابقة، التي انعقدت بين رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبدالله الثاني في يونيو 2021، لبحث سبل التعاون والتنسيق والتكامل الاستراتيجي بين البلدان الثلاثة، قائلًا: "ربما يكون هناك اتفاقية أخرى لإنتاج سوق طاقة عربي واسع الانتشار".
إشارة البدء
أما في تقدير الدكتور أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، خلال تصريحات خاصة أدلى بها لموقع "القاهرة الإخبارية"، تؤكد زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى مصر، ثقة العراق في مصر والقيادة المصرية، خصوصًا أن لقاء السوداني والرئيس المصري، سيكون الثالث خلال شهور قليلة، إذ كان اللقاء الأول على هامش القمة العربية في الجزائر، والثاني في القاهرة خلال زيارة دولة رئيس الوزراء العراقي لمصر مارس الماضي، وهاهي الزيارة الثالثة التي بدأت اليوم.
وعدّد خبير العلاقات الدولية، أسباب أهمية زيارة السوداني للقاهرة في هذا التوقيت، وفي المقام الأول عدها تعبيرًا عن رغبة وإرادة سياسية عراقية حقيقية في تعميق وتجذير العلاقة المصرية العراقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
أضاف أن الزيارة تعبر عن رغبة من العراق في البناء على ما تم الاتفاق عليه، سواءً في إطار الزيارات الثنائية بين مصر والعراق، وفي الإطار الثلاثي المصري الأردني العراقي، وكذلك وضع حجر الأساس لمرحلة جديدة من التعاون المصري العراقي، سواءً على المستوى الثنائي أو على مستوى الآلية الثلاثية بالاتفاق مع الأردن.
وفي تقديره، أكد خبير العلاقات الدولية أن الزيارة يُمكن النظر إليها باعتبارها مؤشرًا على "إشارة البدء" للمشروعات الكبيرة المشتركة ما بين مصر والعراق، لاسيما في ظل انعقاد اللجنة العليا المصرية العراقية المُشتركة.
اجتماعات اللجنة المشتركة.. طريق جديد للتعاون
قال الدكتور أيمن سمير إن الملف الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين مصر والعراق، سيكون في صلب اجتماعات اللجنة المصرية العراقية المُشتركة.
أضاف أن هناك اتفاقيات وبروتوكولات عمل قديمة جرى التوقيع عليها خلال العامين الماضيين، ستتم متابعتها وتقييمها وإعطاؤها دفعة جديدة وزخمًا من قبل القيادة المصرية والعراقية، كما سيتم توقيع سلسلة جديدة من بروتوكولات العمل والاتفاقيات التجارية بهدف تدعيم التجارة البينية بين البلدين، حيث ستدعم الشركات المصرية بخبراتها في مجال الإسكان وإعادة الإعمار ومن المنتظر خلال الفترة القادمة أن يدعو رئيس الوزراء العراقي قطاع الأعمال المصري، للانخراط في إعادة إعمار العراق.
أكد خبير العلاقات الدولية أن اجتماعات اللجنة المصرية العراقية، في تقديره، سترسم طريقًا جديدًا للتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين البلدين، تعود من خلاله الفائدة على الطرفين العراقي والدولة والشركات المصرية.
معادلة عادلة
وإلى جانب اتفاقية "النفط مقابل الإعمار" التي عدها خبير العلاقات الدولية "معادلة عادلة" لتحقيق الاستفادة المتبادلة بين البلدين، قال إن التجربة المصرية الرائدة في المجال العقاري والاستثماري، من شأنها أن تحقق استفادة استثنائية للعراق.
أوضح أن بإمكان الدولة المصرية إنشاء آلاف الوحدات السكنية في العام الواحد، إلى جانب خبرتها الرائدة بالمدن المتخصصة، مثل المدن الطبية ومدن الأثاث، وتجاربها في البنية التحتية والطرق والاتصالات الحديثة والطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر، مُضيفًا "جميعها نماذج وخبرات مصرية يمكن أن يستفيد بها العراق، وتستفيد مصر من الدفع بالعمالة المدربة إليه من جديد، إلى جانب تعميق علاقتها وشراكتها مع الدولة العراقية، وهو أمر يصب في مصلحة الطرفين".