الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حسابات مبكرة.. ما موقف المعارضة التركية من الانتخابات في 2023؟

  • مشاركة :
post-title
طاولة سُداسية لزعماء أحزاب تحالف الأمة للتوافق حول الانتخابات العامة 2023

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

تدخل أحزاب المعارضة التركية الانتخابات العامة في تركيا، والمُتوقع إجراؤها في موعدها منتصف عام 2023، رافعة شعار محاولة الحفاظ على ما تبقى من مظاهر الديمقراطية، ويعتبر "تحالف الأمة" المعارض وعلى رأسه زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، أن الجمهورية التي ستحتفل بمئوية تأسيسها خلال هذا العام، بعدت كثيرًا عن المسار الذي رسمه لها مؤسسها، مصطفى كمال أتاتورك قبل مائة عام، ويعتبرون تحالفهم خُطوة إيجابية نحو الحفاظ على ما تبقى من هذا الإرث. في المقابل، يرفض تحالف الشعب الذي يتألف من حزبي العدالة والتنمية، والحركة القومية هذه الاتهامات، ويُعول على نجاحه في الانتخابات العامة المُتوقع إجراؤها منتصف عام 2023. نُقدم فيما يلي قراءة في موقف المعارضة التركية من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2023.

مخاوف مشروعة:

تُشير العديد من المؤشرات إلى العديد من التخوفات، والعقبات التي يُمكن أن تواجه المعارضة التركية خلال انتخابات 2023، ونحاول فيما يلي إظهار أبرز هذه التخوفات:

عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (أرشيفية)

(*) نزاهة الانتخابات: لا تخفي المعارضة التركية التي يتقدمها حاليًا تحالف الأمة السُداسي بين أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد القومي الذي يُعرف بالخير، والديمقراطي، والسعادة، والمستقبل، وحزب "الديمقراطية والبناء"، مخاوفها بمسألة نزاهة الانتخابات؛ إذ تعمل أحزاب المعارضة حاليًا على جمع المتطوعين من المتابعين الأتراك لمراقبة ما يقرب من 200 ألف صندوق منتشرة في أرجاء البلاد.

زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو

(*) توافق المعارضة: رغم عدم إعلان التحالف السُداسي للمعارضة التركية عن مرشحه للانتخابات الرئاسية المُقبلة حتى الآن، إلا أن المؤشرات تُشير لسعي زعماء الأحزاب الستة لتقديم مُرشح توافقي من بينهم؛ ليخوض الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي "رجب طيب أردوغان".

في هذا السياق، تصطدم هذه الرغبة بالخلافات الأيديولوجية بين أحزاب التحالف حول الأسماء المطروحة، ويُعول حزب العدالة والتنمية على تفتت أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على تقديم مُرشح توافقي للانتخابات الرئاسية المُقبلة؛ نظرًا للخلافات المتنوعة بين أحزاب التحالف.

(*) مُعضلة المُجنسين حديثًا: يبقى هاجس المُجنسين الأجانب معضلة أمام السلطة والمعارضة في تركيا؛ إذ تتهم المعارضة الحزب الحاكم بتوظيف أصوات المجنسين؛ لترجيح كفته في الانتخابات العامة. وفي هذا السياق، يشير حزب الشعب الجمهوري إلى وجود أكثر من مائتي وسبعين ألف ناخب من المُجنسين الأجانب؛ منهم حوالي 201 ألف سوري، و37 ألف أفغاني، واستند الحزب في هذا التصريح إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده، سليمان صويلو، وزير الداخلية التركي، في 11 مايو 2022 بالعاصمة التركية أنقرة، وعمل حزب الشعب الجمهوري المعارض على إصدار قانون يمنع الحاصلين حديثًا على الجنسية التركية من التصويت في الانتخابات المُقبلة، ولكن لم تشهد هذه الخطوة دعمًا داخل الجمعية الوطنية التركية (البرلمان) التي يُسيطر عليها تحالف الشعب الحاكم.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

(*) هيمنة الحزب الحاكم: تتخوف المعارضة التركية من إمكانيَّات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وسيطرته على الإعلام، ومؤسسات الدولة، كونه يحكم البلاد منذ 2002. وتنتقد المعارضة في هذا الجانب ما حدث لأكرم إمام أوغلو، عُمدة بلدية إسطنبول الذي حُكم عليه بالسجن سنتين وسبعة أشهر، مع منعه من ممارسة العمل السياسي، وقامت العديد من المظاهرات تعبيرًا عن رفض هذا الحكم، وكان قد اُنتخب أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول عام 2019 مرتين، بعد إلغاء نتائجها، وإعادتها مرة أخرى بقرارٍ من المجلس الأعلى للانتخابات.

