شهدت أسعار النفط الخام وأسعار الغاز الطبيعي تباعدًا نادرًا في معدلات تغيرهما، خلال الأسبوع المنصرم، فقد عاود النفط الانخفاض مجددًا لمستويات ما قبل حرب أوكرانيا، حيث سجل خام برنت نحو 86.22 دولار للبرميل في 18 نوفمبر 2022، فيما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس لأقل من 80 دولارًا للمرة الأولى منذ سبتمبر، بنسبة تراجع تصل 5.4% ليسجل نحو 77 دولارًا للبرميل.
في الوقت ذاته، أدى انخفاض درجات الحرارة، خلال الأسبوع المنصرم، إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، حيث ارتفعت أسعار العقود الآجلة للغاز، مسجلة أعلى من 6 دولارات خلال معظم أيام الأسبوع، وكانت أكبر قفزة في الأسعار، يوم الخميس؛ الذي ارتفعت فيه الأسعار بنحو 17 سنتًا ليسجل 6.37 دولار لكل ألف متر مكعب.
وفي ظل تزايد توقعات تراجع أسعار النفط، خلال الفترة المقبلة عن ارتفاعها، لا سيما وسط الانهيار الحادث في الطلب على النفط والمخاوف الاقتصادية، حيت يتوقع كثير من الخبراء حدوث ركود عالمي، وبالتالي لن تكون زيادة كبيرة في النفط على المدى القريب، ويحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤل التالي، وهو: ما أسباب انخفاض أسعار النفط خلال الفترة الراهنة؟
أبعاد معقدة:
يتزامن الهبوط الحادث في أسعار النفط، بالعديد من الأبعاد المُعقدة التي قد ترتبط بما يجري بأسواق الطاقة العالمية، ويمكن تناول أبرزها فيما يلي:
(*) استمرار ارتفاع صادرات الصين من الديزل: وفقًا لبيانات من الإدارة العامة الصينية للجمارك، فقد تضاعفت صادرات الديزل الصينية تقريبًا في أكتوبر 2022، مسجلة 1.06 مليون طن، مقارنةً بالشهر المقابل له في العام السابق، على الرغم من أنها أقل مما كانت عليه في سبتمبر 2022؛ التي سجلت فيه أعلى مستوى لها في 15 شهرًا (أي منذ يوليو 2021) بقيمة بلغت نحو 1.73 مليون طن، هذا وتتوقع شركة OilChem أن يصل إجمالي صادرات المنتجات البترولية الصينية في نوفمبر 2022، نحو 6 ملايين طن، وهو ما سيكون أعلى بنسبة 37٪ مما كان عليه في أكتوبر 2022.
(*) فرض سقف سعر النفط الروسي: تسعى مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى -التي تضم "الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، إيطاليا، وكندا)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي- تحديد مستوى سقف أسعار النفط الروسي، الأسبوع المقبل، فقد أعلنت كادري سيمسون؛ مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي، أن الاتحاد يتوقع استكمال لوائحه لتطبيق خطة مجموعة السبع لتحديد سعر النفط الخام الروسي، في الخامس من ديسمبر المقبل؛ حيث سيحظر الاتحاد الأوروبي واردات الخام الروسي، اعتبارًا من ذلك التاريخ، كما سيحظر منتجات النفط الروسية، اعتبارًا من 5 فبراير المقبل، في إطار مساعي المجموعة لاتخاذ كل التدابير من أجل حرمان روسيا من عائدات النفط وإجبارها على البحث عن أسواق بديلة.
(*) تخفيضات أوبك: انخفضت تدفقات الدول الأعضاء في مجموعة "أوبك"، خلال النصف الأول من شهر نوفمبر الحالي 2022، بنحو مليون برميل يوميًا، حيث تراجعت الشحنات السعودية وحدها بنحو 430 ألف برميل على الأقل يوميًا؛ بنسبة تراجع تقترب من 6%، مقارنة بالشهر السابق، وبالرغم من أنه من المرجح أن تحقق التدفقات زيادة طفيفة خلال النصف الثاني من الشهر الجاري، بيد أنها ستظل مسجلةً متوسط انخفاض شهري قدره مليون برميل في اليوم، وهو ما يعادل تقريبًا الخفض الكامل الذي تعهدت به المجموعة، ذلك الأمر الذي تتوقع وكالة "بلومبرج" أن يؤدي إلى صعوبة تجديد المخزونات العالمية خلال الأشهر المقبلة، فيما سيجتمع تحالف "أوبك+"، الذي يضم 23 دولة، في فيينا، 4 ديسمبر المقبل؛ لبحث سياسة إنتاج مطلع عام 2023.
(*) تعافي خادع: حققت أسعار النفط الخام الأسبوع المنتهي في 11 نوفمبر 2022، ارتفاعًا طفيفًا، عقب إعلان تخفيف قيود الإغلاق في الصين، الأمر الذي فسره البعض على أنه اقتراب لتعافي الطلب العالمي على النفط الخام، وما عزز من هذا التعافي الخادع تحسن بيانات التضخم الأمريكية، التي سجلت قيم أفضل من المتوقعة، ما ساعد على تجنب حدوث انخفاض كبير في أسعار النفط ذلك الأسبوع.
