الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تأثيرات محتملة: قراءة في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران

  • مشاركة :
post-title
الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

ردود فعل متنوعة سادت الأجواء العالمية، بعد اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، في العاشر من مارس 2023، خاصة وأنها جاءت برعاية صينية، وبعد قطيعة دامت سبع سنوات بين البلدين (منذ يناير 2016)، حينما هاجم إيرانيون السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية طهران، والقنصلية السعودية بمدينة مشهد الإيرانية؛ احتجاجًا على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي "نمر النمر"، ومن وقتها والعلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، بل تفاقمت لتزيد من حدة الصراعات والأزمات بدول المنطقة العربية، جراء استمرار الدعم الإيراني للميليشيات الموالية لها بدول منطقة الشرق الأوسط.

وعليه، كانت دول المنطقة العربية من أبرز المرحبين بهذا الاتفاق أملًا في المساهمة بحلحلة هذه الأزمات، وعلى النقيض فقد جاء هذا الاتفاق بمثابة الصدمة على إسرائيل، التي كانت تتوق لإبرام اتفاقية تطبيع مع السعودية بوساطة أمريكية، ومن ناحية أخرى فقد جاء الرد الأمريكي "مهزوزًا ومضطربًا"، فرغم الترحيب الحذر بالاتفاق، إلا أنه لم يُخفْ غضب أمريكا منه، وخاصة أنه أُبرم برعاية صينية.

وقد نص الاتفاق السعودي الإيراني، الذي تم توقيعه في العاصمة الصينية بكين، وفقًا لما هو معلن؛ على عدة بنود، شملت الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتيهما في غضون شهرين، وعقد اجتماع مشترك لترتيب عملية تبادل السفراء، والتأكيد على احترام أمن وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتعزيز الأمن والسلم الإقليمي، إضافة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بينهما عام 1998.

وفي هذا الإطار، يضع هذا التحليل قراءة شاملة لهذه الاتفاق، من خلال إلقاء الضوء على المسار الزمني لعودة العلاقات السعودية الإيرانية، والجهود المبذولة من قبل دول إقليمية، وصولًا إلى الوساطة الصينية، ثم توضيح أبرز ردود الفعل المتفاعلة معه على مختلف الصعد، العربية والأمريكية والإسرائيلية، ثم التأثيرات المحتملة لهذا الاتفاق على المستويين الإقليمي والدولي.

جهود إقليمية ودولية سابقة:

عقب تولي جو بايدن حكم الولايات المتحدة في يناير 2021، خلفًا لـ"دونالد ترامب"، بدأت مساعي الوساطة بين طهران والرياض على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) مساعٍ روسية: جاءت البداية من خلال روسيا التي تجمعها علاقات جيدة بكلا الطرفين السعودي والإيراني، إذ أعلن وزیرالخارجية الروسي سیرجي لافروف في يناير 2021، استعداد حكومة بلاده للوساطة بين إيران ودول المنطقة العربية، وأعادت مجددًا الدعوة في فبراير 2022، ووجهتها بشكل خاص إلى السعودية، وذلك بإعلان نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، تقديم موسكو "طرحًا" للوساطة بين طهران والرياض، قائلًا خلال كلمة له في مؤتمر الشرق الأوسط للمناقشة الدولية: "روسيا مستعدة لأن تكون وسيطًا بين إيران والسعودية"، وفي نوفمبر الماضي، جددت موسكو الدعوة للوساطة بين أبرز قوتين إقليميتين في الخليج العربي، ولكن هذه المساعي لم تُكلل بالنجاح.