(*) توظيف المسائل القومية: تتعالى المسائل القومية لدى الحزب التركي الحاكم، كلما اقتربت الانتخابات، وفي هذا الصدد يتهم التحالف السُداسي لأحزاب المعارضة التركية حزب العدالة والتنمية بتوظيف ورقة النزاعات الحدودية بين أنقرة وأثينا في انتخابات 2023 لا سيَّما أن الرئيس التركي، أردوغان، قد هدد اليونان في الثُلث الأول من ديسمبر 2022 قائلًا: "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام تسليح إيجة"، وذلك ردًا على مناورات عسكرية يونانية على جزيرتي رودس وليسبوس في بحر إيجة. في سياقٍ متصل، أطلقت أنقرة عملية عسكرية جديدة باسم "المخلب السيف" ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، والمناطق الكردية في الشمال السوري، وتعتبر المعارضة أن هذه الخطوة بمثابة ورقة انتخابية للتحالف الحاكم؛ لكسب الشعبية التي ستنقذ التحالف في انتخابات 2023 المزمع إجراؤها هذا العام.

آمال مطروحة:

تستند رؤية المعارضة التركية على إمكانية تحقيق نتائج إيجابية على التحالف الحاكم في تركيا، والذي يقوده حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، وذلك استنادًا على مجموعة من العوامل التي أدت إلى تدهور الأوضاع السياسية وضعف الأداء الاقتصادي في تركيا في السنوات العشر الأخيرة بِفعل ما يعتبرونه السياسات الفردية لأردوغان، نبرز فيما يلي أهم هذه العوامل:

(*) تراجع سياسة صفر مشاكل: قامت شعبية حزب العدالة والتنمية محليًا وإقليميًا على سياسة صفر مشاكل التي بدأها أحمد داوود أوغلو، زعيم حزب المستقبل المعارض، ووزير الخارجية الأسبق، وتراجعت هذه السياسة بشكلٍ واضح بعد أحداث 2011؛ إذ دخلت أنقرة في حالة من التنافس الذي وصل حد التصارع مع العديد من دول المنطقة، ورغم ذلك، يعمل أردوغان حاليًا على تصفير مشاكله الخارجية مرة أخرى لا سيَّما مع بعض دول المنطقة، وذلك لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم بأسره بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك لإعادة تسويق سياسة حزبه في انتخابات 2023.

الليرة التركية (صورة أرشيفية)

(*) ضعف الأداء الاقتصادي: شهد عام 2022 تراجعًا واضحًا في الأوضاع الاقتصادية بتركيا؛ نتيجة لسياسة خفض الفائدة التي وصلت إلى حد 9%، وقرارات رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة، وهروب الأموال الساخنة، بالإضافة إلى النتائج السلبية التي أصابت الاقتصاد العالمي التي تلت حالة الإغلاق العالمي التي صاحبت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. في هذا السياق، تجاوز حجم التضخم حاجز الـ 80%، ووصلت البطالة إلى حوالي 10.1%، ورُغم أن حالة ضعف الأداء الاقتصادي ارتبطت في أغلبها بسياقٍ عالمي، إلا أن الشارع التركي لا يعترف بذلك، ويعتبر أن سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية أضرَّت بأداء العملة التركية (الليرة)، وهو ما كان له أثر على الأداء الاقتصادي بشكلٍ عام. 

في هذا السياق، وفي آخر استطلاع رأي أجرته شركة (Optimar) للأبحاث على عينة شملت 2526 شخصًا، في الفترة من 20 إلى 28 ديسمبر 2021؛ إذ حصل حزب العدالة والتنمية على 32.3% من ثقة الذين تم استطلاعهم فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 21.3% وهو ما يُعد نتيجة إيجابية لحزب العدالة والتنمية، ولكنها تظل غير مُرضية خاصة إذا استطاع تحالف الأمة تأكيد توافقه ووحدته خلال الانتخابات المُقبلة.

