الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الملاذ الآمن.. الانعكاسات الاقتصادية المحتملة للقمة الأمريكية-الإفريقية

  • مشاركة :
post-title
القمة الأمريكية الإفريقية

القاهرة الإخبارية - شعبان الأسواني

على مدى السنوات الماضية، كان المستثمرون في الأسواق المتقدمة يكافحون من أجل تعظيم عائداتهم، فقد أسهمت الأزمة بأوكرانيا في تزايد الوضع الاقتصادي العالمي سوءًا، الذي لا يزال يعاني من تداعيات جائحة كوفيد-19، ما دفع الدول المتقدمة الاتجاه نحو الاعتماد على القطاعات والأسواق الناشئة والدول النامية، فقد يفسر التباطؤ السريع في الاقتصادات الأوروبية والأمريكية والخوف من الركود، الذي يلوح في الأفق بشكل كبير، المساعي الأمريكية لاستضافة القمة الأمريكية الإفريقية، بعد 8 سنوات من النسخة الأولى لتلك القمة التي عقدتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2014.

فخلال الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022، سيلتقي رؤساء الدول والقادة الأفارقة، بالعاصمة واشنطن، في سياق قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا التي يستضيفها الرئيس الأمريكي جو بايدن، بمشاركة بعثة من مفوضية الاتحاد الإفريقي، في إشارة إلى إعادة التزام إدارة بايدن بالنمو الاقتصادي المستدام والازدهار المتبادل بين الولايات المتحدة وإفريقيا، لذلك سيحاول هذا التحليل تناول أبرز الانعكاسات المحتملة للقمة، بعد الوقوف على الوضع الاقتصادي بين الطرفين، والتطرق لأبرز أبعادها.

العلاقات البينية:

شددت مشاركة الولايات المتحدة في إفريقيا لسنوات على الحد من الفقر، والمساعدات الخارجية، فضلًا عن تعزيز التبادل التجاري بينهما، وهنا سيتم تناول مؤشرات العلاقات البينية كما يلي:

(*) إجمالي التبادل التجاري: وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، فإن قيمة صادرات السلع الأمريكية إلى القارة الإفريقية بلغت 26.7 مليار دولار في عام 2021، بانخفاض 30% من أعلى مستوى سجلته عند 38.1 مليار دولار في عام 2014، وبلغ حجم التجارة الثنائية بينهما نحو 64.3 مليار دولار في عام 2021، بما يمثل بالكاد 2% من إجمالي صادرات وواردات البضائع الأمريكية مع العالم، انخفاضًا من 141.9 مليار دولار في عام 2008.

الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة مع إفريقيا

(*) قانون أغوا: يمنح قانون النمو والفرص الإفريقي "AGOA" لعام 2000 إعفاءً من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة لنحو 6500 منتج من بلدان مختارة في إفريقيا جنوب الصحراء، ويستمر حتى عام 2025، على الرغم من أن اتفاقية أغوا، ساعدت على تعزيز تجارة السلع بين البلدان الإفريقية والولايات المتحدة، لكن الخلافات السياسية بين واشنطن وبعض الحكومات الإفريقية، دفعت واردات الولايات المتحدة ضمن قانون أغوا إلى الانخفاض على مدار العقد الماضي، واستبعدت واشنطن كلًا من جنوب السودان وإثيوبيا ومالي، كما تخطط مع غينيا لإزالة بوركينا فاسو، اعتبارًا من 1 يناير 2023؛ إذ يتطلب اختيار الدول للحصول على مزايا القانون، الالتزام بمعايير حقوق الإنسان وسيادة القانون وما شابه ذلك.

(*) أبرز المُصدرين لواشنطن: وفقًا لأهم الدول الإفريقية في التبادل التجاري مع واشنطن، أصبحت جنوب إفريقيا أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في القارة؛ إذ ارتفعت صادراتها إلى واشنطن لـ15.7 مليار دولار في عام 2021، وهو أعلى مستوى منذ 10 سنوات على الأقل، تلتها نيجيريا ومصر بنحو 3.4 و3.3 مليار دولار لكل منهما على التوالي.