(*) جهود عراقية وعُمانية: دخلت بلاد الرافدين التي تجمعها علاقات جيدة أيضًا بطهران والرياض على خط الوساطة بين البلدين في أبريل 2021، برعاية رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفي الكاظمي، وفي خلال عام عقد نحو خمس جولات بين الطرفين في العاصمة العراقية بغداد، أبدى خلالها الطرفان رغبتهما في نقل المحادثات إلى مستوى أعلى وإنجاح الجهود العراقية لعودة العلاقات، وكان المميز في الجولة الخامسة التي عقدت بالعاصمة بغداد في أبريل 2022، أنها كانت بوساطة عُمانية إذ حضرها وسطاء من سلطنة عُمان، وتم الاتفاق على عقد جولة سادسة في يوليو 2022، على مستوي وزيري خارجية البلدين، إلا إنها تأجلت بطلب إيراني. كما أجرى "الكاظمي" في يونيو الماضي، زيارة إلى كل من السعودية وإيران، وعقد خلالها مباحثات مع مسؤولي البلدين، في إطار الوساطة العراقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي ديسمبر الماضي، عاد رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شياع السوداني، وأعلن عن مساعيه لإحياء الوساطة بين إيران والسعودية، ونظرًا للجهود العراقية والعُمانية، فقد وجهت القوتين الإقليميتين في البيان المشترك الصادر عن مؤتمر بكين، شكرًا للعراق وسلطنة عُمان، لاستضافتهما جولات الحوار بين الجانبين خلال عامي 2021- 2022.

(*) نجاحات صينية: دخلت الدولة الآسيوية على خط الوساطة بين الطرفين السعودي والإيراني، إذ يجمعها بهما علاقات جيدة، وخلال الفترة من 6 إلى 10 مارس 2023، عُقدت مباحثات في العاصمة الصينية بكين بحضور وفدي البلدين، برئاسة مساعد بن محمد العيبان،وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في السعودية، والأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، استجابةً لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينج، وتكللت الجهود الصينية بالنجاح بإبرام "الاتفاق السعودي الإيراني"، وعلق كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي، على هذا الاتفاق، قائلًا: "المحادثات الناجحة بين إيران والسعودية في بكين نصر للحوار والسلام، وتحول دبلوماسي كبير في منطقة الشرق الأوسط، في وقت يشهد فيه العالم كثيرًا من الاضطرابات".

ردود متنوعة:

في ظل الجهود السابقة، تنوعت ردود الفعل على عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وعلى كونها وقعت برعاية صينية، وهو ما اُعتبر "أمرًا مفاجئًا" لبعض الدول، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

(*) ترحيب عربي بإنهاء الأزمة الدبلوماسية بين طهران والرياض: فور الإعلان عن اتفاق عودة العلاقات، خرجت دول عربية عدة للترحيب بهذا الاتفاق، وبإلقاء النظر على البيانات الرسمية الصادرة عن دول مصر، والإمارات، والبحرين، والكويت، والعراق، وسلطنة عمان، والجزائر، والأردن، ولبنان، والسودان، وفلسطين، وأيضًا بعض الجماعات المدعومة من إيران، مثل "الحوثيين" في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، نلحظ ترحيبًا كبيرًا بالاتفاق، ورؤية عربية في أن تسهم هذه الخطوة الدبلوماسية في تخفيف حدة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار بدول المنطقة العربية، وحلحلة الصراعات التي تشهدها البلدان العربية المأزومة خاصة اليمن ولبنان، وتعزيز التعاون المشترك بين دول المنطقة وإيران في مختلف المجالات من جهة، والتعاون العربي الصيني من جهة أخرى.

(*) رؤية أمريكية مزدوجة للاتفاق السعودي الإيراني: رغم أن واشنطن أعلنت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، عن الترحيب بالاتفاق الدبلوماسي بين القوتين الإقليميتين، إلا إنه في الوقت ذاته قلل من التزام واحترام طهران للبنود المنصوص عليها في الاتفاق، قائلًا: "ينبغي رؤية ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها"، ولكن على الجانب الآخر، جاء رد الرئيس الأمريكي جو بايدن مختلفًا، إذ علق على الاتفاق قائلًا: "كلما كانت العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب أفضل، كان ذلك أفضل للجميع"، وهذا الرد يعكس أمرين، أولهما قلق أمريكي من تغلغل الصين بشكل أكبر في دول المنطقة، خاصة في ظل انشغال واشنطن بدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وهو ما أثر على وجودها إلى حد ما بالمنطقة، أما الأمر الثاني، هو أن يسهم الاتفاق في الحد من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في السابق ليس فقط راعي السلام بالمنطقة بل الداعم الأكبر لها، وعليه فإن ما يقلق واشنطن من هذا الاتفاق هو أن "يضعف نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط".

