"لولاكي" لم تكن كلمة عابرة غير مألوفة على الأذن، ولكنها أغنية أرسلها القدر للفنان علي حميدة- الذي تحل اليوم ذكرى وفاته - لتمثّل تميمة حظه، ويرتبط اسمه بها، بعد أن ساهمت في تحقيقه شهرة كبيرة بنى عليها تاريخه الفني، رُغم أنه قدّم عددًا آخر غيرها، بخلاف عمله في التلحين والتأليف واتجاهه للتمثيل بالتليفزيون والسينما والمسرح.
شعر طويل مموج متدلٍ على وجهه، وبشرة سمراء وإطلالة مُختلفة عن كل نجوم عصره، بهذا اللوك قدم "حميدة" نفسه، وهو يغني "لولاكي"، ضاربًا بأعراف وتقاليد بيئته البدوية التي جاء منها عرض الحائط، فمنذ اللحظات الأولى من إذاعتها كفيديو كليب عام 1988 حققت نجاحًا منقطع النظير، تزيد مبيعاته يومًا بعد يوم وتحقق رقمًا قياسيًا غير مسبوق، إذ بيعت 6 ملايين نسخة، وزعت على مستوى الوطن العربي والعالم، وهو ما فاجأ الجميع وقتها.
أغنية وطنية
لا يعرف الكثيرون أن هذه الأغنية كانت في الأصل وطنية قبل أن تتحول إلى عاطفية، وهو ما يؤكده حميدة في لقاء تليفزيوني، إذ يقول: "الشاعر عزت الجندي كتب هذه الأغنية لمصر، وكان يذيع أجزاءً من كلماتها في إذاعة الشرق الأوسط، ولكن أعجبتني كلمة "لولاكي" فوجدتها متفردة وأحببت غناءها، وكانت تقول كلماتها قبل تعديلها "لولاكي يا مصر ما حبيت ولا غنيت ولا دقيت على إيدي 3 وشمات، ميم وصاد وراء، ولولاكي ما غنيت ولا هز الوتر كياني، لولاكي ما عانيت ولا كنت عمري أعاني، ما أنتي الهوى والشوق والعشق والمعشوق، وليكي أنا غنيت ولولاكي يا مصر ما حبيت"، واجتمعت وقتها لجنة من الموزعين واقترحوا تعديل بعض كلمات الأغنية حتى لا تكون مُقتصرة فقط على حب مصر؛ لتحقق انتشارًا أوسع بالعالم كله، والحمد لله حدث ذلك".
ويُضيف: "كلمات الأغنية كانت جديدة ومختلفة ومأخوذة من البيئة البدوية، وكنا نفكر في طرحها مُنفردة وليست بين ألبوم، ثم استقررنا على أن تتصدر الألبوم".
تجربة
رغم النجاح الكبير الذي حققته الأغنية لكن حميدة - المولود في محافظة مرسى مطروح عام 17 أبريل 1948- لم يكن يتعامل معها قبل طرحها على أنها كذلك، إذ كان يراها مجرد تجربة على حد وصفه، ويقول: "لم يكن في بالي نهائيًا أن تنجح الأغنية وكنت أعتبرها تجربة جديدة، أردت تقديم شيء مختلف بخلاف الغناء التقليدي، لأنني أرى أنه لم يأت مطرب بعد عبد الحليم حافظ، الذي أغلق الباب وراءه وأخذ المفتاح في هذه المنطقة، فكل مطرب كان يحاول تمييز نفسه، فحاولت تقديم أغنية بشكل جديد وسبحان الله نجحت".
من الغناء في برميل إلى الإذاعة
كان الغناء حلمًا من أحلام حميدة، فكان يتتبع كل الطرق لإظهار موهبته والتي بدأها بالغناء في "برميل" بمنزلهم من وراء أسرته؛ ليقول عن ذلك: "كنت أحب الغناء وأحلم بأن أصبح مطربًا مشهورًا، لدرجة أنني كنت أقوم بعمل حديث تخيلي بيني وبين نفسي أتخيل فيه أنني أصبح مشهورًا والإعلام يجري معي لقاءات، كما قمت بتصميم إذاعة خاصة بي في المنزل، وهي عبارة عن "برميل" مثقوب بفتحة، أكون بداخله وأغني ثم أراقب والدي من وراء الفتحة؛ لأن الغناء كان عيبًا في مجتمعنا بمطروح، ثم تشجعت وقمت بالغناء في البيت، ثم في الإذاعة حتى قدمت أغاني للجمهور".
