انعقدت القمة الـ22 للسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) في الثامن من يونيو الجاري بالعاصمة الزامبية "لوساكا"، بحضور زعماء ورؤساء حكومات 21 دولة، تحت شعار "تكامل الكوميسا الاقتصادي يرتكز على الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة والسياحة"، وشهدت القمة تسليم رئاسة الكوميسا من مصر إلى زامبيا، وكانت مصر تسلمت الدورة في نوفمبر عام 2021، عملت خلالها على تعميق التعاون بين الدول الإفريقية، ومحاولة استغلال اتفاقية السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا الاستغلال الأمثل، وتطلعت القمة الـ22 إلى تحقيق مخرجات تعمل على تحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
في ضوء ما سبق، يهدف هذا التحليل إلى التعرف على إنجازات مصر لتوطيد التعاون الإفريقي خلال فترة رئاستها للكوميسا، بالإضافة إلى توضيح الأولويات التي طُرحت على طاولة القمة الـ22.
الإنجازات المصرية
قامت مصر بدور فاعل خلال رئاستها لقمة الكوميسا خلال العامين الماضيين، ورصد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عددًا من الإنجازات المُحققة خلال هذه الفترة، يُمكن عرضها على النحو التالي:
(*) معاصرة تحديات جِسام: تولت مصر قيادة تجمع "الكوميسا" على مدار العاميين الماضيين في فترة شديدة الدقة، شهدت تطورات مهمة على المستويين الدولي والإقليمي، فقد كان وباء كورونا مؤثرًا بشدة على العالم أجمع وخاصة الدول الإفريقية، كما جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية وما تبعها من تغيرات جيوسياسية، أثرت في سلاسل التوريد بشكل كبير.
(*) تعزيز التجارة البينية: أَولَتَ مصر اهتمامًا كبيرًا، لتفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية، وتحقيق التناغم بين اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية بين تجمعات "الكوميسا" و"سادك" و"شرق إفريقيا" عبر إجراءات محددة، لحث الدول الأعضاء على تنفيذ الإعفاءات الجمركية، وتيسير حركة التبادل التجاري فيما بينها، وأسفرت هذه الجهود عن تحقيق طفرة بالأرقام التي يشير إليها الشكل رقم (1)، إذ زادت الصادرات البينية لدول الكوميسا لتبلغ 13 مليار دولار خلال عام 2022، وهى القيمة الأعلى منذ إنشاء منطقة التجارة الحرة في إطار التجمع عام 2000، بالإضافة إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول "الكوميسا" في العام ذاته إلى 4.3 مليار دولار، التي تعتبر أعلى قيمة لها منذ انضمام مصر للكوميسا.
(*) تحقيق التكامل الصناعي: قدمت مصر مبادرة التكامل الصناعي الإقليمي، في إطار إستراتيجية التصنيع بالكوميسا 2017- 2026، والتي تهدف إلى تعميق الإنتاج الصناعي من خلال ربط سلاسل القيمة الإقليمية، وفقًا للميزة التنافسية للدول، كما عملت وكالة الاستثمار الإقليمية بالكوميسا التي تستضيفها مصر على جذب الاستثمارات إلى دول التجمع، مع الاستمرار في توجيه الاستثمارات إلى القطاع الخاص.
(*) تطوير قطاع البنية التحتية: ركزت مصر على قطاع البنية التحتية، من خلال التشجيع على مشروعات الربط بين الدول الأعضاء، وأبرزها مشروع الربط بين بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط، بالإضافة إلى مشروع سد "جوليوس نيريري" العملاق فى دولة تنزانيا، الذي يتم تنفيذه بأيادٍ مصرية وتنزانية، وسيعمل هذا السد على توليد طاقة كهربائية تقدر بـ2.5 جيجاوات، وهو ما سيحقق توفير الطاقة بشكل كبير في تنزانيا.
