الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انكماش ملحوظ.. لماذا تتراجع عمليات "بوكو حرام"؟

  • مشاركة :
post-title
انفجار في منطقة إيموهوا بنيجيريا 3 مارس 2023

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

في خضم تركيز عدد من دول القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة على وضع استراتيجيات تهدف في المقام الأول لمكافحة الإرهاب وتقليص نفوذ الجماعات الإرهابية المنتشرة كالفيروس في جسد القارة؛ نلاحظ أن هذه السياسة بدأت تلقي بصداها أخيرًا في الأراضي النيجيرية، خاصة عقب تولي الرئيس "بولا أحمد تينوبو" مقاليد الحكم في فبراير 2023، ورغم استمرار جماعة "بوكو حرام" المعروفة أيضًا بـ"جماعة أهل السنة والدعوة والجهاد"، في شن عمليات إرهابية سواء داخل نيجيريا أو خارجها، إلا أنها ليست كما كانت في السابق نتيجة جملة من العوامل أبرزها الانقسامات داخل الجماعة الإرهابية، والقبضة الأمنية للقوات النيجيرية، وهو ما يطرح تساؤلًا عن المشهد النيجيري خلال الفترة المقبلة.. هل تتراجع عمليات "بوكو حرام" أو ستشهد تصاعدًا؟

تجدر الإشارة إلى أنه في يناير الماضي احتلت نيجيريا المرتبة الرابعة بعد بوركينا فاسو والصومال وإثيوبيا من حيث عدد الحوادث والقتلي الناجمين عن النشاط الإرهابي لتنظيمي بوكو حرام وداعش وبعض التنظيمات المتمردة، إذ وقع بالأراضي النيجيرية 12 حادثة إرهابية، و71 قتيلًا، أما في فبراير الماضي فجاءت نيجيريا في المرتبة الثالثة، إذ وقع بها 38 حادثة إرهابية و188 قتيلًا، وفقًا للإحصاءات الصادرة عن تقرير مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان.

هجمات إرهابية:

رغم أن الهجمات الإرهابية التي تشنها جماعة "بوكو حرام" في دول غرب إفريقيا تراجعت بشكل بسيط، إلا أنها لا تزال موجودة، وتكشف عن محاولات الجماعة الإرهابية لإعادة نفوذها في الأراضي النيجيرية، ومن أبرز الهجمات التي شنتها منذ مطلع العام الجاري، ما يلي:

(*) مداهمة موقع في شمال الكاميرون: حصلت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" على معلومات من مصادر أمنية ومحلية مطلعة، تفيد بمداهمة مسلحين من جماعة بوكو حرام في 3 أبريل الجاري موقعًا في منطقة أقصى شمال الكاميرون وتحديدًا في "محلية عمشيدة" الواقعة بهذه المنطقة، وأطلقوا النيران على المواطنين، ما أدى إلى إصابة ثلاثة مدنيين على الأقل بالمنطقة، ووقعت هذه العملية الإرهابية بعد أسبوع من إطلاق محافظ لوجوني وشاري في المنطقة "ماتياس فومبيلي تيم" تحذيرًا من تسلل مفجرين انتحاريين من نيجيريا إلى القرى الواقعة بهذه المنطقة لاستهداف المدنيين وقوات الأمن بالعبوات الناسفة، وهذه ليست المرة الأولى التي تشن فيها "بوكو حرام" هجماتها شمال الكاميرون، ويرجع ذلك إلى كون الجماعة الإرهابية تتمركز في شمال شرق نيجيريا (ولاية بورنو) وهي منطقة متاخمة لأربع دول هي "نيجيريا، الكاميرون، تشاد، النيجر"، الأمر الذي جعل قوات الأمن الكاميرونية خلال السنوات الماضية تركز جهودها حول مكافحة بوكو حرام.