بدأ "حميدة" مشواره الفني بتقديم الأغاني القديمة في الإذاعة، ولكنه سرعان ما تخلى عن هذا الطريق ليتجه لتقديم أغانٍ جديدة، إذ يقول عن بداياته في لقاء تليفزيوني: "قبل أغنية لولاكي قمت بالغناء في الإذاعة بعد اعتمادي رسميًا بها عام 1975، لفتحي قورة وعبد الرؤوف عيسى الذي قدّم أغنية "يا حاسدين الناس" وكثيرًا من الأغاني الأخرى، ولكنني لم أجد نفسي؛ لأن الأغاني القديمة لها فرسانها التي يقدمونها ففكرت في اختيار طريق آخر للغناء".
تمرد على البيئة البدوية
أثرت البيئة البدوية في شخصية علي حميدة، وكان يعتز بها فيظهر مرتديًا الجلباب البدوي في كثير من المناسبات، ولكنه كان جريئًا في التمرد على تقاليدها وأعرافها والتي تعتبر الغناء سُبةً وعيبًا، فقاده شغفه بالموسيقى للتوجه للقاهرة، ودرس في معهد الموسيقى العربية، ثم أصبح معيدًا ثم أستاذًا للطلاب، وكان الملحن الراحل سامي الحفناوي الذي لحن له أغنيته الأشهر "لولاكي" أحد تلاميذه في المعهد.
ساهم نجاح علي حميدة في تشجيع كثيرين غيره على دخول هذا المجال؛ ليقول عن ذلك: "امتهان الغناء في مطروح كان عيبًا وغير معترف به في تقاليدنا، لدرجة أنني عندما دخلت معهد الموسيقى كانوا يقولون عني "ابن حميدة الرّْقَاص"، ولكن بعد أن أصبحت معيدًا في المعهد حظيت باحترام الناس، وعندما نجحت في الغناء احترموني أكثر، وكنت سببًا في دخول غيري من أبناء مطروح مجال الغناء".
حميد الشاعري
كان الفنان الليبي حميد الشاعري أحد أسباب نجاح تجربة علي حميدة، إذ كان يمثل مستشارًا فنيًا له، حتى إن ألبومه الأول كان بقيادته واضعًا بصمته في توزيع أغاني الألبوم التي تتكون من 8 أغنيات، وقام أيضًا بتلحين 4 أغانٍ منها، وهي "من صغري" و"حبابه" و"زينا" و"عني"، بينما قام على حميدة بكتابة وتلحين عدد من أغاني الألبوم وهي "بيكا" و"وينها" و"يا موجا".
استثمار النجاح
قدّم علي حميدة فيلمين في السينما، ومسرحية واحدة ومسلسلًا إذاعيًا، ليقول عن ذلك: "قدمت فيلم "لولاكي" استثمارًا لنجاح الأغنية، وكان هذا الأمر تقليدًا قديمًا، عندما ينجح عمل يستثمر صاحبه هذا النجاح في تقديم شيء آخر، كما قدمت أيضًا فيلم "مولد نجم"، وقدمت مسرحية، ومسلسلًا إذاعيًا باللهجة البدوية، وتعاونت مع عبد الرحمن الأبنودي وصلاح الشرنوبي، وقدمت لأول مرة في حياتي قصيدة، وهي تعتبر لونًا جديدًا بالنسبة لي".
ابتعاد عن الساحة
مثلما كانت أغنية" لولاكي" سببًا في شهرة حميدة، كانت أيضًا سببًا في ابتعاده عن الساحة الفنية، فلم يهنأ طويلًا بنجاح الأغنية، حتى فوجئ بمطالبته بتسديد 13 مليون جنيه للضرائب بسببها، فاتخذ قرارًا بالابتعاد عن الساحة لفترة، ثم عاد مرة أخرى ولكنه لم يحقق النجاح نفسه الذي حصده في أغنيته الأولى؛ ليعيش ويموت حميدة وهو يُعرّف بمطرب "لولاكي"، ويفارق الحياة في مثل هذا اليوم 11 فبراير 2021 عن عمر يناهز الـ 72 عامًا، تاركًا وراءه هذه الأغنية التي خلّدت اسمه.