الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

منصور الرحباني.. شاعر وموسيقار دافع عن الإنسان ورفض المسرح البديل

  • مشاركة :
post-title
الموسيقار الراحل منصور الرحباني

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

"تشردنا في منازل البؤس كثيرًا.. سكنّا بيوتًا ليست ببيوت هكذا كانت طفولتنا".. من هنا من رحم المعاناة يُولد الأمل، وولد أمل منصور الرحباني؛ ليصنع عالمًا أفضل وتاريخًا يبقى وحياة يحكي فيها عن كل ما مرّ به من ظروف، ومن تلك اللحظات الصعبة صنعت أسطورة أُطلق عليها "الأخوان رحباني" أثرا في التاريخ وصنعا مجدًا يتوارثه الأجيال بلبنان وفي الوطن العربي، فما قدمه الثنائي كتاب لا تمحى صفحاته ومشوار، حفرا طريقه بكل ما أوتيا من قوة؛ ليكونا جزءًا من الثقافة العربية.

منصور الرحباني ابن بلدة أنطلياس بلبنان الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1925، كان حريصًا على أن يدرس الموسيقى ويتوغل في كل تفاصيلها بجانب نهمه الكبير للقراءة، إذ يقول: "أقرأ دائمًا ولا أتوقف عن القراءة وأنا خبير بكل الأديان وبالفلسفة، وتعلمت كل أصول الموسيقى الشرقية منها والغربية".

منصور الرحباني وعاصي الرحباني

هاجم النقاد الأخوين رحباني، وقالوا إنهما متأثران بالموسيقى الغربية في أعمالهما وهو الاتهام الذي لم يقبله منصور، وقال في لقاء تليفزيوني سابق: "ترجمنا قطعًا ولكن لم نأخذ الموسيقى الغربية، إنما احتفظنا بثقافتنا الموسيقية، ودرسنا علم التأليف الموسيقي 9 سنوات والتحليل، ويجب أن نتأثر ولو بشكل بسيط مثلما تأثرنا بمشاهيرنا العرب، ولكن في النهاية وضعنا روحنا في أعمالنا التي قدمناها".

صنع منصور وعاصي الرحباني تاريخ المسرح الغنائي، إذ شكلا معًا ضلعًا واحدًا وقلمًا، كتبا به التاريخ وقدما عددًا من المسرحيات الغنائية الاستعراضية التي كانت بطلتها الأولى المطربة الكبيرة فيروز، ومن بينها "المحاكمة، صيف 840، الوصية وغيرها".

منصور الرحباني وعاصي الرحباني وفيروز

كان منصور وشقيقه حريصين على أن يعبران عمّا يمر به الناس في الحياة وينقلان صورة الطبيعة في لبنان لكل العالم؛ لذلك وصف الثنائي بالمجددين، ويقول منصور: "كانت الناس تنتظر أن يولد ما يعبر عنها، واستحضرنا الطبيعة في شعرنا وأعمالنا لتكوين صورة صادقة عن الشعب، ولم يكن سهلًا تقديم هذا الأمر، ولكن الموسيقيين رأوا أن ما نقدمه غريب، ولكن أقول لهم: "الأرض تحمل كالنساء وتصرخ لولادة أبنائها وأرضنا حملت وصرخت لولادة الأخوين رحباني".

لم يكن منصور مجرد موسيقى لبناني فقط، بل كان شاعرًا مميزًا وله مجموعة من الدواوين الشعرية التي حققت صدى كبيرًا، منها "أسافر وحدي ملكا"، "أنا الغريب الآخر" و"بحار الشتي"، كما كان مهتمًا بالإنسان في أشعاره، إذ يقول: "الإنسان بطبيعته مستوحش وتحاصره أفكاره وتجلب له الحزن والقلق، وما بين إنسان وإنسان كوكب آخر من البعد".

هذا التعلق الشديد والمشوار الكبير بين الأخوين رحباني جعل منصور يعيش في صدمة كبيرة بعد رحيل توأم روحه عاصي الرحباني، إذ كانت أشد اللحظات التي مرت عليه ويقول:" عملًا بوصية أخي فأنا مضطر أن أكمل المشوار الصعب؛ لأن الإنسان يجب أن يُكمل الرسالة وأنا استمررت، ولكنه ترك فراغًا كبيرًا لذا أؤلف أقل من الماضي، والظروف التي مررنا بها كانت عائقًا لتنفيذ العديد من الأعمال، ولو كتبت مسرحًا بعد ذلك فبداخلي روح عاصي".

يرى منصور الرحباني أن العبقرية لا تورث، لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن الجيل الجديد من الرحبانية موهوبون، سواءً زياد أو مروان أو غيرهما، ويقول في لقاء تليفزيوني سابق: "درسوا الموسيقى كما يجب، وأبدعوا في المجال، ولديهم ثقافة عامة، وفكرة شمولية، ويحبون القراءة؛ لذلك هم من المميزين الذين أتوا في هذا العصر، والموهوبون قلة ولو ما كانوا قلة لم يكن لديهم قيمة".

كان الأخوان رحباني يركزان في مشوارهما على المسرح ولم يقدما أفلاما سوى أعمال قليلة جدا ويبرر منصور هذا ويقول: "اتجهنا للمسرح الغنائي؛ لأنه بالنسبة لنا أهم، لما به من لحظات هاربة وأنا أحب الشيء الذي لا يبقى، أما السينما باقية".

يرفض منصور الرحباني إطلاق كلمة المسرح البديل على مسرحياته ويقول في لقاء تليفزيوني سابق: "كل إنسان له حضوره ورسالته، وبالفن جميعنا نكمل بعض، وليس بالفن إنسان بديل عن آخر لذا لا أحب مصطلح مسرح بديل، هناك محاولة لفصل الأخوين عن بعضهما وأنا أتعجب من هذا الأمر، وأرفض أن يكتب بدأ من حيث انتهي الأخوين رحباني لأننا لم ننتهي.

منصور الذي تزوج وأنجب ثلاثة أولاد هم مروان وعدي وأسامة رحل عن عالمنا في 13 يناير عام 2009، إثر إصابته بإنفلونزا حادة في رئتيه، ولكن مازال تاريخ الرحبانية يورث إلى الآن، وما قدمه هو وشقيقه باقٍ لا يموت.