(*) تطوير قطاع الصحة: قدمت مصر مقترحًا بإنشاء لجنة الصحة بسكرتارية الكوميسا، كما استضافت الدورة الأولى للمؤتمر الطبي الإفريقي، والذي تنعقد نسخته الثانية حاليًا، لبحث سبل التعاون في هذا المجال الحيوي، وأيضًا وجهت مصر مزيدًا من الاهتمام لتوطين صناعة الدواء واللقاحات، وأعلنت مصر تقديم 30 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا إلى الدول الإفريقية، مما يوضح دور مصر القوى خلال فترة تفشي وباء كورونا ومحاولة تقليل آثاره على الدول الإفريقية، وهو ما أكد على دور مصر كمركز إقليمي لتصنيع اللقاحات الطبية.
أولويات مهمة
ترتكز القمة الـ22 على مجالات السياحة والاستثمار الأخضر والقيمة المضافة، والتي لا يتجاوز الاستثمار فيها بين أعضائها 17%، لذا جاءت الأفكار المطروحة خلال هذه القمة لتعزيز تحقيق هذه الأهداف، وهو ما عمل على طرح مجموعة من الأولويات على طاولة القمة الـ22، فمن أهمها ما يلي:
(*) توحيد الجهود: تم التركيز على أن الدولة بمفردها لا تستطيع مواجهة الأزمات التي تحيط بها وتحقيق التنمية المستدامة بداخلها، بل لابد من العمل جنبًا إلى جنب بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد، وقيل خلال القمة "من الصعب تطوير العلاقات بين الدول، ولكن من السهل تطوير العلاقات بين الأصدقاء"، فالتحديات التي تواجه الدول الإفريقية هي تحديات القارة بأكملها، ومن هذه التحديات: هجرة صغار السن، وتلف المنشآت العامة والخاصة، ضعف المؤسسات، هجرة العقول التي تؤثر على نمو الدول بشكل كبير، والتغيرات الجيوسياسية التي تحدث في العالم، التي أثرت بشكل كبير في سلاسل الإمداد، وهو ما أدى إلى تفاقم الأسعار، بالإضافة إلى تداعيات أزمة المناخ والديون الخارجية الأجنبية، فكل هذه التحديات لا يمكن مواجهتها بدون توحيد الجهود بين دول الكوميسا، وهو ما يتطلب ضرورة توحيد الصف في الاتحاد الإفريقي وتوحيد منتجاته.
(*) توحيد العملة: أشار رئيس كينيا ويليام روتو، إلى ضرورة توحيد العملة في التجارة بين الدول الأعضاء في الكوميسا، فمن أجل إيجاد الميزة التنافسية، من الممكن أن يتم الدفع بالعملات المحلية بدلًا من العملات الأجنبية، وهو ما يعمل على تقليل التكاليف، كما يُعد توفير الدولار من الأمور التي تقف عائقًا أمام توسع التجارة بين الدول الإفريقية، فتوحيد طرق الدفع يعمل على حل هذه المشكلات، وأيضًا يؤدى إلى تعزيز التجارة البينية لأعضاء "الكوميسا"، فإزالة العوائق والحدود بين الدول تعزز التجارة بشكل كبير.
(*) تطوير السياحة والسفر: تساهم السياحة في انتعاش اقتصاديات الدول الأعضاء في الكوميسا بـ28 مليون دولار، كما إنها من المفترض أن تساهم بـ29% من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي، ولكنها تساهم فقط بـ10% من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يوضح أن هناك موارد ومنتجات سياحية في إفريقيا لا تزال غير مُستغلة، وهو ما يستدعي التركيز على تطوير قطاع السياحة في المناقشات القادمة لأعضاء الكوميسا، والعمل على استغلال الفرص من أجل تحقيق هذا التطوير من خلال الرياضة والطاقة الإبداعية، فالقارة الإفريقية لديها فرص هائلة لتشجيع السياحة، وأن تكون في المركز الأول من جهة المقاصد السياحية.
