الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تراجع أم تزايد؟.. مستقبل ظاهرة أساطيل الظل في 2026

  • مشاركة :
post-title
أسطول الظل الروسي - صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - د. رضوى محمد

في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية تزايدت العقوبات الاقتصادية على موسكو، وهو ما جعلها تتجه إلى مسارات تعمل على إنعاش اقتصادها وعدم تراجع مؤشراته في ظل الحرب الراهنة، ما ترتب عليه تصاعُد لظاهرة "أساطيل الظل" أو "الأسطول الخفي الحديث"، إذ يُمكن اعتبار هذه الظاهرة طوق النجاة للاقتصاد الروسي خلال هذه الفترة، وهو ما جعلها محط استهداف أوروبي أمريكي، ما فرض تساؤلًا حول "هل تشهد هذه الظاهرة مؤشرات تزايد أم تراجع خلال العام المُقبل؟".

تأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على ماهية هذه الظاهرة وتطورها عبر الزمن، فضلًا عن توضيح التهديدات المرتبطة بها، إضافة إلى توضيح الاتجاهات المُحتملة عام 2026.

ماهية الظاهرة

يُمكن التعرف على ظاهرة "أساطيل الظل" من خلال النقاط التالية:

(-) تعريف الظاهرة: تُشير هذه الظاهرة إلى مجموعة من ناقلات النفط وسفن الدعم التي تعتمد على ممارسات شحن خادعة؛ لنقل سلع خاضعة للعقوبات أو عالية المخاطر، مع إخفاء منشأها الحقيقي أو ملكيتها أو وجهتها، ما أدى إلى بزوغ مصطلح "الأسطول الخفي"، أو "الأسطول المُظلم"، اللذين ظهرا لوصف مجموعة من السفن التي تمارس عمليات الاحتيال على العقوبات.

(-) التطور الزمني للظاهرة: تطور الأسطول الخفي من تكتيك محدود للالتفاف على العقوبات إلى شبكة تجارية عالمية منظمة، وابتكرته دول مثل إيران وكوريا الشمالية، وتُفرق منظمة Windward.ai البريطانية المتخصصة في تحليل قضايا الشحن، بين جزء رمادي وآخر مظلم في الأسطول غير الرسمي، إذ يُشار إلى الجزء المظلم عادة باسم "أسطول الظل"، أما الأسطول الرمادي فهو ظاهرة جديدة تمامًا نشأت في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية.

فمنذ الحرب الروسية الأوكرانية، تضاعف حجم هذا النظام البحري ثلاث مرات بحلول عام 2025، إذ باعت شركات شحن أوروبية وأمريكية ما لا يقل عن 230 ناقلة نفط قديمة إلى مالكين روس أو مرتبطين بروسيا أو غيرهم، نتيجة الارتفاع المفاجئ في الطلب على حمولات السفن، وحققت هذه المبيعات أرباحًا تتجاوز 6.3 مليار دولار أمريكي للمالكين، إذ تتشارك شركات شحن من اليونان والمملكة المتحدة وألمانيا والنرويج بشكل خاص في هذه المبيعات، إذ مكنت هذه الممارسات روسيا من مواصلة تصدير النفط مع التحايل على العقوبات.

(-) مدى انتشار الظاهرة: تعمل سفن أسطول النقل غير الرسمي الروسي في جميع أنحاء العالم، ففي النصف الأول من عام 2024 صُدر ما يقرب من 42% من إجمالي النفط الروسي المنقول بحرًا من موانئ بحر البلطيق والبحر الأسود بواسطة ناقلات غير رسمية، ومن يناير إلى أغسطس 2024، ارتفع عدد ناقلات النفط غير المرخصة التي تعبُر المضايق الدنماركية بنسبة 277 %، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وخلال الفترة نفسها شهد مضيق دوفر وجبل طارق ارتفاعًا بنسبة 355% في عدد ناقلات النفط غير المرخصة، إذ استحوذت هذه الناقلات على 67% من النفط المنقول عبر هذين المضيقين.

وبحلول منتصف عام 2025، تم نشر نحو 60 ناقلة نفط جديدة في أسطول الظل الروسي، إضافة إلى 55 ناقلة لمنتجات بترولية، وهو ما جعل إجمالي حجم الأسطول يبلغ نحو 3240 سفينة، استحوذت روسيا منه على نحو 82%، كما استوعبت الصين والهند معًا نحو 70 مليون برميل.

ومن ناحية أخرى تُعد الهند والصين وتركيا أكبر ثلاث دول تستورد النفط الروسي عبر أسطول النقل غير الرسمي سواء الرمادي أو المُظلم، إذ استحوذت على 95% من صادرات النفط الروسي، عام 2024، وهو ما يُشير إليه الشكل (1).