(*) قلق إسرائيل من عودة العلاقات السعودية الإيرانية: عقب الإعلان عن هذا الاتفاق الدبلوماسي، لم تُخفْ حكومة إسرائيل قلقها من أن يعرقل اتفاق كهذا الأهداف التي تطمح إليها، خاصة فيما يتعلق بتدشين "تحالف إقليمي ضد إيران"، يسهم في منع الجمهورية الإيرانية من التوسع والانتشار وتهديد المصالح الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن مصادر مطلعة، قولها إن هذا الاتفاق الذي جاء بمثابة "الصدمة الضربة القاتلة" أثار غضبًا وسخطًا واسعًا داخل الأوساط الإسرائيلية، التي حملت حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن هذا، واتهمته بالفشل في مواجهة التمدد الإيراني بالمنطقة، وهو ما أشار إليه رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينيت، قائلًا إن "استئناف العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير على إسرائيل، ويشكّل انتصارًا سياسيًا لإيران وضربةً قاضيةً لمساعي بناء ائتلاف إقليمي مقابل إيران"، وشدد على أن هذا الاتفاق ناجم عن فشل ذريع لحكومة "نتنياهو" في مواجهة ألد أعداء الاحتلال، وهو ما أكده أيضًا وزير المالية الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان، الذي شدد على أن "هذا الاتفاق سيكون له عواقب وخيمة على ساحة الشرق الأوسط بأكملها وعلى أمن إسرائيل، وعلى نتنياهو تحمل المسؤولية والاستقالة"، ولكن الغريب في الأمر أن "نتنياهو" خرج ليعلق على الاتفاق قائلًا، إن "هدفي تحقيق التطبيع والسلام مع السعودية".

تأثيرات محتملة
مما تقدم، يمكن القول إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، سيكون له تأثيرات جمة على مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، يمكن توضيحها على النحو التالي:

(1) التأثير على ملفات إيران الداخلية والخارجية: من مصلحة طهران إعادة علاقاتها مع السعودية، للحصول على دعم شعبي مجددًا للنظام الذي يواجه منذ فترة حالة من "السخط الشعبي" جراء الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد، الناجمة عن العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ مايو 2018، وعليه فإن اتفاق الأخيرة على إعادة تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني والتعاون الاقتصادي والتجاري مع المملكة، يعد ضرورة لإصلاح العلاقات الخارجية بما يسهم في إنقاذ الاقتصاد الإيراني، ومن أبرز الملفات الخارجية التي قد تتأثر بهذا الاتفاق، الملف الخاص بإحياء مفاوضات الاتفاق النووي، التي وصلت إلى طريق مسدود بعد سلسلة من الجولات، وفشل جميع أطراف الاتفاق في التوصل لحل، سواء باستئناف المفاوضات أو عودة واشنطن إلى الاتفاق الذي انسحبت منه في مايو 2018، ولذلك فإن عودة العلاقات الإيرانية السعودية قد تدفع أمريكا لمزيد من التعنت بشأن إحياء مفاوضات النووي.

