في ظل تصاعد الهجمات المسلحة التي تشنّها جماعة بوكو حرام داخل نيجيريا والدول المجاورة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص في أبريل 2025، لجأت الجماعة بشكل متزايد إلى استغلال الأدوات الرقمية لتعزيز نفوذها وتوسيع وجودها. حيث يعتمد الجهاديون وأنصارهم في نيجيريا على تطبيق "تيك توك" كمنصة دعائية يُظهرون من خلالها الأسلحة والذخائر وأموالًا ضخمة في مقاطع فيديو يسهل الوصول إليها، وتُبث هذه المقاطع مباشرة بالتعاون مع حسابات يديرها أشخاص يروجون لأفكار معادية للغرب، في تكرار لأساليب زعيم بوكو حرام السابق أبو بكر شيكاو. وقد سبق أن استُخدم "تيك توك" من قِبل عصابات تنفذ هجمات وعمليات خطف في شمال غرب نيجيريا، حتى شكّل البث المباشر تحديًا جديدًا للرقابة.
ورغم إزالة بعض الحسابات، تظل أخرى نشطة، وتتعاون في عرض مشاهد لعمليات نهب أسلحة، كما تنشر الجماعة تسجيلات قديمة لمحمد يوسف، مؤسس الجماعة، وعيسى غارو السلفي، المعروف بخطابه المتطرف. وتتفاعل هذه الحسابات بانتظام مع المتابعين، وتُجيب على الأسئلة، وتجمع تبرعات رقمية قابلة للتحويل إلى أموال حقيقية. وتوظف بوكو حرام أفرادًا شبابًا لإنتاج المحتوى الدعائي، خاصًة أن ظهور الوجوه في المقاطع يُستخدم كأداة استراتيجية لخلق شعور بالثقة والجرأة، في رسالة واضحة مفادها أن الجهاديين ليسوا خائفين، وأنهم أشخاص حقيقيون يسعون للتأثير على جمهورهم بشكل مباشر وفعّال.
تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: كيف تستغل "بوكو حرام" تطبيق "تيك توك" لتوسيع نفوذها في غرب إفريقيا؟
أهداف متداخلة
استغلت بوكو حرام تطبيقات مثل "تيك توك"؛ لتحقيق مجموعة من الأهداف المتداخلة، تتمثل في:
(*) التمدُد والاستقطاب: مع تراجع وجود بوكو حرام في بعض المناطق، اتجهت إلى تطبيق "تيك توك" كمنصة عابرة تمكّنها من إيصال رسائلها إلى جمهور إقليمي ودولي، خاصًة في دول الساحل الإفريقي مثل مالي والنيجر وتشاد والكاميرون. فمن خلال بث رسائل تدين الحكومات الإفريقية وتدعو إلى نصرة الإسلام عبر الحدود، تعمل بوكو حرام على خلق شعور مشترك بالانتماء العقائدي يتجاوز الحدود القومية؛ لتأسيس نفوذ إقليمي دائم تحت راية أيدولوجيتها المتشددة.
كما تُستخدَم الحملات الإعلامية الموجهة بلغة محلية وعالمية مثل الهاوسا والفرنسية والإنجليزية؛ لاستقطاب مجندين جدد وتمهيد الأرضية الفكرية والاجتماعية لتوسيع العمليات المسلحة في دول الجوار. ومن خلال رسائل موجهة ومنمّقة، تستخدم بوكو حرام "تيك توك"؛ لجذب عناصر جديدة من الشباب، مستفيدين من شعبية التطبيق بين الفئات العمرية الصغيرة، ومن ثم تغرس في الأذهان صورة المجاهد الذي يُكافأ بالجنة، وتلعب على وتر الإحباط الاقتصادي والاجتماعي والديني لدى الشباب في شمال نيجيريا ودول الساحل.
(*) تأمين مصادر تمويل جديدة: مع القيود المشددة على التمويل التقليدي والضغط العسكري الذي تعاني منه بوكو حرام، أصبحت الأدوات الرقمية وسيلة بديلة وفعّالة لجمع الأموال، إذ تلعب الفيديوهات دورًا في استدرار عطف الجمهور من خلال عرض صور للأطفال أو سكان محليين يعانون، ما يسهم في الحصول على دعم مالي ولوجيستي. وتستخدم الجماعة رسائل مشفرة وروابط تدعو فيها إلى دعم الجهاد بالمال، وتوضح تعليمات واضحة لكيفية إرسال التبرُعات، بما في ذلك العملات المشفرة لتجاوز الرقابة وتفادي التتبُع، ويتم توظيف هذه الأموال في شراء الأسلحة أو دفع رواتب المقاتلين أو توفير خدمات محلية تساعد الجماعة في استدامة عملياتها.