(*) استهداف الأجهزة الأمنية والمقرات الانتخابية بنجيريا: ركزت الجماعة الإرهابية خلال فبراير الماضي على شن هجمات متعددة ومتنوعة ركزت بشكل خاص على استهداف مراكز الشرطة والعسكريين، بجانب بعض المدارس التي كانت مخصصة للانتخابات الرئاسية النيجيرية في محاولة من قِبل مسلحي الجماعة لتعطيل الانتخابات التي وقعت أواخر فبراير الماضي، وتنافس عليها 18 مرشحًا وانتهت بفوز رئيس حزب المؤتمر التقدمي الحاكم "بولا أحمد تينويو"، كان من هذه الهجمات المشتبه تنفيذها من قِبل مسلحي جماعة بوكو حرام، هجوم بالعبوات الناسفة في 1 فبراير الماضي استهدف مكتبًا للجنة الانتخابية ومركزًا للشرطة ومبنى سكني مجاورًا للمركز في ولاية أنامبرا بجنوب شرق البلاد، ما نجم عنه مقتل شخص وإصابة فتاة، وفي 2 فبراير، أطلق مسلحو بوكو حرام قنابل نارية على الناخبين في بولكا، ما أدى لإصابة خمسة أطفال، أما في 24 فبراير الماضي، شن مسلحون هجومًا على بعض الموظفين باللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في مدينة "جومبي"، ما أسفر عن إصابة 3 أشخاص، وفي 25 فبراير الماضي استهدف مسلحو بوكو حرام الناخبين في ولاية بورنو خاصة بمنطقة جبل "ماندارا" ما أدى لإصابة خمسة أشخاص، وفي 16 مارس الماضي، أطلق مسلحو بوكو حرام عبوة ناسفة في أطراف بلدة بانكي حيث توجد قوات نيجيرية، ما أدى لمقتل ثلاثة جنود وإصابة أربعة آخرين.

(*) استهداف المدنيين بولاية بورنو النيجيرية: لم يسلم المدنيون من الأعمال الإرهابية لمسلحي "بوكو حرام" وخاصة المشتبه في تقديمهم مساعدات للأجهزة الأمنية النيجيرية، وهو ما وقع في 10 مارس الماضي، إذ شن متطرفون هجومًا في بلدة ديكو، التي تشتهر بصيد الأسماك في ولاية بورنو النيجيرية، ونجم عنه مقتل 25 شخصًا على الأقل، ووجهت أصابع الاتهام إلى عناصر "بوكو حرام" خاصة أن "ديكو" تقع بالقرب من غابة سامبيسا في شمال شرقي نيجيريا التي تعد معقلًا للجماعة الإرهابية، وفقًا لما أعلنه مفوض الشرطة النيجيرية "عبده عمر"، وكشفت مصادر محلية بهذه المنطقة أن العناصر الإرهابية كانت تشك في أن الصيادين بهذه المنطقة يقدمون معلومات للجيش النيجيري.

انكماش ملحوظ:

في إطار التطورات السالف ذكرها، يمكن القول إنه رغم وجود هذه الهجمات، إلا أنها ليست بدرجة التأثير الكبيرة التي كانت تُحدثها الجماعة الإرهابية خلال السنوات الماضية، فرغم أن عام 2022 شهد تزايدًا في الأعمال الإرهابية للجماعة المتطرفة، وأيضًا الأسابيع الأولى من العام 2023، إلا أن هذه الهجمات تراجعت بشكل كبير على عكس ما كان في الماضي، بل أدت لاختفاء بوكوحرام قليلًا من على وسائل الإعلام، وذلك بعدما تعرضت الجماعة لبعض الأحداث يأتي من أبرزها ما يلي:

