أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزير الداخلية والصحة آرييه درعي، زعيم حزب "شاس"، على خلفية قرار المحكمة العليا ببطلان تعيينه في المناصب الوزارية نتيجة إدانته بالاحتيال الضريبي، فيما صبّ نتنياهو غضبه على المحكمة العليا قائلًا إن قرارها "تجاهل" إرادة الناخبين الإسرائيليين على حد قوله في جلسة الحكومة. ورغم تأخر رئيس الوزراء في تنفيذ قرار المحكمة وفق المادة 22 (الفقرة ب) في القانون الأساسي الخاص بالحكومة، الصادر يوم الثامن عشر من يناير الجاري، إلا أن نتنياهو تراجع ملتزمًا بتنفيذ القرار، مفضلًا عدم التصادم مع القضاء في ظل استمرار احتجاجات عشرات الآلاف للأسبوع الثالث على التوالي، رافضين لتوجهات الائتلاف الحكومي اليميني في السيطرة على السلطة القضائية.
وتتعرض الحكومة لتحديات جادة نتيجة الخلافات بين مكوناتها حول قضايا العلاقات العربية الإسرائيلية، وتوسيع الاستيطان، والإجراءات الاستفزازية التي تهدد تماسكها، حيث شهد اجتماع الأحد مقاطعة وزراء "الصهيونية الدينية" بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش احتجاجًا على إخلاء بؤرة استيطانية جديدة يوم الجمعة الموافق 20 من يناير الجاري، شرع مستوطنون في بنائها دون موافقة الحكومة.
ما بعد إقالة درعي:
جاءت إقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لحليفه زعيم حزب "شاس" الديني آرييه درعي من منصبيه الوزاريين (الصحة والداخلية) بعد أربعة أيام من قرار المحكمة العليا ببطلانه، واصفة تعيينه في حكومة نتنياهو بـ"غير المعقول" إطلاقًا، نظرًا لإقراره بالاحتيال الضريبي في صفقة الإقرار بالذنب العام الماضي، والتعهد بالبعد عن العمل السياسي مقابل عدم خضوعه لعقوبة الحبس، قبل أن يخوض انتخابات نوفمبر الماضي زعيمًا لحزب شاس ووزيرًا للداخلية والصحة، حسب نيويورك تايمز. ويُذكر أن "درعي" أُدين في 1993 بتلقي رشوة، وفيما قضى عامين في السجن قبل أن تطلق السلطات سراحه في 2002، مُنع من العمل السياسي حتى 2011، قبل أن يعود للحياة السياسية مرة أخرى، ويمكن التطرق إلى ملامح الوضع الإسرائيلي بعد إقالة "درعي" على النحو التالي:
(*) طموح زعيم شاس: ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية (صحيفة جيروزاليم بوست) أن تأخر قرار الإقالة كان بغرض تقدم درعي باستقالته طوعيًا، مما دعى نتنياهو لاتخاذ القرار نزولًا على أحكام القانون الأساسي، الذي يخوض الائتلاف معركة لتعديله بما يحد من صلاحيات المحكمة، حسب مشروع إصلاح القضاء الذي يتبناه وزير العدل ياريف ليفين. تصريحات زعيم شاس عقب قرار المحكمة في 18 يناير الجاري، الذي كان مقررًا أن يقضي درعي العامين الأولين من الحكومة في منصبيه، قبل أن يستبدل حقيبة المالية بالداخلية مع زعيم الصهيونية الدينية سموتريتش، بينما يترك حقيبة الصحة لأحد أعضاء حزب رئيس الوزراء (الليكود).
ويمثل دعم حزب شاس أمرًا حيويًا لبقاء الائتلاف، ففضلًا عن العلاقات القوية بين نتنياهو ودرعي، يمثل الحزب ثاني أكبر تكتل في الحكومة بإجمالي 7 مسئولين من أصل 33، من بينهم 5 وزراء (وزير لحقيبتي الداخلية والصحة لمدة عامين وهو درعي، ووزير الشئون الدينية كامل المدة، ووزير الرفاه، ووزيرين بدون حقيبة في وزارة الرفاه ووزارة التعليم) و2 من نواب الوزراء (نائب وزير الصحة والداخلية، ونائب وزير الزراعة).
(*) خيارات نتنياهو: ذكر نتنياهو في خطاب إقالة درعي خلال الجلسة الحكومية يوم الأحد، أنه سيسعى للاحتفاظ بشريكه في الائتلاف باستخدام أي مخرج قانوني يضمن الاستفادة من "خبرات ومهارات" درعي، وبالتوافق مع إرادة الناخبين. وتشير وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية (نيويورك تايمز/جيروزاليم بوست) إلى احتمالات الإبقاء على درعي كمراقب في مجلس الوزراء وعضوًا في المجلس الوزاري المصغر، بينما يذهب البعض الآخر (تايمز أوف إسرائيل) إلى احتمالية إعطاء زعيم شاس منصب رئيس الحكومة البديل، ولو بصفة شرفية لا تمنحه أي سلطة تنفيذية، بينما تعطيه السيطرة على وزراء حزبه.
