الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محمود الجندي.. رفض نصيحة صلاح جاهين وحادث غير حياته

  • مشاركة :
post-title
الفنا المصري الراحل محمود الجندي

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

"كل أزمة تعرضت لها تخطيتها بالصبر، فهو طعمه مُر ولكنه علاج مفيد جدًا"، بهذه الجملة التي جرت على لسان الفنان المصري الراحل محمود الجندي، لخصت حياته ومعاناته منذ الصغر، لتعبر كيف تجاوزها، ليواجه الحياة بكل شجاعة.

صوت جميل يتغنى بالمواويل في مسرحياته، وأداء تمثيلي راقٍ في السينما والتليفزيون والمسرح، هكذا تنوعت موهبة محمود الجندي - الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1945 في أسرة بسيطة بمحافظة البحيرة، ليكون الابن الأوسط من بين 9 أشقاء، ويدفعه إشفاقه على الحالة المادية لأسرته لأن يلتحق بالتعليم الفني الصناعي ليحصل على دبلوم صناعي قسم النسيج، ويعمل في أحد المصانع ليساعدهم في مصاريف البيت اليومية، فكان والده هو كلمة السر أيضًا في حبه للفن حيث يقول في لقاء تلفزيوني عن ذلك: "كان والدي أول من لفت انتباهي للفن وأحببته من خلاله فكان أول شخص ينشئ سينما بسيطة في مركز أبو المطامير، كما أحببت المسرح في المرحلة الإعدادية وكنت أشارك بالتمثيل فيه".

بداية المشوار

كان الفنان المصري محمود الحديني قدوة محمود الجندي، ليدفعه طموحه للذهاب إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ويعمل في الوقت نفسه بأحد المصانع بالعباسية بالقاهرة، ليخفي رغبته في العمل بالفن عن والده قبل أن يفاجئه بعد قبوله في معهد الفنون المسرحية، ولكنه وجد ترحيبًا من والده ودعمًا لاستكمال هذا الطريق.

بدأ "الجندي" حياته كمساعد مخرج ومؤلف وكاتب أغان من خلال تقديم مسرحية "شكسبير في العتبة"، فكتب أشعار المسرحية ونال إعجاب المخرج سمير العصفوري، ويقول عن هذه المرحلة: "منذ هذا الوقت تعرفت على الشاعر صلاح جاهين الذي كان مقتنعًا بموهبتي في الكتابة، ولكنه لم يقتنع بتمثيلي ونصحني بأن أكمل طريقي في الكتابة".

ويضيف الجندي في أحد لقاءاته التليفزيونية: "سمعت صلاح جاهين بعد مشاهدته العرض أنني أذكّره بشكسبير، وسألته عن سبب رأيه فقال لي إن شكسبير كان كاتبًا جيدًا ولكنه ممثل فاشل، فنصحني بأن أكمل في الكتابة وليس التمثيل".

رصيد فني زاخر

ما يقرب من 5 عقود، هي مدة عمله في مشواره الفني، قدّم محمود الجندي رصيدًا فنيًا زاخرًا، حيث اقترب عدد أفلامه من 120 فيلمًا، بينما وصلت مسلسلاته لأكثر من 200 مسلسل تلفزيوني، بينما وصل عدد مسرحياته لنحو 36 مسرحية، ورغم هذا التاريخ الزاخر من الأعمال التي تزيد على 400 عمل فني بخلاف السهرات التلفزيونية، لكنه ظل بطلًا ثانيًا وليس مطلقًا، لكنه كان قادرًا على خطف الأنظار إليه بمجرد طلته على الشاشة أو وقوفه على خشبة المسرح.

شارك الجندي مع كبار النجوم مثل الفنان القدير عادل إمام في فيلمين، إذ قدّم شخصية سلامة الطفشان في "شمس الزناتي" وشخصية على الزهار في "اللعب مع الكبار"، كما قدّم شخصية مصطفى محمد الشوان بمسلسل "دموع في عيون وقحة"، بينما عمل مع الفنان فؤاد المهندس في المسرح في "إنها حقا عائلة محترمة"، مسرحية "علشان خاطر عيونك"، ومع الفنانة فاتن حمامة في مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، ومع صلاح ذو الفقار في مسلسل "عائلة الأستاذ شلش"، ومع محمود عبد العزيز في "البشاير"، وغيرها الكثير من الأعمال.

طعم الفراق والوجع

عانى "الجندي" كثيرًا في حياته منذ صغره، وحتى بعد أن نضج وحقق شهرة في التمثيل، عانى بمفرده طعم الفراق والوجع على فقد أعز الناس على قلبه وهي زوجته، لتغير محطات الألم التي عاشها من حياته وتعلمه وكأنه يخطو خطواته الأولى في الحياة بنظرة جديدة.

يقول محمود الجندي عن الأزمات التي عاشها في حياته: "منذ نشأتي وأنا طفل أتحمل ولا أشكو، والظروف كانت صعبة في البداية، وعشت فترة بدون عمل، وأصبحت أتعامل مع الأزمات على أنها ستمر ولن تطول أبدًا".

رحلة من الشك إلى اليقين

ماس كهربائي يودي بحياة زوجته، لم يكن مجرد حادث مأساوي عاشه محمود الجندي، ولكنه كان درسًا وعودة له من رحلة الشك الذي كان يخوض فيها قبل هذا الحادث، ليكون بمثابة موعظة حقيقية حيث يحكي عن ذلك في لقاء تليفزيوني قائلًا: "حريق ووفاة زوجتي ضحى هو أكبر صدمة تعلمت منها في حياتي، وعدلت سلوكياتي وطريقتي في الحياة، الدنيا كانت تشغلني وربنا هداني، وكنت قبلها أقرأ في كتب الإلحاد، وكان حولي مجموعة من الأصدقاء يدعمون هذا الفكر، ولكن ربنا أراد أن يعلمني بحادث الحريق لأن أول شيء أكلته النار هذه الكتب الموجودة بالمكتبة فأدركت أنها إشارة من الله، وليلة ما قبل الحريق تحدثت زوجتي عن رغبتها في شراء مقبرة".

دخل محمود الجندي مرحلة جديدة من حياته، معلنًا التزامه وإعادة علاقته بالله حتى أن هذا الأمر أثّر على اختياراته الفنية، ليقول عن ذلك: "بعد الحادث غيّرت من حياتي بالكامل واختياراتي لأدواري والأعمال، ففي البداية كان كل همي الدور والفلوس التي سأتقاضاها، ولكن فكرة أن منحني الله موهبة التمثيل والصوت الجميل لكي أستفيد منها وألا أهدرها، منعتني من الاعتزال بعد هذا الموقف لأكون قدوة ويتأثر بي غيري، والبعض كان يضحك لم يصدق التزامي، ورغم قلة شغلي بعد ذلك ولكن بركة فلوسي كانت أكثر".

أعظم مشروع في حياته

أسس محمود الجندي فرقة لرعاية المواهب الشبابية في مركز أبو المطاطير مسقط رأسه، والتي وصفها بأنها أعظم مشروع في حياته، ولم يورث الفن فقط لأبناء بلدته ولكنه لنجله المخرج أحمد الجندي، ليرحل محمود الجندي في 11 أبريل عام 2019، عن عمر يناهز الـ 74 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا كبيرًا يخلد اسمه بعد الرحيل.