(&) نجاح الاستراتيجية الأمنية للقوات النيجيرية: تمكنت القوات النيجيرية خلال الفترة الأخيرة من استهداف أبرز قيادات جماعة "بوكوحرام" بل ودحر العمليات الإرهابية لهذه الجماعة وتكبيدها خسائر فادحة، بل أطلقت أخيرًا برنامجًا لمكافحة التطرف في البلاد، ما دفع عددًا من مقاتلي الجماعة إلى إعلان استسلامهم وإقناعهم بالتخلي عن التمرد والعودة مرة أخرى إلى البلاد، وهو ما أكده القائد العام للجيش النيجيري الجنرال "لوكي إيرابو " في 28 مارس الماضي، معلنًا أن "أكثر من 50 ألف مقاتل من بوكو حرام وعائلاتهم، ألقوا أسلحتهم وسلموا أنفسهم إلى السلطات في الفترة ما بين يوليو 2021 ومايو 2022"، وأفاد أن ذلك بفضل برنامج الإدماج ومكافحة التطرف الذي أطلقته السلطات النيجيرية، إضافة إلى أنه في 21 مارس الماضي، وفي الوقت الذي كان مقاتلو "بوكو حرام" يجهزون لعملية ضد القوات الأمنية، فقد تمكنت أجهزة المخابرات النيجيرية من إفشال هذا المخطط، وذلك بعدما قامت الكتيبة 152 بالجيش النيجيري باعتقال مخطط الهجوم "بعانا بديع" المعروف أيضًا باسم "مانشي" من خلال عملية في بلدة بانكي.

(&) فقدان التماسك التنظيمي للجماعة الإرهابية: إن السبب في تراجع العمليات الإرهابية لمسلحي بوكو حرام بل ودفعهم إلى الاستسلام، هو حالة الانشقاقات والانقسامات التي ضربت الجماعة الإرهابية أخيرًا، التي تفاقمت عقب مقتل زعيمها "أبو بكر الشكوي" (شيكاو) في 2021، إذ ظهر فصيل معادٍ يتبع تنظيم القاعدة ويُعرف باسم "القاعدة ولاية غرب إفريقيا"، أما في 2016، فقد وقع انشقاق داخل الجماعة النيجيرية، وهو ما نجم عنه بروز تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا (إيسواب) (ISWAP)، الذي تمكن من السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد بل وكثف هجماته ضد مقاتلي بوكو حرام، وهو ما نجم عنه أخيرًا حدوث "تمرد جهادي" بين أبرز جماعتين جهاديتين بنيجيريا من أجل السيطرة على "حوض بحيرة تشاد" الاستراتيجية، ووقعت أبرز المواجهات بينهم في 19 فبراير الماضي، حينما اقتحم مسلحو بوكو حرام معسكرات لداعش في "تومبون غيني كايوا" شمال شرق نيجيريا، وفي 26 فبراير الماضي، ردت "إيسواب" بشن هجمات انتقامية على مقاتلي بوكو حرام في عدة مناطق بولاية باما شمال شرق بورنو، وعادت هجمات "إيسواب" مرة أخرى في 17 مارس الماضي، باستهداف معسكرات لبوكو حرام قرب غابة سامبيسا ما أدى لمقتل عدة أشخاص، وقد دفعت المعارك الدامية بين الجماعتين الجهاديتين للسيطرة على شمال شرق البلاد والتي نجم عنه مقتل أكثر من مئتي شخص، إلى أمرين، أولهما، استسلام عدد من مقاتلي بوكو حرام للهروب من إرهاب داعش، إذ استسلم ما لا يقل عن 1250 من مقاتلي بوكو حرام الهاربين وعائلاتهم للقوات النيجيرية في شمال شرق البلاد مطلع مارس الماضي، أما الأمر الثاني، فهو توجيه القائد الأعلى السابق في بوكو حرام " أدامو روجوروجو" في 27 مارس الماضي، رسالة إلى الجماعات الإرهابية بإنهاء حالة الحرب والاستسلام، مؤكدًا لهم بأنهم يقاتلون أنفسهم.

