الأنفاس تتلاهث، ينازع الرجل الستيني الموت، دخل في غيبوبة أصابته إثر مرض السكر، تحاول أسرته التحرك، تمنعها طلقات المدافع والرشاشات، الإسعافات العاجلة مطلوبة، لا يعرفون ماذا يفعلون، عيادة الطبيب لا يمكنهم بلوغها، المستشفيات القريبة خارج الخدمة، لحظات الرعب هدأت أخيرًا فالرجل فارق الحياة.
هذا ليس مشهدًا في أحد أفلام التراجيديا، بل حقيقة وقعت في السودان، وتحديدًا في العاصمة الخرطوم، يحكيها الطبيب المصري عبد العاطي المناعي، الذي قرر عدم العودة إلى مصر، والاستمرار في مساعدة السودانيين، في ظل أوضاع مأساوية، إذ يقول: "كيف أترك مرضى في بلد انعدمت فيه الخدمات الطبية لهذا المستوى، وكيف أتركهم وهم في أمس الحاجة لأي طبيب في أي تخصص".
يقول "المناعي"، إن الحالة التي توفيت كان من السهل علاجها، ولكن أسرته لم تستطع الوصول إلى أي مكان لإسعافه؛ بسبب الاشتباكات الطاحنة التي تشهدها شوارع الخرطوم، مُوضحًا أنه لم ير الشارع منذ 16 يومًا، ولكنه يقدم الخدمة الطبية وخدمات الطوارئ، لمن يحتاجها مجانًا، رغم أنه تخصص مسالك بولية، ولكن الأوضاع تُحتم عليه ذلك.
"جهزنا المركز بإمكانيات الطوارئ والمحاليل الطبية، وأدوية السكر والضغط والتنفس"، يضيف أن توقف المستشفيات بنسبة 80% جعل السودانيين في أمس الحاجة لأي طبيب، حتى لو لم يكن في تخصصه، وأنه حاليًا يستقبل الحالات الطارئة للأمراض المُزمنة، قدر استطاعته.
كثير من المرضى مهددون أثناء تحركهم، ولكنهم مضطرون لإنقاذ الحالات، فهم أمام الموت إما بالمرض أو بالطلقات"، ويضيف أن من أصعب الحالات التي عالجها، مريض أصيب بنزيف المريء، ودخل في غيبوبة، وتم إسعافه وعلاجه حتى استقرت حالته، ثم تم تحويله للمركز المُختص وهو الآن في حالة جيدة.
"الخطر موجود في كل مكان، سواءً في الشارع أو المنزل، لا أحد محصن، لكن قدر الله نافذ"، كلمات وصف بها الطبيب المصري ما يحدث في شوارع السودان، مُشيرًا إلى أن أكثر ما يزعجه حاليًا، هو اقتراب الأدوية التي وفرها من النفاد وأنه لا يستطيع حتى الآن توفير بديل لها، لتوقف المستشفيات عن العمل، وأن هناك 5% فقط من الصيدليات ما زالت تعمل.
"الموت يلازم الجميع والقصف والقتل غير بعيد وانعدام الضروريات هو العادي، لا يوجد التزام بالهدنة"، يضيف المناعي قائلًا إن الخطر على حياة أي شخص تبلغ نسبته 100%.