الشكل (1): الوجهات الرئيسية للأسطول الرمادي الداكن"الظل" الروسي-المصدر: البرلمان الأوروبي
تهديدات مُحاطة

توجد العديد من التهديدات التي تُحاط بظاهرة "أساطيل الظل" ومن هذه التهديدات ما يلي:

(-) العقوبات الأوروبية الأمريكية: يواجه الاتحاد الأوروبي ظاهرة "أساطيل الظل" بكل قوة، ففي 20 مايو، أكد الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فرض جولة جديدة من العقوبات على روسيا، لتقويض مواردها المالية في حربها ضد أوكرانيا، إذ أدرجا أكثر من 200 سفينة على قوائمهما السوداء.

وخلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي حزمة العقوبات الـ17 ضد روسيا، وتستهدف هذه الحزمة بشكل رئيسي الأسطول غير الرسمي، الذي ينقل النفط الروسي متجاوزاً نظام سقف الأسعار.

وفي العاشر من ديسمبر 2025، وافق سفراء الاتحاد الأوروبي لأول مرة منذ بدء عمل مجلس الأمن المشترك، على حزمة عقوبات محدودة ضد روسيا، خارج نطاق حزم العقوبات الرئيسية، إذ تشمل الحزمة نحو 40 ناقلة نفط يُزعم أنها تنقل النفط الروسي، ومن المقرر أن يتم الموافقة عليها في اجتماع بروكسل المقرر عقده اليوم، حتى تدخل حيز التنفيذ.

وفرضت بريطانيا عقوبات على نحو 135 ناقلة مرتبطة بأسطول الظل عام 2025، فضلًا عن العقوبات الأمريكية في يناير من العام نفسه، التي شملت أكثر من 180 ناقلة ضمن شبكة أساطيل الظل، في محاولة للحد من تهريب النفط.

ومن هذه العقوبات يتضح أن الاستهداف الأمريكي الأوروبي لأساطيل الظل الروسية أصبح متزايد بشكل كبير، فالاتحاد الأوروبي يرغب في أن يقطع السبيل عن إيرادات النفط الروسي التي تُستخدم في تمويل الحرب الروسية الأوكرانية، وانخفضت في نوفمبر 2025 إلى نحو 140.97 مليار دولار أمريكي، بانخفاض شهري قدره 1.92 مليار دولار أمريكي، وانخفاض سنوي قدره 3.59 مليار دولار أمريكي، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية الشهري.

(-) الاستهداف الأوكراني المباشر: صعّد الجانب الأوكراني من تحركاته في البحر الأسود، إذ أعلن للمرة الأولى استهداف ناقلتين نفط (كايروس وفيرات) تابعة لـ"أسطول الظل" الروسي قرب السواحل التركية، خلال توجههم إلى ميناء روسي يدعى نوفوروسيسك، لتحميلهم بنفط مخصص للأسواق الأجنبية.

(-) تقادُم السفن: تعتمد ظاهرة "أساطيل الظل" على السفن القديمة المُتهالكة، إذ إن 8 من السفن الـ16 التي انضمت جديدًا إلى أساطيل الظل في عام 2025، يزيد عمرها على 20 عامًا، الأمر الذي يُخلف العديد من الآثار السلبية على البيئة والاقتصاد العالمي، فمؤشرات التشغيل والامتثال تُشير إلى بيئة عالية المخاطر، كما أن التلاعب بالأسعار الذي تقوم به هذه السفن يضر الاقتصاد العالمي، ما يزيد من محاربة هذه الظاهرة بشكل مستمر.

اتجاهات مُحتملة

يُعد التعرف على الاتجاهات المُحتملة حول ظاهرة أساطيل الظل من الأمور الأهمية بمكان، لتوضيح مسار الاقتصاد الروسي خلال الفترة المُقبلة، من خلال النقاط التالية:

(-) تذبذب إنتاج النفط الروسي: ترتبط ظاهرة "أساطيل الظل" بشكل وثيق مع منظومة إنتاج وتصدير النفط في روسيا، إذ إنها تصاعدت وزادت وتيرتها، لرغبة روسيا في التحايل على تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على قطاع النفط بها.

فمن الشكل (2) يتضح أن حجم إنتاج النفط في عام 2023 بلغ في المتوسط 9.94 مليون برميل يوميًا، لكنه ارتفع في عام 2024 إلى 9.88 مليون برميل يوميًا، ثم انخفض هذا المتوسط عام 2025 إلى نحو 9.80 مليون برميل يوميًا، وتذهب توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج النفط الروسي سينخفض إلى 9.3 مليون برميل يوميًا عام 2026، لكنه لا يُعد انخفاضًا ملحوظًا.

