الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع زيارة ريشي سوناك إلى فرنسا

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاءت زيارة رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، فرنسا، في 10 مارس 2023، لتشكل انطلاقة جديدة في مسيرة العلاقات الفرنسية-البريطانية، التي شهدت خفوتًا لتقليص عقد القمم الثنائية على مستوى قيادات البلدين منذ عام 2018، بعد تحديات واجهت تلك العلاقات، منها ما يرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وتدشين تحالف "أوكوس" في سبتمبر 2021 بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، لتزويد الأخيرة بغواصات تعمل بالطاقة النووية، بالتوازي مع إلغاء "كانبيرا" لعقد شراء 12 غواصة فرنسية، بما أدي إلى أزمة دبلوماسية مع باريس، التي وصفت الأمر بأنه خيانة.

أهمية متزايدة

اكتسبت الزيارة أهميتها من عدة أبعاد، أولها: أنها تأتى قبل زيارة "سوناك"، الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقاً للمتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، فإن "رئيس الوزراء سيكون في الولايات المتحدة يوم 13 مارس الجاري، لإجراء مناقشات بشأن أوكوس مع الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي". وتتوقع التقارير الصحفية أن يجتمع القادة الأمريكيون والبريطانيون والأستراليون، في سان دييجو، حيث توجد إحدى أهم القواعد البحرية في الولايات المتحدة، من أجل عقد هذه القمة الثلاثية في إطار التحالف الأمني "أوكوس"، ويُتوقّع إبرام اتفاق بشأن بيع الغواصات لكانبيرا، والتي تهدف لمحاصرة النفوذ الصيني المتنامي. لذلك يهدف تحالف "أوكوس" إلى تثبيت وجود هذه الدول الثلاث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي منطقة استراتيجية تمتد من سواحل شرق إفريقيا إلى سواحل غرب أمريكا، كما يمر بها ما يقرب من 40% من التجارة العالمية.

وثانيها: أن القمة الفرنسية البريطانية، جاءت قبل أول زيارة سيقوم بها ملك المملكة المتحدة تشارلز الثالث إلى الخارج، والتي ستشمل فرنسا وألمانيا، حيث أعلن قصر بكنجهام، أن الملك تشارلز الثالث وزوجته كاميلا سيتوجهان إلى فرنسا ثم ألمانيا في الفترة من 26 إلى 31 مارس الجاري، في أول زيارة دولة إلى الخارج منذ توليه العرش، وتأتي تلك الزيارة احتفاءً بالعلاقة بين المملكة المتحدة وباريس وبرلين، وتثمينًا للتاريخ المشترك والثقافة والقيم المشتركة.

الملك تشارلز الثالث وزوجته كاميلا

وثالثها: أن قمة ماكرون وسوناك تزامنت مع بدايات العام الثاني للحرب الروسية الأوكرانية، والانقسام الأوروبي بشأن الحرب، لا سيما فيما يخص العقوبات الأوروبية على روسيا، إذ يختلف التزام كل دولة أوروبية عن الأخرى، ومن ثَمَّ فإن ثمة غياب لتنسيق أوروبي لبلورة رؤية موحدة للتعامل مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تشكل أيضًا تحديًا مشتركًا للجيشين الفرنسي والبريطاني، بما جعل من تعزيز حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الملفات المدرجة على طاولة المفاوضات بين ماكرون وسوناك، بهدف حماية الأمن الأوروبي ضد مصادر التهديدات المتنامية، وتعزيز قدرة أوكرانيا للدفاع عن نفسها على المدي الطويل.

دوافع متعددة

تنوعت دوافع زيارة ريشى سوناك رئيس وزراء بريطانيا فرنسا، والتي يمكن إبراز أهمها في:

(*) استعادة زخم العلاقات بين البلدين: وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال المؤتمر الصحفي، مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أول قمة بين فرنسا والمملكة المتحدة منذ 2018، بأنها "لحظة لقاء جديد وتواصل جديد وانطلاقة جديدة... إنها قمة طموح جديد"، كما شدد رئيس الوزراء البريطاني على ضرورة وجود شراكة وثيقة بين بلاده وفرنسا، وفي بيان له في التاسع من مارس 2023 عشية الزيارة، عبر عن محورية العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن التاريخ المتجذر والتقارب والرؤية المشتركة بين البلدين للتحديات العالمية، تعني أن الشراكة الوثيقة بين لندن وباريس ليست مهمة فحسب بل ضرورية، مضيفًا أنه "في الوقت الذي نواجه فيه تهديدات جديدة وغير مسبوقة، من الضروري تعزيز أسس التحالف بين بريطانيا وفرنسا لمواجهة تحديات المستقبل".

