على مدار 50 عامًا حافظت العلاقات المصرية الإماراتية على خصوصيتها وتفردها في بناء العلاقات العربية العربية على المستويين الرسمي والشعبي، وساهم توافق الفكر الاستراتيجي وعقائد السياسة الخارجية في توحيد آليات ووسائل التحرك في الفضائين العربي والدولي، وترسخت تلك المعادلة في ما بات يُعرف بـمحور "القاهرة-أبوظبي".
تأسيسًا على ما سبق، يتناول هذا التحليل، ملامح التعاون بين مصر والإمارات في الملفات العربية والدولية، وكيف يسهم ذلك التحالف في التصدي للتحديات المشتركة وتعزيز السلم والأمن الدوليين.
مرتكزات عربية
تغيرت التحديات والتهديدات وبقي التوافق غالبًا على العلاقات المصرية الإماراتية، إيمانًا بالدور الجوهري الذي يؤديه البلدان لخدمة الأمن والاستقرار الإقليمي، ويمكن تأييد ذلك على النحو التالي:
(*) مركزية القضية الفلسطينية
لا تزال المقاربة الرئيسية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، هي إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبارها حجر الزاوية في دعم الاستقرار الإقليمي، وتحييد أهم ذرائع وأسلحة التنظيمات الإرهابية في حشد وتعبئة عناصرها.
ويؤيد البلدان استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية أو أي خطوات تقوض حل الدولتين.
(*) دعم الدولة الوطنية العربية
إن تقوية أسس نموذج الدولة الوطنية في العالم العربي، هو مفتاح إعادة توازن العالم العربي والخروج من حالة السيولة الأمنية والسياسية، التي ما زالت تعاني منها ليبيا وسوريا واليمن، من خلال رؤية استراتيجية متكاملة تقوم على ما يلي: التصدي للتدخلات الخارجية التي تهدد أمن الدول العربية وسلامتها الإقليمية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد الصراعات وحل الميليشيات المسلحة، ودعم جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف عبر التصدي لكل أنشطة المواجهة الفكرية والمالية والعسكري، لتجفيف منابعه الفكرية ومحاصرة قنوات تمويله، بالإضافة إلى الالتزام بالحلول السياسية وقرارات الشرعية الدولية للأزمات المذكورة والحفاظ على وحدة مكوناتها.
(*) تقوية ركائز الأمن القومي العربي
شكلت العلاقات المتميزة بين القاهرة وأبوظبي نواة صلبة لتحالف استراتيجي عربي، يعيد رسم وتأكيد معادلات الردع على المستوى الإقليمي، والتصدي للمشروعات التخريبية في المنطقة والتي يتصدرها تنظيم الإخوان الإرهابي.
وطورت مصر آليات التنسيق الأمني والعسكري مع الدول العربية الشقيقة على المستويين الثنائي والعربي الجامع، وعلى رأسها دولة الإمارات من خلال المنتدى العربي الاستخباري الذي انعقد لأول مرة في القاهرة، فبراير 2020، بمشاركة رؤساء أجهزة المخابرات لبحث التنسيق وتبادل المعلومات بشأن التهديدات الخارجية التي تعترض الأمن القومي العربي.
وتمثل المناورات والتدريبات العسكرية العربية الموسعة التي تشكل مصر والإمارات والسعودية عمودها الفقري، إحدى أهم آليات التنسيق وتبادل الخبرات بين الجيوش العربية ورسالة ردع تؤكد الحضور والانشغال الدائمين لمصر والارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري والخليجي، باعتباره حجر الزاوية في منظومة الأمن القومي العربي.
(*) إحياء العمل العربي المشترك
انتقلت العلاقات في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومحمد بن زايد آل نهيان، من التنسيق والتشاور إلى آفاق أرحب من التعاون تتسع لتشمل الدول العربية الفاعلة، وتشارك البلدان في رؤى الأمن والتنمية، خاصة المملكة الأردنية الهاشمية ومملكة البحرين، وباتت نواة صلبة لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي وهي معنية، في إطار الشراكة الصناعية التكاملية بمجابهة التحديات الاقتصادية والغذائية عبر تكامل المقومات المالية والتكنولوجية والبشرية والجغرافية للدول الأربعة، وتركيز على مجالات الزراعة والغذاء وصناعات الأسمدة والأدوية، كمرحلة أولى، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات في المرحلة الثانية.
