الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما اتجاهات الإرهاب في إفريقيا 2026؟

  • مشاركة :
post-title
ظاهرة الإرهاب في قارة إفريقيا

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

مع حلول عام 2026، تشهد القارة الإفريقية تحولات حادة في خريطة الإرهاب بعدما تراكمت خلال السنوات الماضية، عوامل سياسية وأمنية أعادت رسم مراكز العنف وحدود نفوذ التنظيمات الإرهابية. فقد أدى انسحاب البعثات الدولية من منطقة الساحل، وعلى رأسها بعثة الأمم المتحدة في مالي، إلى خلق فراغ أمني واسع أتاح لتنظيمات مرتبطة بـتنظيمي داعش والقاعدة توسيع عملياتها وتعزيز قدراتها على المناورة. وفي السياق ذاته، برز "داعش-ولاية الساحل" باعتباره التنظيم الأكثر تمددًا عبر الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بينما حافظت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" على حضور قوي في المناطق الريفية والمسارات التجارية.

وفي شرق إفريقيا، استمرت "حركة شباب المجاهدين الصومالية" في تنفيذ هجمات نوعية رغم تزايد الضغوط الصومالية والإقليمية، في حين واصل تنظيم "داعش-وسط إفريقيا" توسعه في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، مستهدفًا مواقع النفط والغاز ومناطق التعدين، في إشارة إلى انتقاله نحو إستراتيجية اقتصادية تهدف إلى تأمين مصادر تمويل ثابتة. كما شهدت نيجيريا تغيرًا في نمط هجمات "بوكو حرام"، إذ انخفضت العمليات واسعة النطاق مقابل تصاعد الهجمات الخاطفة، التي تستهدف المدنيين والقوات المحلية. وتوازَى ذلك مع تمدُد تدريجي للعنف نحو دول خليج غينيا، خاصة بنين وتوجو، التي أصبحت مسرحًا لهجمات حدودية متزايدة تستغل ضعف الرقابة الأمنية.

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما اتجاهات الإرهاب في إفريقيا 2026؟

اتجاهات متنامية

تتعدد أنماط واتجاهات العمليات الإرهابية في إفريقيا مع حلول عام 2026، يمكن ملاحظتها من خلال:

(*) استهداف شرايين الاقتصاد في دول الساحل الإفريقي: أُولى اتجاهات الإرهاب في 2026 يتجلى بوضوح في منطقة الساحل، حيث تطورت عمليات تنظيم القاعدة من الهجوم على مواقع عسكرية صغيرة إلى استهداف البنية التحتية الحيوية للدول، خاصة الوقود والطرق التجارية. مثال ذلك هجوم بوجوني في جنوب مالي، الذي استهدف قافلة من صهاريج الوقود تحرسها وحدات الجيش في السابع من ديسمبر 2025، وأسفر عن إحراق ما لا يقل عن 15 شاحنة. ويعكس هذا النوع من الهجمات إستراتيجية مزدوجة وهي خنق العاصمة اقتصاديًا من خلال تعطيل تدفق الوقود، بجانب إظهار عجز الحكومة المالية عن تأمين الطرق الحيوية، كما يعكس الهجوم استعداد الجماعات المسلحة للعودة إلى مستويات عنف عالية بعد فترت تهدئة تكتيكية وهو سلوك متكرر لدى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، لاستعادة المبادرة وإرباك القوات الحكومية.

ويلاحظ أيضًا أن تكثيف الهجمات ضد الإمدادات اللوجستية يأتي متزامنًا مع إعلان الجماعة، أنها نفذت خلال شهر واحد أكثر من 70 عملية في الساحل وغرب إفريقيا، بعضها في مناطق جديدة مثل شمال نيجيريا، وهذا يشير إلى أن 2026 قد يشهد توسعًا إضافيًا في إستراتيجيات الحصار الاقتصادي

(*) الإرهاب الحضري في جنوب إفريقيا: يكشف حادث بريتوريا الأخير في السادس من ديسمبر 2025، عندما اقتحم ثلاثة مسلحين فندقًا وأطلقوا النار عشوائيًا ما أسفر عن مقتل 11 شخصًا بينهم طفل، عن نمط مغاير من العنف داخل القارة الإفريقية. ورغم عدم إدراج الواقعة رسميًا ضمن خانة الهجمات الإرهابية، فإن سماتها تتقاطع بوضوح مع خصائص الإرهاب الحضري، لا سيّما استهداف المدنيين في موقع مزدحم، وغياب دوافع مُعلنة، وتنفيذ منظم نسبيًا في توقيت ليلي. ويبرز الحادث اتجاهين مركزيين مع دخول عام 2026: الأول، انزلاق الجريمة المنظمة إلى مستوى عنفي يُشابه الإرهاب في دول تعاني هشاشة ضبط السلاح وانتشار العصابات؛ والثاني، احتمال انتقال نشاط الجماعات المتطرفة إلى المراكز الحضرية الكبرى، مستفيدة من ثغرات الأمن الداخلي وكثافة السلاح حتى في دول لا تُعد تقليديًا ساحات نشاط للتنظيمات الإرهابية مثل جنوب إفريقيا.