صادرات وواردات الولايات المتحدة من إفريقيا "2021"

(*) المساعدات الإنسانية: ظلت المساعدات الأمريكية إلى إفريقيا مستقرة عند مستوى 13 مليار دولار سنويًا، تركز منها نحو 8.7 مليارات دولار عام 2020 في 10 دول بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، جاءت في مقدمتها إثيوبيا بقيمة 1.2 مليار دولار، تلتها كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا بقيمة 1.1 مليار دولار لكل منهما، حيث تبلغ نسبة المساعدة الأمريكية لإفريقيا جنوب الصحراء نحو 27% من الإجمالي، وفي يوليو 2022، قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 1.3 مليار دولار من المساعدات الإنسانية للمساعدة في درء الجوع بسبب الجفاف في القرن الإفريقي.

المساعدات الخارجية الأمريكية لدول إفريقيا جنوب الصحراء
أبعاد شائكة:

تتزامن تلك القمة مع العديد من الأبعاد الشائكة، على رأسها أوضاع عالمية وأمريكية في غاية الخطورة، تتمثل أبرزها فيما يلي:

(&) أزمة عالمية: وفقًا لبلومبرج إيكونوميكس، فإن الاقتصاد العالمي يواجه واحدة من أسوأ سنواته منذ ثلاثة عقود؛ حيث لا تزال أزمة الطاقة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية مستمرة، فقد خفض بعض الخبراء لتوقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2023، لتصبح 2.4% فقط، بما يمثل أقل من توقعات نمو العام الجاري؛ البالغة 3.2%، التي تمثل الأدنى منذ 1993، باستثناء سنوات الأزمات العالمية لعامي 2009 و2020.

(&) ركود أمريكي محتمل: في استطلاع وكالة "بلومبرج" للاقتصاديين خلال الفترة "2-7" ديسمبر 2022، يرى الخبراء أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تتوقع نموًا بطيئًا ومعدل بطالة أعلى، بما يعزز من احتمالات حدوث ركود بالولايات المتحدة؛ حيث يتوقع 81% من الاقتصاديين باستطلاع "بلومبرج" حدوث انكماش اقتصادي أمريكي، خلال الأشهر الـ 24 المقبلة، فيما يرى معظم الاقتصاديين هبوطًا قاسيًا مع فترة من الانكماش أو نمو صفري أقل بقليل من الانكماش المُعلن رسميًا، كما يرى 76% من الاقتصاديين "المستطلعة آراؤهم" أن الركود العالمي قد يكون أمرًا مرجّحًا.

التوقعات الاقتصادية للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة

(&) تنافس أمريكي صيني وروسي في إفريقيا: تواجه الولايات المتحدة منافسة شديدة من الصين وروسيا في إفريقيا، فقد تجاوزت الاستثمارات والتجارة الصينية في القارة الإفريقية مثيلتها الأمريكية، فعلى الرغم من أن واشنطن اعتادت أن تكون أكبر شريك تجاري لإفريقيا، بيد أنه خلال الفترة "2007 –2017"، انخفضت التجارة الأمريكية مع إفريقيا بنسبة 54%، بينما نمت تجارة الصين بنسبة 220%، فقد انخفضت التجارة بين واشنطن وإفريقيا من 140 مليار دولار في عام 2008 إلى 64 مليار دولار عام 2021، على النقيض من ذلك، وصلت التجارة بين الصين وإفريقيا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنحو 254 مليار دولار عام 2021، فيما أبرمت الصين في عام 2020، صفقات بقيمة 735 مليار دولار مع 623 شركة إفريقية مقارنة بنحو 80 شركة استثمرت فيها الولايات المتحدة 22 مليار دولار منذ عام 2019، وفيما يخص روسيا، فهي تعمل على إحكام قبضتها في القارة من خلال الصفقات العسكرية والأمنية، فخلال القمة الروسية الإفريقية لعام 2019، تباهت روسيا بالمصانع النووية والطائرات المقاتلة.

