الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما احتمالات تأثير الزلزال على خريطة المشهد السياسي التركي؟

  • مشاركة :
post-title
الآثار المدمرة لزلزال سوريا وتركيا في 6 فبراير 2023

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

يعيش الأتراك حالة من غياب اليقين بشأن موعد انعقاد الانتخابات التركية العامة، المقرر لها 14 مايو 2023 وفق ما أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء لقاء جمعه بمجموعة من الشباب في مدينة بورصة شمال غربي البلاد، وأفاد أردوغان، بأن الانتخابات العامة ستنعقد بموعدها في 14 مايو 2023، وهو الموعد الذي حدده قبل كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد في 6 فبراير 2023، وأسفر عن مقتل 44374، و115 ألف مصاب وفق ما أفادت به إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد". وعاد أردوغان بعد اجتماع الحكومة الذي انعقد في 6 مارس من العام الجاري ليعلن أن القرار النهائي بشأن الانتخابات ومراحلها المختلفة سيُتخذ بشكلٍ نهائي في 10 مارس المقبل وذلك وفق نبأ عاجل أوردته قناة "القاهرة الإخبارية". وتزامن مع هذا الإعلان بيان المعارضة التركية بتوافقها حول ترشيح عضو تحالف الأمة المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة على تساؤل مُرتبط بمدى تأثير زلزال كهرمان مرعش على المشهد السياسي التركي.

ارتدادات عكسية:

في الوقت الذي يعتبر البعض أن حزب العدالة والتنمية يُمكنه تحويل آثار الكارثة لصالحه عبر صناديق الاقتراع استنادًا على استجابته وأدائه في مأساة الزلزال، يرى آخرون أن المشهد السياسي قد يتأثر بآثار الزلزال لا سيَّما بعد الانتقادات التي تواجهها الحكومة التركية من قِبل تحالف الأمة المعارض الذي أعلن أخيرًا اتفاقه على الاصطفاف خلف مرشحه للانتخابات الرئاسية كمال كيليتشدار.

تراجع قيمة الليرة التركية- أرشيفية

(*) كُلفة اقتصادية باهظة: قدَّر البنك الدولي الأضرار الناجمة عن الزلزال في تركيا بما قيمته 34 مليار دولار، فيما قد تتكبد الدولة أكثر من 68 مليار دولار كتكلفة أوليَّة لدعم جهود إعادة الإعمار، وذلك وفق تقرير تقييم الأضرار الذي نشره البنك على موقعه الإلكتروني في 27 فبراير الماضي. ويعاني الشعب التركي في السنوات الأخيرة من أزمة اقتصادية طاحنة بسبب التدهور المتسارع في أسعار صرف العملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، وارتفاع نسب التضخم إلى أرقام قياسية، لذا من المُتوقع أن يُلقي ذلك بظلاله على نتائج حزب العدالة والتنمية الذي يُدافع بدوره عن السياسات التي اتبعها لا سيَّما في استجابته لكارثة الزلزال مثل وعد الرئيس التركي بالانتهاء خلال عام من إعادة بناء كل ما دمره الزلزال، وكذلك نجاح حكومة الحزب في خفض معدلات التضخم بمعدل 1.5 نقطة ليصل إلى 55.18% وفق بيانات معهد الإحصاءات التركية في 3 مارس عام 2023خلال شهر فبراير رغم الظروف الصعبة التي تعمل فيها الحكومة.

(*) تقديم موعد انعقاد الانتخابات العامة: شهد تقديم أردوغان لموعد انعقاد الانتخابات العامة إلى 14 مايو 2023 بدلًا من موعدها في منتصف يونيو 2023 حالة كبيرة من الجدل واللغط داخل الأوساط السياسية التركية المعارضة، وبعد كارثة الزلزال ترفض المعارضة أي محاولة للتلاعب مرة أخرى بموعد انعقاد الانتخابات؛ إذ يرى البعض أن تقديم انعقاد الانتخابات عن موعدها، يعد فرصة سياسية لاستغلال أردوغان للحالة العامة التي سببها الزلزال وأدت إلى التكاتف بين أطياف الشعب التركي المختلفة، وكذلك عدم بروز آثار الزلزال الاقتصادية لا سيَّما مع استمرار تدفق المساعدات الدولية لأنقرة واستخدام الحكومة لاحتياطياتها من النقد الأجنبي لتجاوز آثار الأزمة، ووعد أردوغان بإعادة بناء المناطق المتضررة خلال عام فقط وفق لوائح البناء التي تراعي السلامة الإنشائية.

التحالف السداسي لزعماء أحزاب تحالف الأمة المعارض- أرشيفية

(*) توافق في صفوف تحالف الأمة المعارض: رغم محاولات انسحاب رئيسة حزب الجيد التركي ميرال أكشينار من تحالف الأمة التركي المعارض، إلا أنه تم التوافق أخيرًا حول ترشيح كمال كيليتشدار للانتخابات الرئاسية المُقبلة كمرشح التحالف لخوض الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي "أردوغان"، وهو الأمر الذي أكد وحدة قوى المعارضة، وأربك حسابات حزب العدالة والتنمية الذي كان يُعول على انقسام المعارضة لتحقيق مكاسب إيجابية في الانتخابات. وتعتبر التحليلات أن المعارضة التركية بهذا التوافق قد أحسنت استغلال الظرف السياسي الذي خلفه زلزال كهرمان مرعش، وقطعت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية لحسم الانتخابات المُقبلة كما كان يحدث في السابق.

