احتفظ عادل إمام بعلاقات جيدة مع كل زملائه في الوسط الفني، فلم تربط الصداقة بينه وزملائه فحسب، بل امتدت بين اندماج أسرته مع أسر أصدقائه المقربين، ليحفظ في ذاكرة الأبناء ذكريات ومواقف لا تنسى.
حظي عادل إمام بلقب "الخال" و"العم"، إذ كان الكثير من أبناء أصدقائه الفنانين، يعتبرونه كذلك بالنسبة لهم، من شدة العلاقة التي جمعت بينه وآبائهم، حكايات ممتدة من السمر في ليالي الشتاء والصيف وحفلات عائلية تجمع أسرته وعائلات أصدقائه، ليتربى أبناء الفنانين على يديه، فلا يوجد شخص منهم لم يجمعه موقف إنساني وعائلي معه.
في حديثهم لـ" القاهرة الإخبارية"يسترجع عدد من أبناء الفنانيين، ذكرياتهم مع الزعيم ليكشفوا عن الوجه الإنساني الآخر له الذي يخفيه بعيدًا عن أضواء الشهرة والنجومية.
توفيق الدقن تنبأ بنجوميته
يقول المستشار ماضي الدقن، نجل الفنان الراحل توفيق الدقن: "إن الزعيم عادل إمام يعد قيمة فنية كبيرة جدًا وفنان عظيم، حيث يعتبر الجيل الثاني بعد جيل الرواد والأساتذة الكبار مثل محمود المليجي وتوفيق الدقن وفريد شوقي، وأتذكر دائمًا كلام والدي عنه، وكان يقول عنه إنه من النجوم الذين صنعوا اسمهم بأنفسهم، واستهل مشواره بأدوار صغيرة في التلفزيون في بداياته، ثم عمل مع الأستاذ فؤاد المهندس لتتوالى الأعمال في الأفلام إلى أن صنع نجومية خاصة".
أضاف: "والدي توفيق الدقن التقى الزعيم في سهرات متعددة ومن أشهرها "الفنان والهندسة" ثم عملا سويًا بعد ذلك في فيلم "أنا وهو وهي" في دور "النمساوي بيه"، وهو من أشهر أدوار الأستاذ عادل إمام، التي اشتهر فيها بمقولة "بلد بتاعة شهادات صحيح" التي أتاحت له الفرصة للتعبير عن نفسه ويقدم نفسه للجمهور ويرتبط به".
وتابع: "جمعتهما فيما بعد عدة أفلام، لكنهما لم يلتقيا على المسرح؛ لأن والدي كان يعمل في المسرح القومي بينما عادل إمام كان يعمل في فرقة الفنانين المتحدين، لكن بعد فترة التقى الزعيم والدي في الفيلم الشهير "على باب الوزير" واختار عادل إمام والدي توفيق الدقن ليقدم دور والده في أحداث الفيلم، بدلًا من محمود المليجي الذي قدمه في الإذاعة، والدقن والمليجي يجمعهما ارتباط في الأداء والشكل، وعلى هذا الأمر كان اختياره، وكان هذا الدور بمثابة تغير في نوعية أدوار والدي، وكان يعتز به جدًا، وكان سببًا في أن يكون مرحلة أخرى له".
"عادل إمام قيمة فنية وصاحب مدرسة خرجت من رحم النجوم الكبار مثل عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، واستطاع أن يوجد لنفسه شخصية فنية قادرة على جذب الجمهور خاصة ومتفردة به"، هكذا كتب توفيق الدقن في مذكراته عن الزعيم عادل إمام، وذلك حسبما أكد نجله ماضي، الذي يؤكد: "والدي تنبأ للزعيم بأنه سيكون نجمًا في المستقبل وكان ينظر له على أنه الفنان القادم، وكان دائمًا يقول لي إن عادل إمام يتمتع بالذكاء والقبول الجماهيري ولديه نظرة مستقبلية للتنوع والاختلاف وفنان كوميدي لم يشبه أحدًا، وهذا ما كتبه والدي وسجّله في مذكراته وأوراقه، وهذه المذكرات لم تنشر بعد".
كان "الزعيم" يمرر القضايا المهمة والمُلحة من خلال الكوميديا والسخرية، ليقول ماضي الدقن عن ذلك: " أفلام عادل إمام حملت فلسفة ورؤية وهو ما أكده عندما سئل عن ذلك، وأرى أنه مهما أضحكنا، لكن أفلامه كانت تحمل فلسفة سياسية وفيها رؤية ومنطق كما أنها أفلام هادفة ولا نستطيع أن نقول إن أعماله كانت لمجرد الضحك فقط، أفلام كثيرة أثرت في وجداننا مثل "طيور الظلام" و"النوم في العسل"، و"الواد محروس بتاع الوزير"، و"على باب الوزير" فهذا الفيلم تنبأ بمشكلة البطالة، فالطبيب يعمل تمرجيًا والمحامي يعمل سباكًا خلال أحداث العمل، وأيضًا "بخيت وعديلة"، وحتى مسلسلاته الأخيرة كان لها مضمون، وأنا أحبه جدًا ومن حقه علينا أن نقول له إننا نحبه".
