الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مقاربات السلام لتسوية الصراع الروسي الأوكراني

  • مشاركة :
post-title
مبادرات متعددة لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تنوعت مقاربات السلام لتسوية الصراع الروسي الأوكراني، فى ظل تنوع تداعياته على أقاليم العالم المختلفة، والتى ارتبطت اقتصاديًا بالمشكلات التي عانت منها معظم الاقتصادات من تضخم وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتباطؤ سلاسل التوريد، وهو ما جعل العديد من التقديرات تتوقع تباطؤ النمو الاقتصادى العالمي ليصل 1.7% خلال عام 2023، كما كان للصراع تداعياته على مستوى التهديدات الأمنية للدول الأوربية، بما دفع العديد منها للإعلان عن زيادة مخصصات إنفاقها العسكري، لمواجهة التحديات مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، كما أعلنت اليابان عن عقيدتها العسكرية الجديدة، بما سيؤدى إلى سباق تسلح عالمي سيكون خصمًا من رصيد التنمية الدولية، ولمواجهة تلك التداعيات طرحت العديد من القوى الإقليمية والدولية مقاربات للسلام، بهدف تسوية الصراع الروسي الأوكراني، الذى تفجر فى 24 فبراير 2022.

مقاربات متنوعة:

تنوعت مبادرات تسوية الصراع الروسي الأوكراني، والتي يمكن إبراز أهمها في العناصر التالية:

كبير الدبلوماسيين الصينيين في مؤتمر ميونخ للأمن 2023

(*) مبادرة الصين: قدمت الصين في فبراير 2023، مبادرة لتسوية الصراع الروسي الأوكراني، جاءت تحت عنوان "موقف الصين تجاه الحل السياسي للأزمة"، تضمنت 12 بندًا تمثل القضايا التالية: احترام سيادة الدول، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، وقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، وإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وحماية المدنيين وتبادل الأسرى، والحفاظ على سلامة المنشآت النووية، وتقليص الأخطار الاستراتيجية، وتسهيل تصدير الحبوب، ووقف العقوبات أحادية الجانب، والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد، ودعم مرحلة إعادة الإعمار.

(*) خطة زيلينسكي: جاءت مبادرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للسلام، في ديسمبر 2022، فى 10 نقاط أساسية، ثلاث منها مرتبط بتحقيق الأمن، هي: الأمن النووي، وما يتعلق بالسلامة الإشعاعية والنووية، بالتركيز على استعادة الأمن حول أكبر محطة نووية في أوروبا، هي محطة زابوريجيا الأوكرانية، التي تخضع للسيطرة الروسية. والأمن الغذائي بما يشمل حماية وضمان صادرات الحبوب الأوكرانية لأفقر الدول في العالم. وأمن الطاقة بالتركيز على قيود الأسعار على موارد الطاقة الروسية، إضافة إلى مساعدة أوكرانيا في إصلاح وتأهيل البنية التحتية للكهرباء، التي تضرر نحو نصفها من الهجمات الهجمات الروسية. فيما جاءت الأربع نقاط التالية لتحدد المطلوب من روسيا، وفقًا لمبادرة السلام المطروحة، وهي: الإفراج عن كل السجناء والمُبعدين بما يشمل أسرى الحرب والأطفال الذين تم ترحيلهم لروسيا، وإعادة وحدة الأراضي الأوكرانية وتأكيد روسيا عليها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وسحب القوات الروسية ووقف العمليات القتالية، وإعادة الحدود بين أوكرانيا وروسيا لسابق عهدها، وتحقيق العدالة بما يشمل تأسيس محكمة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب من روسيا. وجاءت النقطتان التاليتان في المبادرة لتركزا على المنع، وهما: منع إبادة البيئة والطبيعة والحاجة لحماية البيئة بالتركيز على إزالة الألغام، وإصلاح منشآت معالجة المياه، ومنع تصعيد الصراع وبناء هيكل أمني في الفضاء اليورو- أطلسي، بما يتضمن ضمانات لأوكرانيا. فيما جاءت النقطة العاشرة والأخيرة، لتؤكد انتهاء الحرب من خلال توقيع وثيقة من كل الأطراف المعنية.

(*) رؤية بوتين: أفاد بيان أصدره الكرملين فى 1 مارس 2022، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مكالمة هاتفية، استعداده لمواصلة الحوار، لكنه شدد على أن تسوية الوضع حول أوكرانيا ممكن فقط إذا تم أخذ المصالح المشروعة لروسيا في مجال الأمن في الاعتبار، دون قيد أو شرط. ووفقًا للبيان، شدد بوتين على ضرورة التزام كييف بثلاثة شروط من أجل تهدئة الوضع ووقف العملية العسكرية، وهى الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم، ونزع السلاح وإنهاء هيمنة القوميين المتشددين على الدولة الأوكرانية، فضلاً عن ضمان الوضع المحايد لأوكرانيا.

(*) البرازيل ومجموعة السلام: أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في 25 فبراير 2023، عزمه جمع مجموعة من الدول؛ للعمل من أجل إطلاق مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا، مشيرًا إلى أنه من المُلِح أن تتحمل مجموعة من الدول غير الضالعة في النزاع، مسؤولية إعادة السلام. كان "لولا" أيضًا طرح فكرة مجموعة السلام بعد اجتماع مع المستشار الألماني أولاف شولتس، في 30 يناير 2023، بالعاصمة برازيليا.

