وسط حرب لم تتوقف آثارها عند حدود الدمار المادي، اختار المخرج الفلسطيني رامي دامو أن يواجه الصدمة بالفن، وأن يمنح الأطفال مساحة آمنة للتعبير عن خوفهم وذكرياتهم المؤلمة عبر ورش للرسوم المتحركة، تحوّلت من مجرد تدريب فني إلى تجربة دعم نفسي عميقة، حملت صوت الأطفال من غزة إلى العالم.
علاج صدمات الحرب
قال المخرج الفلسطيني رامي دامو، في حديثه لموقع القاهرة الإخبارية، إنه قام بتصميم وتنفيذ ورش متخصصة لعلاج الأطفال من الصدمات النفسية التي تعرضوا لها نتيجة الحرب، مستخدمًا تقنيات الرسوم المتحركة كأداة فنية وإنسانية، كان من بينها ورشة نُفذت ضمن فعاليات مهرجان غزة السينمائي للأطفال.
ورش متزامنة
وأوضح دامو أنه نفذ في توقيت واحد ورشتي رسوم متحركة، إحداهما في قطاع غزة، والأخرى لأطفال لاجئين في فرنسا، حيث عمل الأطفال في المكانين على فيلمين حملا اسم "عندما تنام الحرب".
وأشار إلى أن الأطفال تعلموا خلال الورشتين كيفية صناعة الفيلم منذ الفكرة وحتى التنفيذ، في تجربة جماعية تهدف بالأساس إلى الدعم النفسي والتنفيس وتفريغ شحنات الألم.
رحلة التعافي
وأضاف دامو أن الفيلم بالنسبة له يمثل نتيجة نهائية فقط، بينما تكمن القيمة الحقيقية في رحلة صنع الفيلم نفسها، التي تفتح المجال أمام الأطفال لمشاركة قصصهم الشخصية والتعبير عن مشاعرهم. وأوضح أن مراحل العمل تبدأ برسم الشخصيات وتلوينها وقصها، ثم تحريكها وتصويرها صورة تلو الأخرى، قبل الانتقال إلى تقليد الأصوات والعمل الجماعي، وهو ما يعزز الإحساس بالأمان والتعاون.
أطفال غزة ولاجئون
وتحدث دامو عن بعد إنساني آخر في تجربته، مشيرًا إلى أنه يعمل أيضًا مع أطفال لاجئين في فرنسا مروا بظروف معيشية ونفسية مشابهة لتلك التي عاشها أطفال غزة، مؤكدًا أن التدخل النفسي باستخدام الفن يخلق لغة مشتركة بين الأطفال مهما اختلفت أماكنهم.
وأكد دامو أن معظم العاملين في مجال الدعم النفسي يركزون على علاج ما بعد الصدمة، في حين أن أطفال غزة ما زالوا يعيشون الصدمة ذاتها ولم يخرجوا منها بعد، وهو ما يتطلب فهمًا خاصًا لطبيعة حالتهم النفسية، وتعاملًا مختلفًا مع آليات الدعم.
دوافع إنسانية
وعن دوافعه لتقديم هذه الورش، قال دامو إن البشر بطبيعتهم يتعايشون ويتعافون معًا، موضحًا أنه فتح الورشتين على فكرة أن الأطفال يرغبون في مساعدة بعضهم البعض، وأن تقديمه للدعم النفسي يمنحه شعورًا بالفرح والسعادة.
وأضاف أنه يتفهم حجم الألم الذي مر به الأطفال، مشددًا على أن كل طفل في غزة بحاجة حقيقية إلى دعم نفسي يساعده على تجاوز الصدمة.
نتاج الورشة
وأشار دامو إلى أن ورشة الرسوم المتحركة التي أقيمت في غزة جاءت ضمن فعاليات مهرجان غزة السينمائي للأطفال، لافتًا إلى أن فيلمي «عندما تنام الحرب» من المقرر عرضهما في حفل ختام المهرجان.
واختتم دامو حديثه بالإشارة إلى أن تجربته مع ورش الرسوم المتحركة بدأت منذ عام 2001 مع اندلاع الحروب، حيث لمس تأثيرها العميق على الأطفال، واستمر في تقديمها طوال فترة وجوده في غزة، قبل أن يسافر إلى فرنسا.
وأضاف أنه مع اندلاع الحرب قبل ثلاث سنوات عاد لتقديم هذه الورش بدافع التزام أخلاقي، مؤكدًا أن أهل غزة ما زالوا يعيشون تحت ضغط نفسي مستمر، وأن الحرب لم تنته بعد، بل تحولت إلى حرب من نوع آخر تتمثل في الجوع والبرد وفقدان الأهل.