(*) إرباك الخصوم: تخلق المقاطع المنتشرة انطباعًا بأن الجماعة لا تزال قوية، ما يُربك الخصوم من الجماعات الأخرى ويُخيف المجتمعات المحلية، خاصًة أنهم يظهرون بوجوه مكشوفة؛ حتى يبثون رسالة بأنهم يتعاملون مع أشخاص حقيقيين دون خوف. هذا الإرباك يتجاوز البُعد العسكري إلى البُعد النفسي والإعلامي، إذ تُستخدم المقاطع لبث الخوف والشك داخل صفوف الخصوم، وإظهارهم بمظهر العاجزين عن الرد أو السيطرة، وتشتيت انتباههم. وتلجأ إلى نشر محتوى مرئي كثيف يُضخّم من إنجازاتها عبر مقاطع فيديو تحوي مشاهد إعدامات أو استعراض قوات مسلحة؛ لفرض حضورها الرمزي وتعويض خسائرها بنجاحات إعلامية تؤثر نفسيًا على الخصوم.
انعكاسات محتملة
في هذا السياق، تبرز عدة انعكاسات محتملة نتيجة استغلال بوكو حرام لـ"تيك توك"، أهمها:
(*) إعادة إنتاج الزعامة الأيديولوجية والرمزية: عبر إعادة نشر مقاطع قديمة لرموز مثل محمد يوسف وأبو بكر شيكاو، تسعى الجماعة إلى ترسيخ الإرث الجهادي وبث الحنين لخطابها التأسيسي. هذا الاستخدام الذكي للمواد المؤرشفة يُعيد إحياء السردية العقائدية ويوفر مرجعية تربط الجيل الحالي بالقيادات السابقة، ما يُقوّي البنية الرمزية للتنظيم، ويشير إلى رغبة في ملء الفراغ الرمزي وفرض رموز جديدة تمثل امتدادًا فكريًا وأسلوبًا إعلاميًا مُستحدثًا للقيادة السابقة. وبهذا، يتيح "تيك توك" للجماعة فرصة تشكيل جيل جديد من القادة الرمزيين يُعيدون إنتاج زعامة الجماعة في صورة تتواءم مع المنصات الجديدة، بما يعزز الاستمرارية التنظيمية.
(*) تصاعُد الضغط على "تيك توك" والحكومات: سيزيد استخدام المنصة لأغراض إرهابية من الضغوط على الشركة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، كما سيجبر الحكومات على تطوير أدوات رقابة وتشريعات رقمية أقوى، ما يعكس تحديًا مباشرًا للدولة. فالرسالة الضمنية مفادها أن الدولة عاجزة عن الردع أو المراقبة، كما أن صعوبة تتبع البثوث الحية وحذف الحسابات بشكل فوري يُربك الأجهزة الأمنية ويعقّد من عملية المواجهة الإعلامية واللوجستية.
(*) اتساع قاعدة التأييد والتجنيد: من خلال المحتوى التفاعلي والدعاية المباشرة، قد تتمكن بوكو حرام من جذب عناصر جديدة من خارج مناطق نفوذها التقليدية، بما في ذلك من دول مجاورة أو من الجاليات الإفريقية في الخارج، ومن ثم إتاحة الفرصة للجماعة للظهور أمام جمهور واسع يتجاوز البيئة الجغرافية والمجتمعية التقليدية في شمال شرق نيجيريا. وباستخدام عناصر الجذب البصري، يمكن أن يسهم ذلك في تحويل بعض المتابعين من مجرد مشاهدين إلى متعاطفين ثم إلى داعمين، وقد ينتهي المطاف ببعضهم إلى حمل السلاح وإدراجهم ضمن أعضاء الجماعة.
ختامًا، يتضح أن جماعة بوكو حرام نجحت في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما تطبيق "تيك توك"، كأداة استراتيجية لتعزيز حضورها الإعلامي وتوسيع نطاق تأثيرها بشكل غير مسبوق. ولا تستخدم بوكو حرام هذه المنصات لمجرد نشر الدعاية، بل تسخّرها لتحقيق أهداف متعددة. وتجاوزت بوكو حرام بذلك حدود الصراعات التقليدية إلى ساحات إلكترونية جديدة، ما يعكس تحوّلًا في طبيعة الحروب الإعلامية والنفسية التي تخوضها الجماعات المسلحة، ويعزز من قدراتهم على البقاء والتوسع رغم الضغوط الأمنية. لذا، لابد من بذل الجهد من قِبَل كل من الحكومات وإدارة المنصات التقنية للحد من الانتشار السريع لتلك التنظيمات، ومن ثم إعادة الاعتبار للحقيقة في معركة تبدو فيها الكاميرا أحيانًا أخطر من الأسلحة.