جاء تأكيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، بأن أطفال سوريا يمثلون إحدى أكثر الحالات الإنسانية تعقيدًا، خاصة بعد أن فاقم الزلزال من معاناتهم، ليضع أطفال زلزال شرق المتوسط، أمام ضرورة ملحة لتحرك الإنسانية خلال الفترة المقبلة، باعتبارهم-أي الأطفال، أكثر فئات المجتمعات تضررًا وتأثرًا بسبب الزلزال، وهو ما يتطلب تكاتف كل المنظمات العاملة في هذا الشأن لمساندة "اليونيسف" في القيام بدورها، خلال هذه الكارثة التي حصدت أكثر من 20 ألف ضحية في تركيا وسوريا، وهو ما يعني زيادة وجود حالات الأطفال بلا مأوى في المناطق المنكوبة.
ويعد الأطفال أكثر الفئات تضررًا من الكوارث الطبيعية ومنها الزلازل، لا سيما وأنهم الأكثر ضعفًا في مواجهة تداعياتها التي ترتبط بانهيار منازلهم التي تأويهم، أو فقدان ذويهم ممن يعولونهم أو افتقادهم لتوفير الأمن الغذائي أو الرعاية الطبية المطلوبة. وقد أظهرت المشاهد المأساوية سوريين مفجوعين في صغارهم وآباء يسمعون استغاثات أفراد عائلاتهم من تحت ركام الزلزال المدمر، فضلًا عن مقاطع فيديو يتم فيها إنقاذ أطفال من تحت الأنقاض.
ووفقاً لأحدث الإحصاءات حتى 9 فبراير 2023، فقد خلف الزلزال الذي يعد من أكبر الكوارث الطبيعية التي وقعت مؤخرًا في المنطقة وجوارها الإقليمي، في تركيا شهدت أكثر من 16 ألف ضحية وأكثر من 64 ألف مصاب، حتى منتصف الخميس، وفي سوريا تخطى عدد الضحايا 3500 حالة ووصل عدد المصابين إلى 5000 مصاب، وسط توقعات بأن تتفاقم الحصيلة خلال الأيام المقبلة. وتتوقع اليونيسيف أن يكون الضحايا في البلدين بالآلاف من الأطفال في ظل وقوع الزلزال المدمر خلال أوقات النوم، فضلًا عن صعوبة وصول فرق الإنقاذ للمناطق المنكوبة، وهو ما جعل الأجهزة في البلدين في حالة من الاستنفار التام.
عوامل متنوعة:
هناك العديد من العوامل التي أسهمت في زيادة معاناة الأطفال من الزلزال المدمر، الذي وصلت قوته 7.8 بمقياس ريختر، فيما وصلت توابعه إلى ما يزيد على 1300 هزة ارتدادية، وشعر به سكان عدد من الدول الأخرى هي: مصر، ولبنان، والأردن، والعراق وقبرص واليونان. ويمكن إبراز أهم تلك العوامل في التالي:
(*) الظواهر الجوية: عمقت الظواهر الجوية وفى مقدمتها الطقس السيئ في شمال سوريا وجنوب تركيا من مهمة إنقاذ الأطفال وذويهم في وقت من العام تنخفض فيه درجات الحرارة عادة إلى ما دون التجمد وتكثر فيه الثلوج والبرد. ومع ارتفاع ضحايا الزلازل المدمر في تركيا وسوريا، فإن المسئول الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عمار عمار أكد أن الزلزال تسبب في قتل آلاف الأطفال، وأفادت اليونيسيف بوقوع الزلزال الأول عند الرابعة صباحًا بينما كان عدد من الأطفال والأسر نائمين في منازلهم. كما أدى تدمير عدد كبير من المنازل إلى تشريد العائلات وتعريضها لعوامل انخفاض درجات الحرارة والثلوج والأمطار المتجمدة. ومما زاد من صعوبة الأمر تخلي العديد من الأسر عن مراكز الإيواء لعدم جاهزيتها فضلًا عن الخوف من انهيارها في ظل تتابع الهزات الأرضية للزلزال المدمر.
(*) انهيار المنازل: أدى الزلزال المدمر في سوريا وتركيا وتوابعه إلى هدم آلاف المنازل. فوفقًا لإدارة الكوارث والطوارئ التركية، فإن الزلزال المدمر ضرب مناطق تركية في 10 ولايات يسكنها 13.5 مليون مواطن، فيما وصل عدد الأبنية المنكوبة في تركيا وفقًا لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو 6400 مبنى، في حين يوجد بلاغات عن هدم 11 ألف بناء. لذلك نشرت تركيا أكثر من 24400 من رجال البحث والإنقاذ في مناطق الزلزال.