انعكاسات محتملة:

يلوح في آفاق تلك القمة العديد من الانعكاسات المحتملة التي قد تسهم في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، يمكن تناول أبرزها فيما يلي:

(#) زيادة الدور الإفريقي في قطاع الطاقة: وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، بشأن التجارة الأمريكية مع نيجيريا والجزائر وغانا وأنجولا، فإن استمرار واشنطن في ضخ النفط الصخري نحو سعيها المستمر منذ عقد من الزمن لتحقيق "أمن الطاقة"، أدى لتضاءل واردات النفط الخام من القارة بنسبة 26%، خلال العقد الماضي، بيد أن هذا قد يتغير خلال الفترة المقبلة، لا سيما وسط حاجة واشنطن وأوروبا إعادة توزيع حصة روسيا، وبعد فرضهم لسقف أسعار على النفط الروسي، فمن المرجح أن يسهم ذلك الوضع بالإضافة للقمة في تعزيز واردات النفط الخام الأمريكي من القارة، خاصة وأن القمة خصصت جلسة في يومها الأول بعنوان "التكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة".

(#) تعزيز الاستثمارات: قدمت النسخة الأولى من القمة عام 2014، التزامات بشأن تعزيز القطاع الخاص من خلال الاستثمار والشراكة مع البلدان الإفريقية، ومن المتوقع أن تعطي قمة هذا العام الأولوية لقضايا مماثلة، مع التركيز بشكل أكبر على مبادرات الاستثمار، فمنذ يونيو 2019، ساعدت الولايات المتحدة، في إطار برنامج "ازدهار إفريقيا"Prosper Africa، في إبرام نحو 800 صفقة تصدير واستثمار عبر 45 دولة إفريقية، بقيمة تقديرية تبلغ 50 مليار دولار، فيما خصصت القمة جلسة في يومها الأول بشأن تحديث شراكة الولايات المتحدة ومشاركتها مع إفريقيا جنوب الصحراء، لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية وتنمية قانون النمو والفرص في إفريقيا "أغوا".

(#) تنامي التجارة: لا تزال إمكانات القارة التجارية مع واشنطن أقل من قيمتها الحقيقية إلى حد كبير، لا سيما وسط وجود منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية "AfCFTA" التي تأسست في 21 مارس 2018، التي توحد 54 دولة في أكبر تكتل تجاري بالعالم، ومن المقرر أن تزيد من الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا بمقدار 450 مليار دولار، لذلك فمن المرجح أن يتمخض عن القمة زيادة حجم التجارة البينية بين الولايات المتحدة وإفريقيا خلال الفترة المقبلة، فقد أعربت واشنطن عن دعمها لمنطقة "AfCFTA" ورغبتها في نمو القوة الاقتصادية لإفريقيا بالعالم من خلال تلك المنطقة، كما تعزز الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية المتبادلة، التي من المحتمل توقيعها خلال القمة من تنامي التجارة بينهما.

(#) تغليب البعد السياسي: على الرغم من أن البعد الغالب على القمة هو البعد الاقتصادي، بيد أنه قد يتم تغليب البعد السياسي وحقوق الإنسان، خاصة وأن مولي فيي، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، أكدت أن بلادها لم تقم بدعوة الحكومات الإفريقية التي ليست في وضع جيد بالاتحاد الإفريقي، لتشجيعها على العودة إلى المسار الديمقراطي قبل إقامة أي شراكات أخرى، وتشمل هذه الدول "مالي، السودان، غينيا، وبوركينا فاسو"، كما تم استبعاد إريتريا والصومال، لعدم ارتباطهما بعلاقات دبلوماسية مع واشنطن.

في الختام، يمكن أن تفرز تلك القمة الأمريكية الإفريقية العديد من الانعكاسات والتداعيات الإيجابية لكلا الطرفين، لا سيما وسط ما تعانيه كل دول العالم من أزمات غير مسبوقة، لكن يتوجب الأمر أن تتكاتف دول القارة الإفريقية تحت صوت واحد، الأمر الذي قد يمكنها من تحقيق المزيد من المزايا والمكاسب، لكن قد لا تكون تلك القمة كافية لإظهار تغيير حقيقي، في تعاطي واشنطن مع القارة، خاصة وسط تنامي الدور الصيني والروسي بالقارة.