(*) تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية 2019:دقَّت نتائج الانتخابات البلدية في تركيا عام 2019 ناقوس الخطر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي بدأ نجاحه السياسي بالهيمنة على البلديَّات الكبرى قبل عام 2002. وتراجع أداء الحزب في هذه الانتخابات بنسبة 20% مقارنة بنتائج الانتخابات البلدية عام 2014. ومثَّل خسارة الحزب للبلديات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة صدمة كبيرة، لا سيَّما أن رئيس الوزراء التركي الأسبق "علي يلدريم" خسر أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري "أكرم إمام أوغلو"، تجدر الإشارة إلى أن سكان الولايتين يمثلون حوالي خُمس عدد سكان تركيا البالغ عددهم 86 مليون نسمة تقريبًا.

(*) اتهامات الانفراد بالقرار، وهيمنة أهل الثقة: تتهم المعارضة في تركيا حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان بالانفراد بسلطة اتخاذ القرارات، وعدم الاستماع للأصوات المخالفة له، وهو الأمر الذي تسبب في حالة خروج جماعي من الحزب؛ إذ يشير تقرير منشور لـ"رويترز" منتصف يناير 2019 إلى أن عام 2018 وحده قد شهد خسارة حزب العدالة والتنمية لحوالي 840 ألف من أعضائه، ونسب تقرير رويترز خسارة هذه الأعداد إلى فقدان الحزب التواصل مع قواعده الجماهيرية، ومخالفته للمبادئ التي تأسس عليها.

في هذا السياق، اتهم أحمد داوود أوغلو، زعيم حزب المستقبل المعارض، حكومة حزب العدالة والتنمية بـ"اضطهاد الشعب"، وعدم الاستماع للأصوات المعارضة، وطالب أوغلو الحكومة بالتراجع عن سياسة رفع أسعار الكهرباء والطاقة، وذلك في مقطع فيديو بثه على صفحته الرسمية على "تويتر"، وتعتمد المعارضة كذلك في حكمها على الحزب الحاكم على حالة الانشقاق التي ضربت الحزب وخروج شخصيات كبيرة بحجم الرئيس التركي السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء الأسبق ومهندس السياسة الخارجية أحمد داوود أوغلو. وكان قد لخص داوود أوغلو المشهد داخل حزب العدالة والتنمية بإهمال مبدأ المشورة، والتهميش لمن خدموا في صفوف الحزب، مع تزكية فكر الشخص الواحد، وإظهار الحزب في وضع يُعزز من الفرد على حساب الجماعة.

شعار حزب العدالة والتنمية التركي

(*) الانشقاقات داخل الحزب الحاكم: أُصيب حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ خروج أحمد داوود أوغلو من الحزب بحالة من الانشقاقات التي عصفت باستقراره، وقد مثّل انشقاق أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي الأسبق، والوزير السابق علي باباجان في 2019 صدمة كبيرة لدى مؤيدي الحزب، لا سيَّما أن أوغلو وباباجان قد شكلا حزبي المستقبل والديمقراطية والبناء المنضمين لتحالف الأمة المعارض.

إجمالًا، تبرز العديد من السيناريوهات المحتملة حول مستقبل النظام السياسي في تركيا خلال عام 2023، وقد استندت هذه المؤشرات على العوامل التي تتحكم حاليًا في المشهد السياسي التركي، خاصة توافق المعارضة ونجاحها في الدفع بمرشح قوي لتمثيلها في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، وكذلك قدرتها على تنظيم نفسها للفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ومن المحتمل أن تشهد الانتخابات الرئاسية تنافسًا كبيرًا، خاصة إذا نجحت المعارضة في التوافق على مرشحها ونجحت في الوصول بالانتخابات إلى جولة إعادة، وينطبق الأمر نفسه على البرلمان التركي الذي يتألف من 600 مقعد، خاصة أنه من المتوقع أن يشهد تواجدًا ملحوظًا للمعارضة بعد انتخابات 2023.