(*) تمرد الميليشيات المُدربة خارجيًا: تُمثل أزمة ميليشيا "أي أي كي جي" في جمهورية إفريقيا الوسطى نموذجًا دالًا على اتجاه ثالث متصاعد في 2026، يتمثل في تحول الميليشيات المحلية، التي أُنشئت لأغراض دفاعية إلى جماعات متمردة خارجة عن السيطرة. فقد أُسند لهذه الميليشيا، التي تلقت تدريبًا ودورًا تكميليًا من فاجنر لدعم الجيش في مواجهة المتمردين الفولانيين، مهام أمنية محددة قبل أن تتحول إلى قوة مستقلة نفذت هجمات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص ونزوح آلاف المدنيين. وتكشف الحالة عن مسارات خطرة، أبرزها تآكل سيادة الدولة نتيجة الاعتماد المفرط على الفاعلين الخارجيين والميليشيات، وتضخم القدرات التسليحية والتعبوية لهذه الجماعات بما يتجاوز الضبط الحكومي، فضلًا عن تسييس الهويات العرقية بما يعمّق الانقسام المجتمعي ويؤسس لدورات عنف لاحقة.

(*) التوسع الجغرافي والهيكلي للقاعدة في الساحل وغرب إفريقيا: يبرز اتجاه رابع يُتمثل في التمدُد المتسارع لتنظيم القاعدة وفروعه عبر الساحل وغرب إفريقيا، إذ تفيد تقديرات بتجاوز عدد مقاتليه 18 ألف عنصر، مع تنفيذ أكثر من 70 عملية خلال نوفمبر 2025 وحده، توزعت بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبنين ونيجيريا. ويتسم هذا التوسع بخصائص جديدة، أبرزها التغلغل نحو تخوم دول مثل ساحل العاج وموريتانيا والسنغال، وتقدم الكتائب الميدانية مثل "كتيبة حنيفة"، إلى جانب تراجع العمليات الانغماسية، بما يعكس شعور التنظيم بصلابة السيطرة على خطوط الإمداد دون الحاجة إلى الهجمات الانتحارية.

سيناريوهات واردة

مع استمرار إعادة تشكيل خريطة الإرهاب في إفريقيا خلال عام 2026، تبدو ملامح المرحلة المقبلة مرشحة لعدد من الاتجاهات، التي ستؤثر على توازنات الأمن الإقليمي، فمن المتوقع:

(*) مواصلة تنظيم "داعش–ولاية الساحل" تعزيز حضوره في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو: إذ يمكن للتنظيم الاستفادة من الفراغ الأمني وغياب التنسيق بين الجيوش الوطنية، وهو ما سيفتح الباب أمام زيادة الهجمات على المراكز الإدارية ومحاور النقل التجارية. وفي المقابل، يُرجح أن تركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على توسيع نفوذها في المجتمعات الريفية عبر آليات مزيج من الترهيب وفرض الضرائب، بهدف بناء شبكات نفوذ محلية تمنحها عمقًا اجتماعيًا أطول مدى.

(*) اتباع حركة شباب المجاهدين الصوماليين إستراتيجية مزدوجة في شرق إفريقيا: إذ تسعى الحركة إلى أن تجمع بين الحفاظ على قدرتها على تنفيذ هجمات نوعية داخل الصومال، ومحاولة استهداف مصالح إقليمية في كينيا وإثيوبيا ردًا على الضغوط العسكرية. كما ستسعى "داعش-وسط إفريقيا" إلى تطوير عملياتها في شمال موزمبيق والكونغو، من خلال استهداف مواقع الطاقة والموارد، ما سيجعل الاقتصاد ضمن دائرة الصراع المباشر.

(*) اتجاه العديد من دول إفريقيا إلى بناء تحالفات أمنية ثنائية بدل الاعتماد على منصات متعددة الأطراف: فمن المتوقع -خاصة بعد انسحاب بعثات دولية من الساحل- أن يزداد التعاون العسكري مع القوى الخارجية مثل روسيا والصين، سواء عبر التدريب أو نشر قوات استشارية، في ظل تراجع الدور الفرنسي الراهن والمستمر.

(*) الضغط على حكومات دول خليج غينيا لتعزيز الحدود الشمالية: من المرجح أن يتم توسيع برامج مكافحة التطرف المجتمعية لمنع تحول الهجمات المحدودة إلى نمط مستقر، كما ستعمل هذه الدول على إدماج أنظمة مراقبة رقمية وطائرات مسيّرة منخفضة التكلفة لتعويض ضعف الانتشار البري.

ختامًا، يشير المسار العام إلى أن عام 2026 قد يتحول إلى محطة مفصلية في تطور ظاهرة الإرهاب بإفريقيا، إذ تتغير أنماط المواجهة بالتوازي مع انتقال العنف إلى ساحات غير تقليدية، واستمرار الجماعات المسلحة في إعادة ضبط إستراتيجياتها وفق البيئة السياسية والأمنية المتقلبة. وتظل هشاشة مؤسسات معظم الدول الإفريقية، وتداخُل الأدوار الخارجية، وغياب التنسيق الإقليمي الفعّال، عوامل بنيوية تُغذي انتشار الإرهاب وتُعدِد تجلياته. ورغم أن بعض الأدوات، مثل التسويات السياسية واحتواء الميليشيات وبناء القدرات الأمنية، قد تُسهم في الحد من هذه الظواهر، فإن المؤشرات المتاحة تعكس اتجاهًا تصاعديًا نحو انتشار جغرافي أوسع، وتعقيد متزايد في مشهد الإرهاب الإفريقي خلال عام 2026.