(*) معركة السيطرة على القضاء: لقد كان ملف "إصلاح القضاء" بمثابة القضية البارزة التي جمعت أطراف التحالف، في ظل مواجهة بعض زعماء أحزابه اتهامات بالفساد تهدد مكتسباتهم في الانتخابات الأخيرة، وتبعد بعضهم عن المشهد السياسي برمته على غرار آرييه درعي الذي لا يزال متمسكًا بقيادة حزبه، ويطمح لاستكمال مسيرته السياسية برغم إقصاءه، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويدلل ذلك على أولوية السيطرة على السلطة القضائية لضمان الهيمنة على مؤسسات صنع القرار. تشمل الخطة المقترحة التي أعلنها وزير العدل في 4 يناير 2023، إعادة هيكلة لجنة اختيار القضاة لتكون من 11 عضوًا بدلًا من 9 في الوقت الراهن، لتضم 3 من نواب الكنيست من بينهم نائبين من الائتلاف الحاكم، و3 وزراء من بينهم وزير العدل رئيسًا للجنة، و3 من قضاة المحكمة العليا من بينهم رئيسها، بجانب اثنين من الشخصيات العامة يختارهما وزير العدل بينهما محامٍ واحد. كما تشير إلى منع استخدام معيار "المعقولية" في قرارات المحكمة العليا لإلغاء قرارات تنفيذية أو تشريعات للكنيست، حيث استخدمت المحكمة ذلك المعيار في إبطال تعيين درعي في أي مناصب وزارية، فضلًا عن تقييد سلطة المحكمة في إلغاء أو تقييد القوانين الأساسية.
لقد أثار الجدل المصاحب للإصلاحات القضائية، مخاوف المعارضة اليسارية والعربية، التي قادت احتجاجات شعبية واسعة على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، وآخرها يوم السبت 21 يناير، الذي شهد تجمهر عشرات الآلاف ضد سياسات الائتلاف اليميني تجاه القضاء، فضلًا عن مخاوف الحلفاء الأمريكيين من تقويض معايير العملية الديمقراطية.
مشهد معقد:
رفع رموز الائتلاف الحكومي اليميني رسائل متضاربة أربكت حسابات الفاعلين الإقليميين والدوليين في معرفة ديناميكيات المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث كان من اللافت مقاطعة وزراء "الصهيونية الدينية" لجلسة الحكومة يوم الأحد احتجاجًا على تفكيك بؤرة استيطانية سُميت "أور حاييم" في الضفة الغربية في 20 يناير الجاري لم توافق عليها مسبقًا، وعززت من فرضية انقسام حكومي بين معسكرين، أحدهما يمين قومي بقيادة نتنياهو وآخر يمين ديني متباين الانتماءات ويتصدر مشهده وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير.
جاء الخلاف مع الشركاء على خلفية توجه الحكومة الإسرائيلية لتقييد التحركات الاستفزازية وتحريك ملف العلاقات مع الجوار العربي، بينما بينما اعتبره وزير المالية انتهاكًا لاتفاق الائتلاف الحكومي الذي أعطى لسموتريتش سلطة الشئون المدنية في الضفة الغربية خاصة قضايا الاستيطان، ويقول إن نص الاتفاق يتضمن التعهد بضم الضفة بأكملها.
وفي ظل هذا الانقسام الذي يظهر مدى هشاشة التحالف الحكومي، يتمثل الخيار الأبرز لنتنياهو في الإبقاء على زعيم حزب شاس آرييه درعي واحتوائه، وإن كان تأثيره محدودًا على بعض وزراء ونواب حزبه، تجنبًا لتصدع مبكر للائتلاف الذي لم يكمل 30 يومًا على تشكيله. وعلى الرغم من الضغوط والرفض الواسع للإصلاحات المزمع إجرائها ستكون حكومة نتنياهو مجبرة على التمسك بالدفع للأمام في ملف إصلاح القضاء.
وإجمالًا؛ جددت إقالة آرييه درعي الجدل حول مستقبل الائتلاف الحكومي، الذي واجه صدمات متتالية قبل أقل من شهر على أداء اليمين، أظهرت هشاشة بنية الائتلاف وبروز التباينات (تباين الرؤى وليس المصالح) بين أحزابه لتضع نتنياهو أمام ضغوط خارجية وداخلية، ويدفعه نحو تقديم مزيد من التنازلات لحلفائه ولتأكيد على القواسم المشتركة بينهم، وهو خيار محفوف بالمخاطر يبدأ بالخلافات داخل حزب الليكود نفسه، ويزيد من مخاوف الانقسامات المجتمعية جراء التحول المتصاعد نحو اليمين، والذي يهدد مكتسبات الجمهور الليبرالي واليساري والعربي في النظام الحالي باتجاه دولة دينية يتمتع فيها المتدينين بالإعفاء من الخدمة العسكرية.