(&) هجرة مسلحي التنظيم ومحاولة استقطاب مقاتلين جدد: إن الضربات الأمنية المكثفة للجيش النيجيري من جهة، والهجمات الدامية لتنظيم داعش في غرب إفريقيا من جهة أخرى، دفعت عددًا من مقاتلي بوكو حرام إما إلى إعلان الاستسلام للسلطات النيجيرية أو الانضمام لداعش، أو الهرب والهجرة إلى خارج البلاد، وتحديدًا إلى ليبيا والصومال والجزائر وأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما نجم عنه فقدان الجماعة النيجيرية لعدد كبير من مقاتليها، ما أدى بدوره إلى انخفاض أعمالها الإرهابية، الأمر الذي نجم عنه تدشين "بوكو حرام" في 27 مارس الماضي "قاعدة للتجنيد" في قرية دينالله الواقعة بالقرب من جنوب دياجورو في جمهورية النيجر، تركز على استهداف الشباب وخاصة صغار السن لتعليمهم آراء التنظيم المتطرفة، في محاولة منها لاستقطاب دماء جديدة إلى التنظيم.

(&) ضعف الموارد المالية للجماعة النيجيرية المتطرفة: إن المال يعد الشريان الرئيسي لأى جماعة إرهابية لتنفيذ مزيد من الهجمات، ولكن ما تعرضت له "بوكو حرام" أخيرًا سواء من هجمات الجيش النيجيري أو تنظيم داعش المنافس؛ أدي إلى فقدانها للموارد المالية ومن ثمّ انخفاض أعمالها الإرهابية، الأمر الذي دفعها إلى اللجوء لطريقة "الخطف" من أجل ابتزاز أهالي الضحايا مقابل الحصول على مبلغ مالي للإفراج عن المختطفين، وفي 3 مارس الماضي، اختطف مسلحو "بوكو حرام" 7 أشخاص (3 رجال و4 نساء) بشمال غرب ماجومري في نيجيريا، وطالبوا أسر الضحايا بـ"الفدية"، الأمر الذي يؤكد أن الجماعة المتطرفة تعاني بشدة جراء انخفاض مواردها المالية.

(&) مقتل أبرز قيادات الجماعة الإرهابية: في بعض الأحيان قد يؤدى فقدان التنظيم الإرهابي لأبرز قياداته إلى حدوث خلل في البداية داخل التنظيم وعدم القدرة على شن هجمات إرهابية كالمعتاد، وهو ما حدث مع بوكو حرام، مرتين، الأولي عقب مقتل زعيمها "أبو بكر الشكوي" (شيكاو) في 2021 إذ وقع انخفاض بنسبة 51% في عمليات الجماعة، والثانية، حينما قتل المسؤول عن صناعة القنابل بالجماعة "أوانا غيدام" في 28 مارس الماضي، والمعروف بكبير صانعي القنايل بالجماعة لكونه من أحد أهم صانعي العبوات الناسفة التي تعد أداة التنظيم الرئيسية لشن هجمات إرهابية، وكانت هذه إحدى الضربات التي نفذتها القوات النيجيرية في عملية عسكرية بشمال شرق نيجيريا.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن النظام النيجيري الحاكم بقيادة "بولا تينوبو" ينبغي عليه وضع استراتيجية شاملة تركز على دعم القوات الأمنية وإمدادها بجميع الأدوات اللازمة لمواجهة الجماعات الإرهابين المنتشرة بالبلاد، وفي الوقت ذاته استغلال المعارك الدائرة بين هذه الجماعات وتحديدًا، بين "بوكو حرام" و"داعش في غرب إفريقيا" لتحقيق مكاسب واستعادة السيطرة على معظم الأراضي الواقعة تحت قبضة هذه الجماعات الجهادية خاصة بشمال شرق نيجيريا، بل وتعزيز التعاون مع دول القارة الإفريقية للحد من الأعمال الإرهابية التي تضرب غرب إفريقيا.