(*) أزمة اللاجئين: وفقًا لإحصاءات الإدارة العامة للهجرة في تركيا، فإن عدد اللاجئين السوريين في تركيا بلغ حولي 3 ملايين و711 ألفًا و683 نسمة، وللمفارقة فإن المدن التركية التي شهدت الزلزال المدمر وتوابعه يزداد بها عدد اللاجئين السوريين وأطفالهم، فعلى سبيل المثال يقطن بمدينة كهرمان مرعش ما يقرب من 26 ألف لاجئ سوري بأسرهم، وهي المدينة التي شهدت نسبة كبيرة من الضحايا وحلت في المرتبة الثالثة بعد مدينتي هاطاي، وأديمان التركيتين من حيث الضحايا والمصابين، بما يتوقع معه أن تزداد حصيلة الأطفال الضحايا في تلك المدينة.
(*) نقص معدات الإنقاذ: مثل ارتفاع عدد الضحايا والمنكوبين تحديًا غير مسبوق لفرق الإنقاذ في تركيا وسوريا، حيث تجاوز إجمالي الضحايا في البلدين أكثر من 20 ألف ضحية حتى منتصف اليوم الخميس، وفي ظل الصعوبات التي تواجهها الفرق في الوصول للمنكوبين مع اتساع النطاق الجغرافي للزلزال المدمر، فإن الضحايا من الأطفال من المتوقع أن يزداد عددهم. وهو ما يتطلب توفير معدات الإنقاذ كضرورة إنسانية ملحة.
مساندة إنسانية دولية:
تنوعت صور مساندة الأمم المتحدة لمنكوبي الزلزال المدمر من المنكوبين وأسرهم وأطفالهم في سوريا وتركيا. ويمكن إبراز أهمها في التالي:
(&) المساندة المعنوية: وفقًا لبيان صحفي صدر عن الأمم المتحدة، في 6 فبراير 2023، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن عميق حزنه بشأن الخسائر الفادحة في الأرواح التي سببها الزلزال، كما أبدى تعاطفه مع شعبي تركيا وسوريا في هذا الوقت المأساوي، وبعث بأحر التعازي لأسر الضحايا متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين. فيما أعربت المديرة التنفيذية لليونيسيف كاثرين راسل أن "الهزات الارتدادية تجلب مخاطر مستمرة، قلوبنا مع الأطفال والأسر المتضررة، خاصة أولئك الذين فقدوا أحبابهم أو أصيبوا"، معلنةً أن أولويات اليونيسيف العاجلة تتمثل في ضمان حصول الأطفال والأسر المتضررة على الدعم الذي يحتاجونه بشدة.
(&) الاستجابة الإنسانية وتقديم المساعدات: أقرت الأمم المتحدة توجيه 25 مليون دولار لكل من تركيا وسوريا. كما تقوم اليونيسيف في تركيا بالتنسيق مع الحكومة ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ بشأن الاحتياجات الناشئة المرتبطة بالاستجابة الإنسانية الأوسع، وفى سوريا تقوم اليونيسيف بتقييم آثار الزلزال والاستعداد لدعم الاستجابة الإنسانية بالتنسيق مع الشركاء.
(&) إرسال فرق إنقاذ: أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن فرق الأمم المتحدة موجودة على الأرض لتقييم الاحتياجات وتقديم المساعدة. كما أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن الصدمة إزاء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في ذروة شتاء قارس، مشيرا إلى أن الفرق التابعة للمكتب تقوم بتقييم الضرر بالتعاون مع فرق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق مشيرًا إلى أن فرق البحث والإنقاذ جاهزة للنشر.
مجمل القول؛ إن الاستجابة الإنسانية لمواجهة تبعات الزلزال المدمر تتطلب تكاتف الجهود الدولية كافة لمساندة سوريا وتركيا على تجاوز المحنة وتداعياتها، لا سيما وأن الكوارث الطبيعية أضحت إحدى الأزمات الدولية التي تهدد الأمن الإنساني، ومكتسبات البشرية التي أصبحت على المحك. وربما تمثل المساندة الدولية مدخلًا مناسبًا لتعزيز التعاون الدولي بين الدول لمواجهة الكوارث الطبيعية بدلاً من الصراع الدولي الذي يؤشر لخسائر بشرية تضاف لخسائر الكوارث بما يزيد من المعاناة الإنسانية.