(*) مساعدة أوكرانيا: تشكل الحرب الروسية الأوكرانية أحد أهم القضايا التي تحظى بنصيب وافر من المناقشة على أجندة قمم الزعماء الأوروبيين، لا سيما وأن تلك الحرب تمثل في إدراكهم أحد مصادر تهديد الأمن الأوروبي، في ظل اعتماد أوروبا على 40% من استهلاك الغاز على روسيا. لذلك أكد البلدان عزمهما على الاستمرار في مساعدة أوكرانيا عسكريًا، وتمنيا انتصار أوكرانيا على روسيا، وأعلنا كذلك عن أن تدريب عسكريين أوكرانيين سيكون موضع تنسيق فرنسي بريطاني. وهو ما أشار إليه "ماكرون" بالقول: "نحن مصممون على مساعدة أوكرانيا على المقاومة والقيام بالهجمات المضادة التي تريد شنها، نريد أن تنتصر أوكرانيا في هذه الحرب، ونحن متحدون تمامًا" مضيفاً أن بلاده وبريطانيا لن تسمحا بتحول الصراع في أوكرانيا إلى حرب عالمية.

(*) مواجهة الهجرة غير النظامية: تشكل الهجرة غير النظامية أحد التحديات التي تواجه الأمن الأوروبي، لذلك شدد ماكرون على أن لندن وباريس تريدان التحرك بشكل مشترك لمواجهة الهجرة غير النظامية، مع إدراك للقضايا الإنسانية، والحساسية البالغة لهذه المسائل، وذكر أنه في عام 2022 تم منع أكثر من 1300 عملية عبور في قوارب متداعية، وتفكيك 55 شبكة للجريمة المنظمة بفضل التنسيق المشترك بين فرنسا وبريطانيا، في المقابل تمكن نحو 46 ألف شخص من عبور المانش عام 2022. ونظرًا لمحورية الهجرة غير النظامية في العلاقات الفرنسية البريطانية وقع البلدان في 14 نوفمبر 2022 اتفاقًا للعمل من أجل وقف عبور المهاجرين بحر المانش إلى إنجلترا على متن قوارب صغيرة، وهو أمر أحدث توترًا بين البلدين، وبموجب الاتفاق الموقع من وزيرا داخلية البلدين، ستدفع بريطانيا لفرنسا 72.2 مليون يورو في عامي 2022-2023، لتزيد السلطات الفرنسية من عناصر قوتها الأمنية التي تقوم بتسيير الدوريات لمراقبة شواطئ فرنسا الشمالية. كما أعلنت لندن زيادة التمويل البريطاني لدعم الجهود الفرنسية لمواجهة الهجرة غير النظامية في السنوات الثلاث المقبلة، ستبلغ مساهمة المملكة المتحدة 141 مليون يورو في 2023-2024، 191 مليون يورو في 2024-2025، و209 ملايين يورو في 2025 -2026.

مهاجرون يحاولون عبور المانش نحو بريطانيا في سبتمبر 2020

(*) تعزيز التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: تبنت القمة مفردات مثل "بداية جديدة" و"طموح جديد"، بما في ذلك تعزيز تعاونهما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تعد أحد مناطق اختبار التوازنات الدولية الجديدة، والتي يأتي في مقدمتها سعى القوى الغربية، لمحاصرة النفوذ الصيني في تلك المنطقة، التي عبر سوناك عن أهميتها للصحفيين بأنها تضم نصف سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستظل تنمو بشكل كبير.

مجمل القول: إن مقولة هنري كيسنجر، ذات يوم، وهو وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق مفادها "بمن أتصل إذا كنت أريد التحدث إلى أوروبا؟"، وسؤاله يلخص فشل أوروبا في توحيد نشاطها على المسرح العالمي. ويبدو أن ذلك الفشل لا يزال مستمرًا، فرغم ما تعكسه القمة الفرنسية الأوروبية من محاولات للتنسيق بين الجانبين، إلا إن الإخفاق الأوروبي في التعامل مع جائحة كورونا والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والانقسام بشأن تحالف "أوكوس"، والإخفاق في توحيد رؤية أوروبية فى كيفية التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، والتأرجح ما بين دعوات الحوار لتسوية الصراع، ودعم أوكرانيا عسكريًا. كلها شواهد تؤكد مقولة هنري كيسنجر، التي لا تزال صالحة لتفسير المواقف الأوروبية إلى حد كبير.