بعد رحلة طويلة مليئة بالعطاء نجحت خلالها في أن ترسم خيال الطفل، رحلت عن عالمنا صباح اليوم الإعلامية المصرية الكبيرة فضيلة توفيق، الشهيرة بـ "أبلة فضيلة"، حيث تقام صلاة الجنازة عليها ظهر غد الجمعة بمسجد عثمان فى مدينة بيكرينج في كندا، إذ سافرت هناك منذ نحو 10 سنوات لتعيش برفقة ابنتها ريم.
كانت تمثل أبلة فضيلة أيقونة مميزة عند الصغار والكبار، ارتبطوا بها وعشقوا صوتها الذي بات علامة مميزة عند أجيال متعاقبة، إذ كان صوتها الحنون الدافئ هو حلقة الوصل في ارتباط الأطفال بالراديو ليصغوا إلى نصائحها وحواديتها.
لا يزال أصداء صوتها الشجي العذب يتردد في مسامعنا، نبرتها التي لا تنسى وهي تقول "حبايبي الحلوين" تلك العبارة التي أسرت قلوب كل من سمعها لتأخذهم لعالم من السحر والخيال وهي تقص عليهم حكاياتها البديعة.
ارتبط اسم أبلة فضيلة بالإذاعة المصرية، التي كانت تعتقد في فترة الصغر أن هناك شخصًا بداخل جهاز الراديو لتقول عن ذلك: "أعشق الراديو منذ صغري، وكان يوضع في مكان مرتفع حتى لا نصل إليه، حيث كنت أقف على الكرسي وأحاول أن أفحص الجهاز، في محاولة مني لمعرفة ما بداخله، ورؤية شكل الشخص الذي يتحدث منه، إذ كنت أعتقد أن بداخله شخصًا ما".
رفضت فضيلة توفيق لقب "ماما فضيلة" لتختار "أبلة فضيلة" والتي تقول عن سبب ذلك في لقاء تلفزيوني سابق: "عندما دخلت الإذاعة قال لي "بابا شارو" أكيد ستسمي نفسك "ماما فضيلة" فقلت له لا، لأن كل طفل لديه أم، فأنا سأطلق على نفسي أبلة فضيلة، لأن أبلة كلمة تركية تعني الأخت الكبيرة".
تأثرت أبلة فضيلة بحكايات جدها، التي كان يسردها لها في الصغر، وهو ما دفعها لجمع كل أطفال العمارة التي تسكن بها، وتسرد حكايتها لهم في فترة الظهيرة، حيث كان لديها ملكة الحكي، ليستمع إليها الأطفال بشغف على مدار ساعتين متواصلتين.
لم يكن مجال دراسة فضيلة وبداية عملها في المحاماة متناسبًا مع طبيعة شخصيتها، فرشحها أحد الأشخاص للعمل بالإذاعة، لتقول عن بداية عملها بالإذاعة: "كانت عيني على بابا شارو عندما دخلت الإذاعة وكنت أريد العمل معه، وتدربت على يديه، وبعدها جاءت له فرصة العمل في التلفزيون، ولكنه لم يستمر طويلا هناك وعاد للإذاعة، وكنت قبلها أعمل كمذيعة للكبار وتحديدًا في الأخبار ولكنني لم أكن مقتنعة، لأن طبيعة صوتي طفولية ولا أحد سيصدقني في الأخبار التي تحتاج إلى خامة صوت معينة، فتوليت رئاسة البرنامج العام بجانب عملي كمذيعة للأطفال".
رفضت أبلة فضيلة العمل في التلفزيون، لتكشف عن سبب ذلك قائلة: "كان هناك اعتقاد لدى الأطفال بأنني طفلة صغيرة مثلهم، وكانوا يتفاجأون عندما يرونني كبيرة، ولذلك رفضت العمل كمذيعة بالتلفزيون لأحافظ على الصورة التي كونها الأطفال عني وأكون قريبة منهم".
كانت سهير القلماوي، واحدة ممن تبنوا موهبة أبلة فضيلة، والتي دربتها على كيفية التعامل مع الأطفال، وتنبأت بموهبتها وأنها ستصبح نجمة برامج الأطفال لتقول فضيلة عن ذلك: "لا يمكن أن أنسى فضل الأستاذة سهير القلماوي علىَّ وعلى دفعتي التي كانت تضم نجومًا كبارًا مثل صفاء أبو السعود وشقيقاتها، وأيضًا الفنان مدحت صالح ومحمد ثروت وهاني شاكر".
وعن ذكرياتها مع بابا شارو تقول في لقاء سابق لها: "كنت أشعر أن بابا شارو بداخله طفل صغير، فكان عصبي جدًا، ولكنني كنت أتفاهم معه، لدرجة أن من يرانا نتحدث يشعر أننا طفلين، لكنه كان يساعدني ويعلمني حتى أكون خليفته، فكنت أقول لزوجته الإعلامية صفية المهندس لا تتعاملي معه كزوج ولكن تعاملي معه كطفل، وبالفعل هدأت حدة الخلافات بينهما بعد أن استمعت إلى نصيحتي".
حظيت أبلة فضيلة بحب الجمهور وأيضا الكثير من التكريمات والتي وصلت لنحو 52 تكريمًا على مستوى العالم، لتؤكد أنها تشعر بسعادة غامرة بالتكريم والتقدير، حيث تقول: "أحب التكريم والتقدير فهذا يسعدني وحتى الآن أكون حريصة على إسعاد نفسي بأقل الأشياء مثل شراء لبس العيد حتى أن زوجي كان يقول لابنتي ريم: "سنشتري لمامتك أولًا لبس العيد"، فأنا أشعر أن بداخلي طفلة حتى بعد أن كبرت وتقدمت في العمر"، لترحل تلك الطفلة البريئة وتترك وراءها رصيدًا ذاخرًا من محبة الأطفال والكبار.