وتتسع الدائرة لتشمل المملكة العربية السعودية والعراق، من خلال المشاورات السياسية المتعددة التي هيمنت على الدبلوماسية العربية، خلال العام الجاري، في العقبة والعلمين وشرم الشيخ وأبوظبي، في محاولة لتذويب الخلافات في الرؤى وتنسيق الجهود بالقضايا المصيرية، مما ينعكس على فاعلية جامعة الدول العربية.
المواقف الدولية
تجتمع أبوظبي والقاهرة على دعم السلام العالمي واحترام قواعد القانون الدولي في حل النزاعات، انطلاقًا من الإدراك المشترك لأهمية استعادة الحضور العربي في المحافل الدولية، للدفاع عن المصالح العربية ولعب دور فاعل في بناء توزان جديد طور التشكل.
(*) نشر قيم السلام ونبذ التعصب
وضعت جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة نصب أعينهما تصحيح الصورة المشوهة والمفاهيم المغلوطة عن التعاليم الإسلامية السمحة، من خلال الدعوة لتجديد الفكر والخطاب الدينيين تحت مظلة كبرى المؤسسات الدينية في العالم، وفي مقدمتهم الأزهر الشريف.
ومن تلك الجهود دعم الحوار والتواصل بين قادة الأديان، وبصفة خاصة أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، البابا فرانسيس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية، والذي تكلل بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، في 4 فبراير 2019، بأبوظبي برعاية محمد بن زايد آل نهيان، واتخذت الأمم المتحدة في 21 ديسمبر 2020، من ذلك التاريخ يومًا عالميًا للأخوة الإنسانية بمبادرة من مصر والإمارات والسعودية والبحرين.
(*) اعتماد الحلول السلمية للأزمات الدولية
ومن الدعوة للسلام والتعايش إلى تهدئة التوترات والأزمات الدولية وبذل المساعي الحميدة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الدولية والالتزام بمقررات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة لحل الصراعات، وهو جوهر الموقف المصري الإماراتي من الأزمة الأوكرانية، كما يسهم البلدان في مجموعة الاتصال العربية، بشأن أوكرانيا لبحث فرص الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.
الموقف ذاته ينسحب على الوضع في تايوان، حيث أعرب البلدان عن التزامهما بمبدأ الصين الواحدة ورفض التحركات الاستفزازية، التي من شأنها تأجيج التوترات وخلق صراع جديد يهدد الأمن والسلم الدوليين.
(*) تعزيز دعائم النظام الدولي متعدد الأقطاب
يدرك البلدان أهمية تنويع الشراكات الدولية للحفاظ على استقلالية السياسة الخارجية لمصر والإمارات، وتعزيز مصالحهما الاقتصادية والأمنية، حيث انضم البلدان في منتصف سبتمبر 2022، إلى منظمة شنجهاي للتعاون بقيادة الصين وروسيا بصفة شركاء حوار.
وتسعى القاهرة وأبوظبي ضمن الإطار العربي للمساهمة الفعالة في بناء نظام دولي أكثر عدلًا، عبر المطالبة بإصلاح منظومة اتخاذ القرار في منظمة الأمم المتحدة ومنح العرب مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي.
وإجمالًا؛ يعبر اتساق المواقف العربية والدولية عن خصوصية العلاقات المصرية والإماراتية، التي استطاعت خلال نصف قرن، أن تتحول إلى تحالف استراتيجي وركيزة أساسية للأمن القومي العربي يسهم في تغيير المعادلات الإقليمية، ويعيد صياغة الدور والمقتربات العربية في مواجهة خطر الإرهاب والفكر المتطرف وتداعي مؤسسات الدولة الوطنية والانطلاق لتعميق العمل العربي المشترك وتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود.
وفي الإطار الدولي يُعلي البلدان من قيم السلام والتعايش والأخوة الإنسانية، في إطار سياسة خارجية متزنة تراعي تنويع الشراكات الدولية، في إطار تعزيز المصالح الحيوية لدولها والالتزام بميثاق الأمم المتحدة في التعامل مع القضايا الدولية.