شغلت أنباء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج، المملكة العربية السعودية، حيزًا من الاهتمام الإعلامي خلال العام الجاري، في ضوء التوتر بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، والخلافات حول سياسة إنتاج النفط لتحالف أوبك بلس، وفيما تستمر التأكيدات السعودية قرب الزيارة، تتحفظ الصين في إعلان موعد الزيارة بالتأكيد أو النفي.
وفي ظل التغير بخريطة التفاعلات الإقليمية والدولية واحتمالات تأثير هذه الزيارة على مستوى العلاقات الإقليمية- الدولية، يحاول هذا التحليل قراءة أبعاد الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني وحضوره ثلاث قمم بالمملكة، وانعكاساتها على ملفات التعاون بين البلدين.
زيارة مؤجلة:
ارتبط الحديث بالاهتمام الصيني المتنامي بمنطقة الشرق الأوسط وتدعيم الشراكات الاستراتيجية مع دولها الرئيسية، بتراجع الاهتمام والحضور الأمريكي في المنطقة، إذ تناولت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنباءً تفيد بزيارة "شي" المملكة في مايو 2022، قبل أن يعلن ذلك فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة، في 27 أكتوبر 2022، على هامش انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الشئون السياسية والخارجية برئاسة وزيري الخارجية، المتفرعة عن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين.
وقال عادل الجبير، وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي، في حديث مع وكالة "رويترز"، السبت 12 نوفمبر 2022، إن الرئيس الصيني، سيزور المملكة للتباحث في القضايا الاقتصادية والتجارية والأمنية المشتركة، مؤكدًا عمق العلاقات بين البلدين، حيث باتت الصين أكبر شريك تجاري للمملكة، التي استحوذت على أعلى نسبة استثمارات صينية مباشرة في النصف الأول من عام 2022.
ومن المقرر أن تُجرى الزيارة في النصف الثاني من شهر ديسمبر، حيث تحتضن المملكة ثلاث قمم، هي القمة السعودية الصينية وقمة الصين ومجلس التعاون الخليجي والقمة العربية الصينية، وهو ما يظهر مركزية الدور السعودي في توطيد الحضور الصيني بمنطقة الشرق الأوسط، في ضوء استراتيجية بكين لتعزيز التعاون مع دول المنطقة المرتكزة على استثمارات النية التحتية والتجارة والاستثمار، بجانب التعاون في مجالات الطاقة النووية والقطاع الطيران المدني والأقمار الصناعية واستثمارات الطاقة المتجددة.
ملفات مشتركة:
تعد المملكة العربية السعودية أحد أركان سياسة الصين تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي تهتم بتعميق الشراكة الاستراتيجية مع مصر والسعودية والإمارات وإيران، ومنذ عام 2015، تعززت تلك الروابط مدفوعة بسياسة الرئيس شي جين بينج، تجاه المنطقة القائمة على الطاقة، وفيما يلي أبرز الملفات المشتركة بين البلدين:
(*) أمن الطاقة: احتل ملف الطاقة مكانة مركزية في المحادثات السعودية الصينية، حيث تلاقت أهداف أكبر مستهلك عالمي للنفط الخام، مع أهداف المملكة بتعزيز صناعتها النفطية، في مواجهة تناقص الاستثمارات الموجهة لتطوير القطاع.
وفي ضوء وضع الصين كأبرز مستورد للنفط السعودي، يجري البلدان محادثات حول بيع نسبة من النفط مقابل اليوان الصيني، وفي المقابل حظيت مواقف الرياض وتحالف أوبك بلس، بتأييد رسمي أعلنه وانج يي، وزير الخارجية الصيني، في نهاية أكتوبر الماضي، مؤكدًا تقدير بلاده لمساعي الرياض إلى بناء سياسة طاقة مستقلة، ودعمها لدور المملكة في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية.
ويمكن إجمالًا القول إن العلاقات المتنامية بين البلدين تخدم استراتيجية أمن الطاقة لدى كل طرف، فتعطش الصين لموارد الطاقة وحاجتها لتنويع شراكاتها، يخدم مساعي السعودية في التخلص المتدرج وبعيد المدى عن النفط.
(*) القضايا الاقتصادية والتجارية: يولي البلدان أهمية لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما على المستوى الثنائي أو عبر الأطر الخليجية والعربية، إذ يعظم استضافة القمم الثلاث بين الصين وكل من السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج والدول العربية من تأكيد مركزية السعودية في هندسة وتطوير تلك العلاقات، وإعطاء زخم إقليمي ودولي لذلك التقارب وهو ما يدعم تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والبناء على الأهداف الصينية الطموحة، التي تستهدف بصفة أولية تعظيم الاستثمارات في المنطقة بمجالات محددة، منها الطاقة النووية والأقمار الصناعية ومشروع البنية التحتية العملاق ممثلًا في مبادرة الحزام والطريق.
(*) المواقف السياسية: ركز وزير خارجية المملكة العربية السعودية، على ارتياح بلاده لموقف بكين من قضايا المنطقة العربية، بالتوازي مع الموقف السعودي الداعم لاستقرار الصين والرافض للتدخل في شئونها الداخلية بقضية الأقلية المسلمة من الإيجور في إقليم شينجيانج، مما يعزز حالة الثقة في توجهات الطرف المقابل وترسيخ الاستقرار في نمط تلك العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل، ورغم العلاقات المتنامية ترفض المملكة حتى الآن عروض الوساطة الصينية مع إيران.
ويعكس هذا التقارب رؤية كلا البلدين للتحوط من سياسات الولايات المتحدة، التي تهدف لترسيخ هيمنتها على الساحة الدولية وهو ما يهدد في جانب منه المصالح الاستراتيجية، وعلى رأسها ملف الطاقة بالنسبة للسعودية وملفي الرقائق الإلكترونية ومستقبل تايوان بالنسبة للصين.
(*) الملف الأمني: يكفل الحضور الصيني بالمنطقة حدًا من تهدئة الأوضاع وخفض منسوب التوتر، فعلاقات بكين مع الرياض من جهة، وطهران من جهة أخرى، تمثل رصيدًا محتملًا للتدخل في إنهاء التوتر، خاصة في الساحة اليمنية ويمنع استهداف حركة الملاحة البحرية خاصة في مضيق باب المندب، وبحد أدنى يضمن تحييد الصين.
كما تخدم الشراكة الأمنية مع الصين خطط المملكة لتحديث قدراتها العسكرية والدفاعية، في ضوء تطلع القيادة السعودية لتوطين الصناعات العسكرية والوصول إلى نسبة 50% من التصنيع المحلي لاحتياجات الجيش السعودي بحلول 2030، وتجدر الإشارة إلى ما ناقلته وسائل إعلام وصحف غربية وأخرى صينية أن بكين تساعد الرياض في صناعة الصواريخ الباليستية، بينما لم تؤكد المملكة تلك المعلومة.
ختامًا؛ تسير العلاقات السعودية الصينية بخطى ثابتة نحو تعميق الروابط الاقتصادية والتجارية والأمنية، في وقت يضع فيه الرئيس الصيني الأمن بكل أبعاده وأبرزها أمن الطاقة، على رأس القضايا والملفات الأخرى ضمن أولويات سياسته الخارجية، خاصة عقب إعادة انتخابه لولاية ثالثة، فيما تحتفظ المملكة بتنويع خياراتها وفصل ملفات التعاون مع الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى لتعزيز المصالح الاستراتيجية للمملكة.