(*) زيادة الاستثمارات: يسعى تجمع الكوميسا إلى زيادة الاستثمارات من 40 إلى 60%، مع توجيه الاستثمارات داخل مجموعة الكوميسا وليس إلى خارج القارة، فتوجيه الاستثمارات إلى الخارج لا يحقق المنافع لدول القارة بالقدر الذي يُحققه توطين الاستثمارات داخل الدول الأعضاء في الكوميسا، مع تسليط الضوء على الاستثمارات الخضراء لتحقيق هدف "قارة إفريقية خالية من الكربون في عام 2063"، وقد عملت الدول الأعضاء على تشجيع الاستثمار الأخضر فيما بينها، وطورت الكونغو وزامبيا مشروعا للطاقة الخضراء يهدف إلى تحسين الصناعات في هذه الدول، ومن هنا لابد من تعميم هذه العلاقات الاستثمارية بين جميع الدول الأعضاء في الكوميسا.
(*) تدعيم التحول الرقمي: التأكيد على التكنولوجيا يُعد أمرًا مهمًا لإنجاز الأعمال وتحقيق الاستمرار في تقديمها، مثل ما حدث في فترة احتدام وباء كورونا، فالتكنولوجيا هي التي ساعدت على استمرار الأنشطة الاقتصادية وعدم تهاوي الاقتصاديات بشكل كبير؛ لذلك ستدعم منظمة "Common Wealth" الدول الأعضاء في الكوميسا للاستفادة من التطورات التكنولوجية، من خلال توفير الدورات التدريبية المختلفة لصناع القرار والشباب على استخدام التكنولوجيا الحديثة، وتحويل الاقتصاديات إلى اقتصاديات رقمية. ومن هنا، فإن التكامل الاقتصادي بين دول الكوميسا يجب أن يعتمد على التحول الرقمي للتسريع من تحقيقه.
(*) تحقيق السلم والأمن: تحقيق السلم والاستقرار فى ربوع القارة الإفريقية هو الذي يُتيح الفرص لتحقيق التنمية الاقتصادية بشكل كبير فيها، إذ يُعد المطلب الأول لتحقيق التنمية الاقتصادية الإفريقية، لأن مشكلات الأمن والاستقرار تمثل عائقًا أمام تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول، وهو ما يستوجب العمل على تعاون الدول الأعضاء على تحقيق السلم والعمل على خلقه والقضاء على آثار الحروب، إذ بسبب الصراعات في المنطقة الإفريقية تفاقمت أزمة النزوح، بالإضافة إلى التداعيات السلبية التي خلفتها على اقتصاديات الدول محل الأزمات، فمن هنا يأتي على رأس أولويات "الكوميسا" تحقيق السلم والأمن الإفريقي.
(*) زيادة القيمة المضافة: تعظيم القيمة المضافة لكل منتجات دول الكوميسا، من خلال توطين معايير الاقتصاد الأخضر فى الدول الإفريقية، سيعمل على تحقيق الميزة التنافسية، ويُمكِّن المواطن من الاستمتاع بخدمات ذات جودة عالية، وتعمل على تقليل تآكل المواد الخام والموارد الطبيعية خلال الإنتاج، فمن هنا يمكن توسيع القيمة المضافة للمصادر الطبيعية في إفريقيا من خلال الأطر المشتركة والقدرة التكنولوجية، وخلق الميزة التنافسية من خلال العلامات القياسية لجميع المنتجات.
وختامًا، يمكن القول إن رئاسة مصر لتجمع الكوميسا حققت خطوة متقدمة في تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، ولكن ما زال هناك العديد من التحديات التي يتحتم على الدول الإفريقية مواجهتها بشكل جماعي، ومن الناحية الأخرى هناك العديد من الفرص والموارد المتاحة لابد من استغلالها الاستغلال الأمثل، فإفريقيا لديها القوة لتحقيق التكامل الاقتصادي، لذلك ركزت القمة الحالية على الاستثمار الأخضر و السياحة والقيمة المضافة، باعتبارها مرتكزات مهمة لدعم هذا التكامل، يتطلب تحقيقها اتخاذ قرارات أكثر سهولة وتحقيق التناغم بين الجهات الإفريقية.