صداقة عائلية مع رجاء الجداوي
لم تكن العلاقة بين عادل إمام والفنانة الراحلة رجاء الجداوي مجرد علاقة زمالة، بل تطورت لتتخطى حدود العمل وتصبح عائلية، لتمتزج الأسرتان، ما أثر بدوره على وجود حالة فنية مختلفة نتج عنها أشهر المسرحيات مثل "الواد سيد الشغال"، فمن ينسى حالة الضحك المتواصل عندما تجتمع معه، ويكفي إيفيه "يا شماتة أبلة ظاظا فيا"، الذي قالته في مسرحية "الواد سيد الشغال"، ليجتمع الثنائي في 8 أعمال مثل مسرحية "الزعيم"، وفيلم "بوبوس"، "حنفي الأبهة"، وغيرها.
تعود صداقة الزعيم وزوجته هالة الشلقاني بأسرة رجاء الجداوي منذ الستينيات، ليجمعهما العمل الأول في السبعينيات وظلت الصداقة ممتدة ودائمة كأسرة واحدة، مواقف وذكريات تسردها أميرة مختار ابنة الراحلة رجاء الجداوي لتقول عن ذلك لموقع "القاهرة الإخبارية": "علاقة الفنان عادل إمام مع ماما وبابا قوية وقديمة جدًا وأسرية، وأتذكر أنهما اشتريا سويا أول تلفزيون، وكانا صديقين، إلى أن جاء عملهما بالمسرح عام 1984 وقدما مسرحية "الواد سيد الشغال" التي عرضت عام 1986، وتوطدت العلاقة أكثر لوجودهما سويًا يوميًا، وهو بمثابة خالي وكنت أذهب للمسرح وأراه وأتحدث معه في الكواليس وأخذ رأيه، وهو رجل محترم وشخصية قوية وكان جاد جدًا رغم أنه كوميديان عظيم ولديه روح فكاهة".
تضيف ابنة رجاء الجداوي: "استمرت الصداقة طول العمل، بعد تقديم مسرحية "الواد سيد الشغال" ثم مسرحية "الزعيم" التي قدماها لسنوات طويلة، وبعد انقطاع المسرح لم تنقطع العلاقة وظلا على اتصال سويا، ونحن كأسرة كنا دائمًا على تواصل دائم ونتقابل يوميًا، فأولاده رامي وسارة ومحمد بمثابة أشقائي الصغار، ومدام هالة من أعز أصدقاء أمي، وأنكل عادل إمام كان خالًا وعمًا في الوقت نفسه؛ لأنه صديق لأمي ووالدي، وهو شخصية جادة ورأيه سديد وقوي نعتد بفكره، وهو رمز للعائلة ولمصر، واعتبره الهرم الرابع، لتمتعه بمحبة كبيرة عندما كنا نسافر مع ماما للخارج، وكان الجمهور يرسل له السلام والتحية".
عادل إمام وعمر الحريري.. عِشرة عُمر
19 عامًا هي مدة عرض مسرحيتي "شاهد مشافش حاجة"، و"الواد سيد الشغال"، والتي جمعت بين الزعيم والفنان عمر الحريري، ثم مسلسل "أحلام الفتى الطائر" ليتبعها علاقة صداقة مغلفة بالاحترام فكان لقب الأستاذ يسبق مناداة الزعيم للفنان عمر الحريري، الذي كان يكن له كل تقدير لحكم فارق السن والخبرة بينهما.
تقول ميريت عمر الحريري، ابنة الفنان الراحل عمر الحريري الذي جمعته علاقة قوية مع الزعيم عادل إمام: ذكرياتي مع الزعيم ممتدة منذ 1974، وتربيت في كواليس "شاهد مشافش حاجة" منذ أيام البروفات وحتى العرض إلى أن انتهت المسرحية، وهناك عشرة طويلة بين والدي وعادل إمام وكان الثنائي دائمًا مع بعض، وكان من طقوسهم الذهاب مبكرًا قبل العرض بفترة سواء كان في مسرح ليسيه أو مسرح السلام في الإسكندرية ومسرح المطار، وكان وراء المسرح جنينة وقبل العرض لابد أن يلتقيا ويجلسا مع بعض ثم عقب انتهاء المسرحية يجتمعا على الكورنيش ويجلسان مع الناس والجمهور، وكان اليوم الوحيد الذي لا يلتقيا فيه هو يوم الثلاثاء فقط بينما باقي الأيام مع بعض".