(*) توقعات سيئة: خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو استهلاك النفط العالمي العام المقبل، مرجعةً السبب وراء ذلك التخفيض لعدد كبير من عوامل الرياح المعاكسة للطلب، أبرزها احتمالات الركود المتزايدة، واستمرار توقعات تباطؤ اقتصاد الصين، وأزمة الطاقة في أوروبا، وارتفاع مؤشر الدولار.
عوامل متشابكة:
أسباب عدة من الممكن أن تفسر الانخفاض في أسعار النفط خلال الفترة الراهنة، تتمثل أبرزها فيما يلي:
(*) تزايد مخاوف الطلب الصيني: من المرجح أن تكون المخاوف المتزايدة بشأن ضعف الطلب الصيني على الوقود خلال الفترة المقبلة، تسببت بشكل مباشر على انخفاض أسعار النفط، لا سيما وأن تلك المخاوف طغت على المخاوف المرتبطة بانخفاض الإمدادات الروسية، الشهر المقبل، عندما تدخل عقوبات مجموعة السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي على الصادرات الروسية من الخام حيز التنفيذ.
(*) مخاوف الصين من عودة كوفيد- 19، شهدت الصين، التي من المتوقع أن تبطئ واردات النفط الخام من بعض المصدرين، ارتفاعًا في حالات كوفيد -19، فقد أشارت الحكومة الصينية، مطلع الأسبوع الماضي، إلى أن عدد الإصابات وصلت أعلى مستوى لها في ستة أشهر، ما أدى إلى زيادة المخاوف من انخفاض استهلاك الوقود في الصين؛ التي تمثل أكبر مستورد للخام بالعالم، ما دعا بنك الاستثمار جي بي مورجان "JPMorgan" الأمريكي، لتخفيض توقعاته الربع سنوية وكاملة العام للنمو الاقتصادي في الصين؛ بسبب قيود كوفيد -19 المستمرة.
(*) انحسار مخاوف العرض، بعد أن ارتفعت العقود الآجلة للشهر المقبل، شعر البعض بالقلق بشأن التوفر الفوري للنفط وكانوا على استعداد لدفع مبالغ كبيرة لتأمين الإمدادات المستقبلية، لكن أخذت مخاوف العرض في التضاؤل، خلال الفترة السابقة، فقد أظهرت بيانات منصة "أيكون" RefinitivEikon التابعة لشركة ريفينيتيف، المملوكة لمجموعة بورصة لندن للأوراق المالية، أن عقد خام غرب تكساس الوسيط الحالي يتم تداوله للشهر الثاني بقيمة أقل، وذلك لأول مرة منذ عام 2021.
(*) ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي، ترتبط أسعار النفط بقيم مؤشر الدولار الأمريكي؛ الذي يقيس العملة مقابل سلة من ستة من أقرانه، ارتباطًا عكسيًا، فكلما انخفضت قيمة مؤشر الدولار ارتفعت أسعار النفط، فقد ارتفع مؤشر الدولار، بنسبة 0.3%، ويتأثر مؤشر الدولار بأسعار الفائدة الآخذة في الارتفاع بالفعل مسجلة أربع زيادات متتالية، كما أنه من المتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع السياسة الخاص به في 13-14 ديسمبر المقبل، الأمر الذي يشير إلى استمرار ارتفاع مؤشر الدولار، خلال الفترة المقبلة، الذي بطبيعة الحال قد يؤدي لانخفاض أسعار النفط.
(*) تراجع التوترات الجيوسياسية، التقلبات في سوق النفط يمكن أن تتأثر بشكل ملحوظ بزيادة التوترات الجيوسياسية، فعندما أفادت التقارير الأولية إطلاق روسيا صاروخًا في قرية بولندية، ارتفعت أسعار النفط بنحو 2٪، لكن بعدما تم الإعلان عن أن الصاروخ يتبع الدفاع الجوي الأوكراني وانحرف عن مساره، ارتدت أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط إلى الانخفاض، حيث خفف هذا الإعلان من اتساع نطاق التوترات الجيوسياسية المتمثلة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واحتمالات امتدادها إلى بقية أنحاء المنطقة.
في النهاية، من المرجح أن تستمر أسعار النفط، خلال الفترة المقبلة في الانخفاض، وذلك للأسباب سالفة الذكر، التي من المتوقع أن تستمر على المدى القريب، وما قد يعزز من ذلك الاحتمال أنه على الرغم من أن الشركات الأمريكية، حتى الآن، لا تزال حذرة بشأن إنتاج المزيد من النفط، إلا أن وزارة الطاقة الأمريكية تتوقع استمرار معدل زيادة في الإنتاج المحلي خلال عام 2023؛ حيث إن الإنتاج المحلي الأمريكي الحالي سجل معدلات أعلى بنسبة 4 - 5% عن العام الماضي.