الجهود العربية في الأزمة الروسية الأوكرانية

(*) مجموعة الاتصال العربية: جاء إنشاء مجموعة الاتصال العربية، بقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، في 28 فبراير 2022، للانخراط في الجهود الدولية الرامية لبلورة حل سياسي للأزمة الروسية الأوكرانية، يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويراعي الشواغل الأمنية للأطراف المعنية، فضلاً عن إجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع تلك الأطراف، بهدف الإسهام في إيجاد حل دبلوماسي لها. وأكد المجلس أهمية احترام مبادىء القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة ودعم المساعي الهادفة إلى تخفيف حدة التوتر، والدعوة إلى الشروع في إجراءات التهدئة وضبط النفس، بما يكفل عودة الاستقرار والسماح بعودة الحياة إلى مجراها الطبيعى. فى نفس السياق، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني، في فبراير 2023، على دعم مصر جميع المساعي الهادفة إلى تهدئة الأوضاع، ودفع جهود التوصل إلى حل سلمي للنزاع، على نحو يحقن الدماء ويمهد الطريق نحو السلام، منوهًا باستعداد مصر لمواصلة بذل الجهود اللازمة في هذا الصدد، وهو ما ثمنه الرئيس الأوكراني مشيرًا إلى دور مصر المؤثر على الصعيدين الإقليمي والدولي.

(*) مبادرة تصدير الحبوب: في 22 يوليو 2022، وقعت كل من روسيا وأوكرانيا اتفاقًا برعاية تركيا والأمم المتحدة بشأن تصدير الحبوب والأسمدة لمدة 120 يومًا حتى 19 نوفمبر 2022، قبل أن يتم تمديد الاتفاق في 17 نوفمبر 4 أشهر أخرى تنتهى في 18 مارس 2023، وبموجب الاتفاق يجرى تفتيش السفن المتجهة إلى أوكرانيا والقادمة منها في المياه التركية، وتعمل الأطراف الأربعة (روسيا، وأوكرانيا، والأمم المتحدة، وتركيا) معًا للموافقة على السفن التى تبحر بموجب الاتفاقية وتفتيشها، وقد سمحت المبادرة بمرور الصادرات من ثلاثة موانىء أوكرانية. ووفقًا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، فإن المبادرة سمحت بتصدير 23 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وساهمت فى خفض التكلفة العالمية للغذاء.

حدود التأثير

برغم تنوع المبادرات الرامية لإحلال السلام وتسوية الصراع الروسي الأوكراني، إلا إن ثمة تحديات تواجه تلك المبادرات وحدود تأثيرها على أرض الواقع، أولها: أنه لا يوجد مبادرة متكاملة من أي من القوى الدولية المؤثرة، أو حتى من الأمم المتحدة، للتوسط لإنهاء الصراع المعقد، باستثناء المبادرة الصينية التي رفضها الاتحاد الأوروبي، وتعتبرها بعض التحليلات ما هى إلا مبادىء عامة للقانون الدولي، كما أنها ترتبط بالدبلوماسية الصينية العالمية، التي تسعى من خلالها للعب دور عالمي على مسرح السياسة الدولية.

وثانيها: المواقف الحدية الروسية والأوكرانية، وذلك من خلال إصرار الجانبين الروسي والأوكراني على قبول شروطهما لتسوية الصراع. وهو الأمر الذى يحول دون التوصل لحلول وسط بين الجانبين. فروسيا ترى أن ثمة حقائق فرضت على الأرض يجب أن تؤخذ في الحسبان، ومنها ضمها لأربعة مناطق أوكرانية هى: دونيتسك، لوجانسك، وزابوريجيا وخيرسون، والتي تشكل ما يقرب من 20% من مساحة أوكرانيا، وقد اضطرت روسيا للانسحاب من أجزاء من خيرسون. فيما تتمسك أوكرانيا وحلفاؤها من الدول الغربية بانسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها، وأن التحالف الغربي لن يسمح بهزيمة أوكرانيا في تلك الحرب، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته بولندا في فبراير 2023، أن روسيا لن تنتصر أبدًا في حربها ضد أوكرانيا، وأن دعم واشنطن لأوكرانيا لن يضعُف. مضيفًا أن بوتين عندما أمر قواته باجتياح كييف قبل عام، كان يظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي، لكنه أساء التقدير.

وثالثها: أن الصراع يُدار على أراضٍ أوروبية، وأن كل الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي ومؤسساته عجزت عن بلورة مبادرة لتسوية الصراع. وربما يعود ذلك إلى دور الولايات المتحدة في الصراع وإدارته بشكل غير مباشر بالوكالة من خلال أوكرانيا، بهدف استنزاف روسيا عسكريًا واقتصاديًا وبشريًا، إلى دعم أوكرانيا من الناحية العسكرية باعتبار أنها تدافع عن الأمن الأوروبي والعالم الغربي بقيمه ورمزيته.

مجمل القول: إن تنوع مقاربات السلام لتسوية الصراع الروسي الأوكراني تعكس تعدد وتنوع المصالح، لاسيما وأن الصراع كان له تداعياته الممتدة على الاستقرار الدولي، وهو ما يتطلب تقديم مبادرة من قوى غير منخرطة في الصراع بأي نوع من أشكال الانخراط المباشر وغير المباشر ، وربما يمكن لحركة عدم الانحياز أن تقوم بهذا الدور، حتى يتجنب العالم بأسره تداعيات تلك الحرب، التى تفجرت ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها على مستقبل الصراع الدولي وحدود تعقيده ومدى انتشاره.