سردت ميريت ذكرياتها عن الزعيم لتقول: "سنوات طويلة من العمل بين والدي والزعيم وحتى خلال عرض مسرحية "شاهد مشافش حاجة" في الإسكندرية كانا يتقابلان في القاهرة لتصوير مسلسل "أحلام الفتى الطائر"، ثم قدما مسرحية "الواد سيد الشغال"، وأتذكر أن أول عرض لهذه المسرحية كانت في الإسكندرية في الثمانينيات، ومن المواقف التي لن أنساها ان والدي كان مشغول جدًا وزوجي طلب يدي من والدي في كواليس مسرحية "شاهد مشافش حاجة" والتي حضرها الزعيم عادل إمام، فتزوجت على يده، وعندما أنجبت زوجته هالة نجله محمد كنت حامل في ابني أحمد، وولدت في الإسكندرية لأنه كان يعرض في الإسكندرية وكنت أنا موجودة هناك بحكم محل إقامتي فيها، ثم سافرنا سويا في رحلة إلى بور سعيد لعرض مسرحية "الواد سيد الشغال" هناك، وكان المفروض أن تقدم 4 ليالي عرض، لتمتد لعشر أيام بسبب إقبال الجمهور يوميًا، قدمت مسرحية " شاهد مشافش حاجة" 8 سنوات، ومسرحية "الواد سيد الشغال" 11 عاما".
تابعت: "خلال عرض المسرحية في بورسعيد كنا متجاورين في الشاليهات ونسهر مع أسرته والراحلة رجاء الجداوي، والراحل يوسف داوود، والفنانة مشيرة، في حين أن بداية عرض "الواد سيد الشغال" كانت الفنانة سوسن بدر ثم استكملت دورها مشيرة، فكنا يوميًا مع بعض والسهرات والحكايات الطويلة، وحتى في حالة عدم وجود شغل يجمع أستاذ عادل ووالدي، ظلا أصدقاء ويجتمعا عند الراحل سمير خفاجي أسبوعيًا".
وأكدت أن الزعيم عادل إمام شخصية لن تتكرر ودللت على ذلك بقولها: "هو فنان حقيقي وحساس ويُقدر كبيره، وكان ينادي والدي بالأستاذ عمر، كما كان يساعد الشباب فمثلا في فيلم "التجربة الدنماركية" كان معه جيل من الفنانين الشباب، وكان أستاذ في إضحاك الجمهور وإخراجهم من همومهم وأيضا مبدع في الأدوار الجادة".
أضافت: "أرسل باستمرار السلام للزعيم مع نجله رامي، وحتى عندما توفى والدي اتصل بي من الأردن وأبنائه رامي ومحمد لتقديم واجب العزاء، ووقتها تساءل الكثيرون عن سبب عدم حضوره العزاء، ولكنه كان يصور مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، وأؤكد أن والدي وأستاذ عادل لم يختلفا نهائيًا مع بعض، ومن طبعهما ألا يختلفا مع أحد".
فؤاد المهندس منحه فرصته الأولى
كان الفنان القدير الراحل فؤاد المهندس، صاحب فضل كبير على الزعيم عادل إمام، فكان أول من قدمه للجمهور في المسرح، ليقول نجل الفنان الراحل، محمد المهندس لموقع "القاهرة الإخبارية": "في مسرحية "أنا وهو وهي" تقدم عدد من الشباب للمشاركة في المسرحية، وكان الأستاذ عادل إمام من بين 25 شابًا تقدموا للدور، ووالدي كان الوحيد الذي وافق على عادل إمام واحتضنه، وبدأ في إعطائه أدوار في أعماله، ومنحه دور "دسوقي" المحامي وكان بينهما علاقة صداقة وود ثم أعطى له دورًا في مسرحية "أنا فين وإنتي فين"، ثم قدّم له دورًا في مسرحية "حالة حب"، ثم توالت الأعمال، وقدّم معه 6 أفلام و3 مسرحيات".
أضاف: "والدي كان يتنبأ لعادل إمام بأنه سيكون نجمًا كبيرًا في يوم ما، بالإضافة إلى أنهم تحولوا لأصدقاء رغم أنه لم يكن هناك سابق معرفة معه قبل المسرحية الأولى التي جمعتهما".
ويضيف: "عادل إمام قيمة وقامة ولا يستطيع أحد أن ينكر تأثيره بفنه في نفوس كل الناس، وحظي بمحبة الجمهور التي لا تقدر بثمن ولا يمكن وصفها، وعندما أصبح عادل إمام نجمًا كبيرًا كنت أذهب له في الكواليس وأرى أنه يشبه والدي في كواليس العمل سواء الاحترام في الكواليس ولا يوجد هرج أو مرج، وكان عنده انضباط وتعلم كل هذه الأمور من الأستاذ فؤاد المهندس".
وصف نجل الراحل فؤاد المهندس، الزعيم بـ"صديق العائلة" ليقول عن ذلك: "كان يحبني وشقيقي وشقيقتي فهو صديق للأسرة، وأنا على تواصل دائم مع أسرته ومنذ شهرين تواصلت مع شقيقه عصام للاطمئنان على صحته".