الشكل (2) يوضح حجم إنتاج النفط الروسي خلال الفترة من يناير 2023 إلى 2026* (بالمليون برميل يومياً)-المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

(-) اتجاهات سياسات الدول: تُعد سياسات الدول مؤشرًا توضيحيًا لمستقبل ظاهرة "أساطيل الظل"، فالصين تكثف جهودها لاستيراد الغاز الروسي الخاضع للعقوبات الأمريكية، من خلال بناء نواة "أسطول ظل" محلي من السفن القادرة على نقل الوقود شديد التبريد، لتجاوز القيود المفروضة على قطاع النفط في الكرملين.

وفي هذا النطاق استوردت الهند 5.4 مليون طن من النفط الروسي بقيمة 1.2 مليار يورو، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2025، من خلال 30 سفينة تبحر تحت أعلام مزيفة، إذ تُعد الهند أكبر مستورد للنفط الروسي عبر أساطيل الظل، وفقًا لتقرير صادر عن مركز الأبحاث الأوروبي للطاقة والهواء النظيف "CREA".

ومن ناحية أخرى؛ تعمل روسيا منذ عام 2024 على بناء أسطول ظل خاص بالغاز الطبيعي المسال، وجمَعت أكثر من 10 ناقلات نفط مسجلة باسم شركات وهمية تمتد من روسيا إلى الهند، لكن من الناحية التطبيقية يحتاج هذا الأمر إلى تقنيات حديثة أكثر تعقيدًا في التحميل والشحن.

في ضوء المؤشرات التي تم عرضها يُمكن القول إن ظاهرة "أساطيل الظل" من المُحتمل أن تشهد تباطؤًا في وتيرة توسع النمو عام 2026، الأمر الذي شهده نهاية عام 2025، إذ تباطء نمو ظاهرة أساطيل الظل كما يوضح الشكل (3)، إذ بلغ حجم التباطؤ نحو 0.5%، نتيجة التأثر بالعقوبات.

الشكل (3): تطور حجم أساطيل الظل ومعدل النمو في الظاهرة من نوفمبر 2024 إلى أكتوبر 2025

ولكن على الجانب الآخر لا يُمكن الاعتقاد بأن هذه الظاهرة ستنخفض بشكل كبير أو تندثر عام 2026، إذ إنه وفقًا لمؤسسة ستاندرد آند بورز العالمية يتألف الأسطول الخفي الروسي من نحو 978 ناقلة نفط، بسعة إجمالية تبلغ 127 مليون طن، أي ما يُعادل نحو 18.5% من إجمالي أسطول ناقلات النفط في العالم، بزيادة نحو 45% عن تقديراتها عام 2024، فهذا النظام يسمح بتجارة كميات كبيرة من النفط الخام الخاضع للعقوبات، إذ نُقل ما يُقدر بنحو 337 مليون برميل يوميًا أكتوبر 2025.

وما يُعزز من هذا السيناريو أن هذه الظاهرة مدعومة بدول لها ثقل في النظام الاقتصادي العالمي، إذ تظل التدفقات مُركزة حول الصادرات الروسية، بينما تُحافظ الصين والهند على دورهما كمركزين رئيسين للطلب، كما أن البيانات تُشير إلى أن روسيا تسعى دائمًا إلى تغيير هويات السفن وأعلامها؛ لتهريب النفط.

في النهاية نستنتج أنه في ضوء مؤشرات عام 2025، يتضح أن ظاهرة أساطيل الظل لم تختفِ رغم تصاعد الضغوط الدولية، بل واصلت لعب دور محوري في الحفاظ على تدفقات صادرات النفط الروسية، ومع دخول عام 2026 من المُرجح أن تشهد أساطيل الظل تحولًا نوعيًا أكثر منه توسعًا كميًا، وبالتالي لا يعني تراجع عدد السفن بالضرورة تراجع الدور، بل قد يعني زيادة في تكلفة التشغيل وارتفاع مستوى المخاطر.

وعليه فعام 2026 قد يُمثل نقطة انعطاف لأساطيل الظل، فإما أن تستمر كأداة اضطرارية لكنها باهظة التكاليف ومحدودة الفعالية، أم تبدأ في التراجع التدريجي تحت ضغط دولي متصاعد يسعى لإغلاق الثغرات المتبقية في نظام العقوبات، وبذلك ستظل أساطيل الظل مرآة مباشرة للصراع بين منطق الالتفاف الاقتصادي ومنطق الردع الدولي.