الرئيس الأمريكي-أرشيفية

(2) التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024: إن إبرام اتفاق بين السعودية وإيران، قد يؤثر على فرص الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما قد يعزز فرص الجمهوريين في الفوز بانتخابات 2024، وذلك بعد أن شهدت العلاقات بين السعودية وأمريكا في عهد "بايدن" تراجعًا ملحوظًا، وصل إلى حد توتر العلاقات، خاصة بعد إعلان المملكة في أكتوبر الماضي عن قرار مجموعة "أوبك بلس" بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهو القرار الذي شكل صفعة لإدارة "بايدن" التي حذرت المملكة من خفض إنتاج النفط، لأن هذا يقوض الجهود الدولية لعزل روسيا المنتجة للنفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن "بايدن" لم ينجح قط في إحياء مفاوضات الاتفاق النووي ووقف إيران عن تطوير برنامجها النووي، بل في عهده عادت العلاقات بين الرياض وطهران وبوساطة صينية، ولذلك فإن هذا سيعزز فرص فوز الجمهوريين في انتخابات العام المقبل، ووقتها أول ما سيركز عليه أعضاء الحزب الجمهوري هو اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران.

(3) تغير خريطة التحالف الإقليمية بتعزيز التعاون مع الصين: إن نجاح الدور الصيني في عودة العلاقات الإيرانية السعودية سيسهم في دخول الدبلوماسية الصينية في "حقبة جديدة" في عهد الرئيس شي جين بينج، بتعزيز تعاونها مع مختلف دول المنطقة، بعد أن كانت مقتصرة على التعاون الاقتصادي، فمن المتوقع أن يتسع النفوذ الصيني بالمنطقة ليصبح هناك تعاون سياسي واستراتيجي بجانب التعاون الاستخباراتي والأمني أيضًا، وستعمل بكين على توفير الحماية اللازمة لمصالح حلفائها بدول الإقليم، خاصة من أية تهديدات أمريكية قد تعرقل التحالف الصيني العربي واسع المجال، الذي برزت ملامحه إبان زيارة الرئيس الصيني العاصمة السعودية الرياض في ديسمبر الماضي، وعليه، فإن دول المنطقة بحاجة إلى تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية مع بكين، كما أن الأخيرة بحاجة إلى نفط دول الخليج.

(4) إبرام وساطة إيرانية سعودية لحل الأزمة الأوكرانية: قد تنعكس عودة العلاقات السعودية الإيرانية بشكل إيجابي على حلحلة الأزمة الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، خاصة أن الدولتين سبق وعرضتا الوساطة على أطراف النزاع الروسي الأوكراني، وكان آخرها في 9 مارس الجاري، إذ أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال زيارته العاصمة الروسية موسكو عن استمرار مساعي بلاده لإيجاد حل سلمي للحرب الروسية الأوكرانية، وتعزيز آليات التنسيق والحوار مع الأطراف المختلفة، كما توجه أيضًا إلى أوكرانيا لبحث سبل حل الأزمة مع الجانب الأوكراني، وعلق نظيره الروسي سيرجي لافروف على الوساطة السعودية، قائلًا: "ترحب روسيا بدور الرياض لحل الصراع في أوكرانيا"، وفي مايو الماضي عرضت إيران بشكل رسمي الوساطة خلال مباحثات بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره الروسي، من أجل وقف الأعمال القتالية في أوكرانيا، وعليه، قد تشهد الأيام المقبلة تطورًا في الأزمة الأوكرانية، إذ اتفقت طهران والرياض على إبرام وساطة مشتركة لحل تلك الأزمة.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، تعد خطوة في الاتجاه الصحيح إذ التزام جميع الأطراف بها، ولها تداعيات جمّة، فبجانب تأثيرها الإيجابي على الأزمات العالقة في المنطقة، وعلى كل من الصين وإيران والسعودية، التي تتبع منذ فترة "سياسة هادئة" تهدف إلى خفض التوترات مع دول منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على تنويع اقتصاد المملكة، فإنها ستترك تأثيرًا سلبيًا على كل من أمريكا بتقليل حضورها في المنطقة، وعلى إسرائيل، حيث قد تدفع قوى المعارضة الإسرائيلية للضغط على رئيس حكومة الاحتلال "نتنياهو" لتقديم استقالته، بعدما فشل تشكيل ائتلاف إقليمي ضد إيران.

وسوم :