تحديات قائمة:

يًواجه انعقاد الانتخابات في تركيا في موعدها مجموعة من التحديات. وجاء إعلان أردوغان بإجراء الانتخابات ليفرض تحديَّات إضافية. نحاول فيما يلي إبراز بعضٍ منها:

(*) تحديَّات لوجيستية: تواجه الحكومة التركية تحديَّات لوجيستية كبيرة في إجراء الانتخابات بالمناطق العشر المنكوبة جراء الزلزال؛ حيث يعيش بها أكثر من 15% من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة. ويعيش المتضررون من الزلازل في ظروف قاسية في الخيام والملاجئ المؤقتة فيما سيغادر بعضهم هذه المناطق، كل ذلك سيفرض مجموعة من التعقيدات أمام المجالس الانتخابية التي تُعد بطاقات الاقتراع. لذلك سيكون تحديًا كبيرًا أمام الحكومة التركية لتنفيذ اقتراع وطني في مدة أقل من 90 يومًا.

(*) فرض القيود في خضم الكارثة: رغم انشغال الحكومة التركية بمعالجة آثار الزلزال ودعم جهود الإنقاذ في المناطق المتضررة، إلا أنها أعلنت تعطيل الوصول إلى تطبيق التغريدات القصيرة "تويتر" لفترة قبل أن تعيده مرة أخرى تجنبًا لنشر الشائعات والأخبار المزيفة وفق ما أعلنت عنه المصادر الرسمية، وهو ما أدى بالبعض لانتقاد هذه الخطوة مثل رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، والذي قال: "في مثل هذا اليوم المأساوي ، يجب على الرئيس ألا يفرض حظرًا لمجرد انتقاده له. تركيا بحاجة إلى قادة يثقون في أنفسهم ". وانتقدت أحزاب المعارضة التضييق على أنشطتها وحظر بعض المواقع ذات الشعبية من قِبل الحزب الحاكم، فيما اتهم حزب العدالة والتنمية البلديات الكبرى التي تسيطر عليها المعارضة مثل إسطنبول وأنقرة بعدم التنسيق مع الحكومة في دعم جهود الإغاثة. تجدر الإشارة أن الرئيس التركي فرض حالة الطوارئ في المناطق المتضررة من الزلازل وفق المادة رقم 119 من الدستور التركي، وذلك لدعم جهود الإغاثة وفق ما أعلنت عنه السلطات الرسمية التركية.

أنشطة لإدارة الكوارث والطوارئ "آفاد" بمناطق الزلزال

(*) جهود إعادة إعمار المناطق المتضررة: يبقى أمام البرامج الانتخابية للأحزاب التركية تحدٍ مرتبط بمسألة إعادة الإعمار في أسرع وقت؛ حيث أدى زلزال كهرمان مرعش وفقًا لتقرير البنك الدولي إلى تشرد 1.25 مليون شخص، فيما تأثر 6.45 مليون شخص في مقاطعات هاتاي ، كهرمان مرعش ، غازي عنتاب، ملاطية وأديامان. ومثلت الأضرار المباشرة في المرافق الخدمية كالمدارس والوحدات الصحية ومباني القطاع الخاص والبنية التحتية مثل الطرق وإمدادت الطاقة والمياه 16.1 مليار دولار فيما وصلت الأضرار إلى 18 مليار دولار في المباني السكانية.

(*) تطبيق لوائح البناء: تظل قضية تشديد أكواد البناء وضمان معايير السلامة الإنشائية من القضايا الشائكة التي ستُطرح بقوة خلال الفترة القادمة؛ إذ اتهمت المعارضة حكومة حزب العدالة والتنمية بالتسبب في الكارثة نتيجة قبولها التصالح مع المباني المخالفة بهدف جمع الأموال، وبغض النظر عن السلامة والأمان لهذه المباني. وتبنى أردوغان مبكرًا هذا الملف أثناء جولاته في المناطق المنكوبة؛ حيث وعد المواطنون بالعمل على تسريع مشروع التحول الحضري بما يسمح بإنهاء حقبة انهيار المباني بسبب الزلازل. وكانت قد أوقفت الحكومة التركية عددًا من المقاولين ومتعهدي البناء للتحقيق معهم في اتهامات الفساد ومخالفة أكواد البناء التركية. وقد أشار أردوغان عقب اجتماع حكومته في 6 مارس 2023 إلى أن هناك 6.5 مليون مبنى في إسطنبول وباقي المدن التركية تحتاج إلى هدم وإعادة بناء، ودعا المعارضة إلى التعاون في هذا الملف للإسراع بعملية التحول الحضري.

إجمالًا، رغم الثقة التي يحظى بها حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أكثر من 20 عامًا في الأوساط الشعبية، إلا أنه يخشى تكرار سيناريو زلزال إزميت عام 1999 خاصة بعد توافق المعارضة، والذي راح جراءه 17127 ضحية، وأدى إلى خسارة الحكومة الائتلافية الأغلبية في انتخابات عام 2002 التي أفرزت حزب العدالة والتنمية كحزب روَّج لنفسه على أنه قادر على تجاوز آثار الزلزال وقتها، وتقديم تجربة جديدة للمشهد السياسي التركي. وحظي حزب العدالة والتنمية بدعم 55% من سكان المناطق المنكوبة في انتخابات عام 2018، كما فاز أردوغان بالنسبة ذاتها، وهو ما يُمثل تحديَّا جديدًا للحزب وزعيمه خاصة أن المعارضة التركية تأخذ عليه تأخر جهود الإنقاذ الحكومية في الأيام الأولى للزلزال، وهو ما اعترف به أردوغان نفسه في الأخير، وربط هذا التأخير بسوء الأحوال الجوية والفوضى.