يطرح صعود اليمين المتطرف، بقيادة بنيامين نتنياهو، إلى صدارة المشهد السياسي بإسرائيل في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، التي أجريت في الأول من نوفمبر الجاري، تساؤلات عدة، لعلّ أهمها: ما حدود تأثير عودة نتنياهو على قضايا الشرق الأوسط؟، وهل ستشهد المنطقة تصعيدًا يزيد من التوترات القائمة، ويسهم في تعقيد المشهد الإقليمي، الأكثر اضطربًا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؟
يذكر أن نتائج الانتخابات رقم 25 الإسرائيلية، حصل فيها حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 32 مقعدًا، والصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيثمار بن غفير على 14 مقعدًا، وحزب شاش على 12 مقعدًا، ويهودوت هتوراة على تسعة مقاعد.
سياسات سابقة:
تشير التقديرات إلى أن عودة نتنياهو إلى السلطة رئيسًا للحكومة المقبلة بعد أن قضى فيها ما يقرب من 12 عامًا، إلى احتمالية تبنيه سياسات سابقة عكستها توجهاته خلال الفترات التي تولى فيها السلطة إزاء قضايا الإقليم، سواءً فيما يخص رفضه مبدأ حل الدولتين مع الفلسطينيين، مرورًا بالتشدد إزاء الملف النووي الإيراني، أو السعي للعب أدوار مؤثرة في تفاعلات الإقليم بما يتماشى مع إعادة التموضع لإسرائيل بعد أن تضع الصراعات المتفجرة أوزارها. وعليه، يمكن الإشارة إلى التداعيات المحتملة لتلك العودة على الملفات والقضايا، وهي كالتالي:
(*) استمرار التعنت إزاء القضية الفلسطينية: تتزايد التوقعات باستمرار انتهاج نتنياهو سياسة متشددة إزاء القضية الفلسطينية في ظل اتجاهه لتعيين وزراء من أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف في مقدمتهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير الذي يرفع شعار الموت للعرب، واللذان تركز خطابهما خلال الحملة الانتخابية على ضرورة إعادة العمل بسياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، استغلالًا للتوتر المتصاعد في الضفة الغربية المحتلة، لحث جمهور المستوطنين واليمين المتطرف على دعمهما.
يُعدُّ نتنياهو من أشد المؤيدين لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية؛ وهو الأمر الذي أدَّى إلى تأكيد الولايات المتحدة التزامها بمبدأ حل الدولتين عقب فوز ائتلاف نتنياهو. ففي اتصال هاتفي لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في 5 نوفمبر 2022، ناقشا الجهود المشتركة الرامية إلى تحسين نوعية حياة الشعب الفلسطيني وتعزيز أمنه وحريته، وأعاد بلينكن تأكيد التزام واشنطن بحل الدولتين، وشدد على قلقه البالغ إزاء الوضع في الضفة الغربية، بما في ذلك التوترات وأعمال العنف المتزايدة، وسقوط قتلى في صفوف الإسرائيليين والفلسطينيين.
(*) تبني سياسة متشددة إزاء إيران: تتجه التوقعات إلى استمرار انتهاج نتنياهو سياسة أكثر صرامةً إزاء البرنامج النووي الإيراني، ومعارضته التفاوض مع إيران التي تسعى للتحول لقوة إقليمية منافسة للطموحات الإسرائيلية. وهو الأمر الذي سينعكس على تصاعد لهجة التهديدات الإسرائيلية الموجهة لطهران، من خلال توجيه ضربات محتملة لأذرعها في سوريا أو من خلال تطويق تغلغلها في إفريقيا.
(*) تصدع اتفاق الحدود البحرية مع لبنان: جاء تهديد بنيامين نتنياهو في 31 أكتوبر 2022 وقبل إجراء انتخابات الكنيست بيوم واحد، بإلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان حال فوز حزبه، قائلًا: "سأتعامل مع الاتفاق تمامًا كما تعاملت مع اتفاق أوسلو"، واصفًا الاتفاق بأنه اتفاق استسلام آخر. وبعد تشكيل الحكومة ربما يحاول نتنياهو تجنب الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الراعي الرئيسي للاتفاق، غير أنه من الممكن أن يتجه لتعديل بعض بنود الاتفاق خلال عرضه على الكنيست وحيازته للأغلبية التي تمكنه من ذلك الإجراء.
(*) تعزيز الانفتاح على الدول الخليجية: في 13 أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، تبعه اتفاق مماثل مع البحرين في 11 سبتمبر من العام نفسه، وهي الاتفاقات التي عرفت باتفاقات السلام الإبراهيمي. وتشير التوقعات إلى احتمالية استمرار إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو في تعزيز انفتاحها على الدول الخليجية لا سيما أن ثمة تحديًا مشتركًا يرتبط بمنع امتلاك إيران للسلاح النووي الذي يتجسد في رفض نتنياهو لتفاوض الدول الغربية مع إيران حول برنامجها النووي.
مجمل القول إن عودة نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل تزامنت مع هيمنة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي على عدد جيد من المقاعد، تعني انسجامًا بين صعود اليمين المتطرف في إسرائيل مع توجهات الجمهوريين في تفاعلات الإقليم، وفي مقدمتها الحيلولة دون استمرار إيران في برنامجها النووي، فضلًا عن معارضته مبدأ حل الدولتين الذي طرحه يائير لابيد في الأمم المتحدة في سبتمبر 2022.
غير أن التحدي الأبرز، الذي سيواجه نتنياهو ويمكن أن يتم توظيفه عبر خصومه، هو توجيه المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت في 21 نوفمبر2019 اتهامات إليه في ثلاث قضايا منفصلة تتعلق بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة. ويضاف إلى ذلك أن التحالفات الهشة لائتلافه التي تعني أن أي خلاف بداخله ربما يؤدي إلى انسحاب عدد من أعضائه، واحتمالات حلّ الحكومة مستقبلًا، ليتم توجيه الدعوة إلى انتخابات جديدة ستضفي مزيدًا من الجمود على المشهد السياسي الإسرائيلي.