الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رحيل ماجدة صالح.. فراشة الباليه المصري

  • مشاركة :
post-title
ماجدة صالح

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

"إذا لم أرقص ستكون حياتي ناقصة".. هكذا لخصت فراشة الباليه ماجدة صالح، التي رحلت اليوم، حياتها، فمنذ طفولتها وهي تحلم أن تصبح من رواد فن الباليه في مصر والعالم، تحدت كل الظروف الصعبة ودخلت إلى عالم الفن مُحلّقة في سماء العالم، صنعت مجدًا جعلها قطعة من تاريخ مصر الثقافي، لتسجل اسمها كأول من التحق بمعهد الباليه في أكاديمية الفنون، ثم تدرجت في العديد من المناصب ونقلت لجمهورها كل ما تعلمته ورفعت اسم مصر عاليًا في كل المحافل الدولية، وها هي اليوم ترحل عن عالمنا وتترك وراها إرثًا كبيرًا لمحبي هذا الفن وحزنًا باقيًا في قلوب كل محبيها.

ماجدة صالح.. ولدت في القاهرة، كانت تدرس الباليه من الثامنة صباحًا حتى الحادية عشرة مساء، لكن والدها الدكتور أحمد عبد الغفار صالح، كبير الزراعيين في مصر كان متخوفًا عليها من هذا العالم، وقال لها حسب روايتها في أحد البرامج التلفزيونية: "إذا سمحت لكِ أن تكوني راقصة باليه محترفة فأنا بذلك أضع نفسي في مخاطرة اجتماعية كبيرة، كما أخشى عليكِ من عمل يعتمد بشكل أساسي على اللياقة البدنية وإصابة واحدة ستنهي رحلتك".

ماجدة صالح

استفادت "ماجدة" من حديث والدها وقررت أن تكمل دراستها بجانب الباليه، وصنعت إنجازًا في مجال الدراسة لا يقل عما صنعته في الباليه، إذ بدأت دراسة الرقص الشعبي المصري مع سيدة إنجليزية، والتحقت بـ"كونسرفتوار" بالإسكندرية، كما حصلت على الماجستير عام 1974 من جامعة كاليفورنيا، والدكتوراه من جامعة نيويورك.

حصلت ماجدة صالح، وأربع من الفراشات، على بعثة إلى أكاديمية البولشوى في موسكو، وقدمن هناك عروضًا نالت استحسان الجميع وحصلن على الدكتوراه، وعادت "ماجدة" إلى مصر لتنقل ما تعلمته إلى أبناء بلدها، وقدمت وقتها عرضًا بعنوان "نافورة بختشي سراى"، واستحقت عليه أن تحصل على وسام الاستحقاق من الدولة، وحلّقت في كل مسارح العالم ترقص وتقدم عروضًا تنتزع بها إعجاب كل من يشاهدها.

"حياة راقصة الباليه قصيرة مثل الفراشات".. هذه الجملة تعبر عن الكسرة التي شعرت بها "ماجدة" حينما رأت دار الأوبرا القديمة تحترق أمامها، كانت النار تأكل الجدران، وتحرق ذكريات ماجدة في قلبها، فهذا المكان الذي وقفت على مسارحه وقدمت عروضها وجزء من تكوينها يحترق أمامها، الأمر الذي دفعها إلى اعتزال الباليه وهي في عمر الثلاثينات، ووقتها شاركت ذكرياتها المؤلمة عن الحريق مع الجمهور من خلال فيلم بعنوان "حريق أوبرا القاهرة" أخرجه كمال عبد العزيز.

ماجدة صالح

كمال عبد العزيز المخرج ومدير التصوير وأحد أقارب الراحلة يحكي لموقع "القاهرة الإخبارية" عن تلك اللحظة الصعبة في تاريخ الراحلة ماجدة ويقول: "الفيلم كان بمشاركة رتيبة الحفني رئيس دار الأوبرا المصرية الأسبق، والفنان المصري حسن كامي، والمايسترو مصطفى ناجي، وطه ناجي، وقتها أمدتني الفراشة "ماجدة" بالعديد من التفاصيل والصور المهمة وشاركت معي كل ذكرياتها في الأوبرا، والبولشوى في موسكو، وكيف سافرت وما فعلته هناك".

حينما رأت ماجدة الأوبرا تحترق قالت بانهيار تام: "لو كانوا جمعوا دموعنا لأطفأوا الحريق".. بهذه الرواية المؤثرة يكمل "كمال عبد العزيز" حكايته ويقول: "كل من شاركوا بالعمل توفاهم الله وأصبحوا شهادة عن الأوبرا الخديوية، وهذا شيء محزن جدًا والأكثر حزنًا أنه لا يوجد أى تسجيل فيديو من حفلات الأوبرا للفراشة، فقد جلست أربع سنوات أبحث عن الحفلات في تاريخ الأوبرا ولم أجد سوى فوتوغرافيا، وفي النهاية شكّل رحيلها صدمة لنا كبيرة فهي أحد رموز مصر".

ونوّه كمال إلى أن الراحلة كانت مريضة بالسرطان في أيامها الأخيرة، وتوجه بالشكر إلى وزيرة الثقافة المصرية د.نيفين الكيلاني على وجودها في جنازة الراحلة، رفقة الفنانة المصرية نيللي كريم على الرغم أن الموضوع لم يكن معلنًا بعد، كما كان موجودًا مجموعة كبيرة من العاملين في الأوبرا واهتمامهم الكبير بالوجود في تلك اللحظات الصعبة له معنى كبير لدينا.

ماجدة صالح

إسهامات الراحلة لم تتوقف على تلك المشاركات فقط، فقد كانت حريصة أن تتنقل إلى المحافظات لتنقل لهم هذا الفن، وحينما ذهبت إلى الصعيد فوجئت بردود الفعل هناك، ما جعلها تزيد من العروض، وقدمت 8 عروض بدلًا من الـ4 المقررين وقتها، وكان الحضور في غاية السعادة لدرجة أنهم ودعوها عند محطة القطار بالورد، وتؤكد أن أهل تلك القرى كانوا سعداء لوجودة فنانة مصرية تقدم هذا الفن".

وبعد 17 عامًا من الحريق لم تتأخر "ماجدة" على الأوبرا رغم الحزن الساكن داخلها، وأصبحت أول رئيس لدار الأوبرا الجديدة.

ونعت وزيرة الثقافة المصرية د.نيفين الكيلاني، الفنانة الراحلة قائلة: "فتحت الراحلة الطريق أمام أجيال من المصريين لاحتراف وحب فن الباليه، فقد كانت من أوائل الذين درسوا، وأتقنوا، ونافسوا غير المصريين في هذا الفن الراقي، وكانت أول باليرينا تحصل على وسام الاستحقاق، وكانت وزميلاتها نواة لأول فرقة باليه مصرية".

وأضافت: "رفعت ماجدة صالح اسم مصر عاليًا من خلال المشاركة في العديد من العروض العالمية في مصر وخارجها، وحرصت من خلال أبحاثها الأكاديمية على توثيق تراث الرقص الشعبي المصري لتكون بحق رائدة فن الباليه في مصر".

كما نعى رئيس الأوبرا الحالي خالد داغر، أحد قامات هذا الصرح العريق في بيان رسمي وقال: "للراحلة إسهامات عديدة في مجالها وتمثيلها للوطن في العديد من المناسبات كما شاركت في إثراء الحياة الثقافية المحلية وكانت سببًا لازدهار واستمرار فن الباليه في مصر وأقدم العزاء لأسرتها وأصدقائها".

ماجدة صالح