الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المسارات المحتملة لتحديات الدولة اللبنانية خلال 2026

  • مشاركة :
post-title
احتفل لبنان بعيد الاستقلال الـ82 في 22 نوفمبر الماضي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تواجه الدولة اللبنانية في عيد استقلالها الثاني والثمانين -الذي يوافق 22 نوفمبر 1943 بإنهاء الاحتلال الفرنسي، وهي أيضًا على مشارف العام الجديد- العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، التي سيكون لها تأثيرها الممتد على التفاعلات الداخلية والخارجية خلال عام 2026، لا سيّما أن ثمة إصرار من القيادة السياسية اللبنانية على إتمام مهمة حصر السلاح بيد الدولة، وعدم اقتصار ذلك على نزع سلاح حزب الله فقط، بل ليمتد ليشمل نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية، في المقابل يتبنى مسؤولو حزب الله وفي مقدمتهم أمينه العام نعيم قاسم، الذي لا يتحدث عن نزح سلاح الحزب بل يطرح شروطًا وسياقات يجب أن تتحقق قبل البدء في تلك العملية، لتشمل تلك الشروط انسحاب إسرائيل وفقًا للاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية، نوفمبر 2024، فضلًا عن المطالبة بإتمام إعادة الإعمار، وعودة الأهالي للجنوب بشكل نهائي.

هذا التمايز في الرؤى يطرح تساؤلًا رئيسيًا حول مدى قدرة لبنان على نزع سلاح حزب الله، خلال العام المقبل، وهل تُسهم السياقات الدولية والإقليمية في مساندة ذلك التوجه، أم أن ثمة عوامل داخلية لا زالت قادرة على مواجهة تنفيذ القرار الذي يحظى بمساندة دولية؟، إذ تربط المؤسسات الدولية المانحة بين تنفيذه ومساندة الاقتصاد اللبناني الذي يحتاج إلى هذا الدعم، في ظل تردي أوضاعه من ارتفاع للمديونية الخارجية، وتنامي ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار. وهو ما وضع البلاد على حافة الانهيار المالي، في ظل تدهور قيمة العملة الوطنية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتراجع ثقة المجتمع الدولي بقدرة لبنان على تفيذ الإصلاحات الجذرية للخروج من الأزمة الاقتصادية المعقدة.

مقومات داعمة

على الرغم من أن مسألة نزع سلاح حزب الله تواجه ممانعة من مسؤولي الحزب وحاضنته الشعبية التي تراجعت، إلا أن هناك العديد من المقومات الداعمة لذلك التوجه، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) الإطار التشريعي الدولي: جاء صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي، أغسطس 2006، لينص على وقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وتأكيد وحدة وسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليًا كما هو وارد في اتفاقية الهدنة الإسرائيلية الموقعة 23 مارس 1949. كما تبنى القرار انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، ووقف الانتهاكات المتكررة للسيادة اللبنانية، وتمكين مؤسسات الدولة اللبنانية والجيش اللبناني من الاضطلاع بمسؤولياتها في حفظ الأمن. وتختلف مواقف القوى اللبنانية من مسألة نزع سلاح حزب الله. ففي حين يرفض حزب الله أي محاولة لنزع سلاحه، الذي يعتبره عنصرًا مركزيًا في إستراتيجيته الدفاعية ضد إسرائيل، فإن القوى السياسية الداعمة لتيار السيادة اللبناني ترى أن استمرار الوضع الراهن يضعف سيادة لبنان، ويؤثر في قراراته السياسية والاقتصادية، كما يعزز من منطق الدولة داخل الدولة أو -دولة برأسين- إذا جاز التعبير.

(*) موقف الحكومة اللبنانية: يتبنى رئيس الجمهورية جوزاف عون منذ وصولة سُدة الحكم مبادرة نزع سلاح حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة، إذ يعتبر أن عناصر من حزب الله يمكن إعادة تأهيلهم وتنظيمهم في دورات عسكرية ليكونوا لائقين للالتحاق بالجيش اللبناني أسوة بما تم إلحاق بعض عناصر الميليشيات بالقوى الأمنية والجيش بعد انتهاء الحرب الأهلية مطلع التسعينيات. كما يتبنى رئيس الوزراء الجديد نواف سلام، مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وجعل عام 2025 عامًا لهذا الغرض وفقًا لطرح الرئيس اللبناني جوزاف عون. وهو التوجه الذي ورد في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام عقب تشكيلها، وأكده أيضًا في تصريحات له نهاية نوفمبر 2025، أن المرحلة الأولى من حصر سلاح حزب الله يُفترض أن تنتهي مع نهاية عام 2025، وتشمل جنوب الليطاني، إذ يجب إزالة السلاح والبنى التحتية العسكرية، موضحًا أن المرحلة الحالية في شمال الليطاني تقوم على مبدأ احتواء السلاح، أي منع نقله واستخدامه، على أن يتم لاحقًا الانتقال إلى المراحل الأخرى لحصر السلاح في مختلف المناطق.

(*) تراجع قدرات حزب الله: تعرض حزب الله عقب عملية طوفان الأقصى وخلال عام 2024، لسلسلة من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت بنيته العسكرية وقياداته البارزة، وهو ما عكس انكشاف الحزب بعد اغتيال عدد كبير من قياداته في مقدمتهم فؤاد شكر، يوليو 2024، مرورًا بالأمين العام للحزب حسن نصر الله، وعدد من قيادات الصف الأول في غارة إسرائيلية، سبتمبر 2024، وصولًا لإعلان تفاصيل الغارة 29 نوفمبر 2025، التي استهدفت هيثم الطبطبائي، الرجل الثاني في حزب الله، عبر ضربة مفاجئة لشقة في الضاحية الجنوبية. يضاف إلى ذلك عملية البيجر التي نفذتها إسرائيل، سبتمبر 2024، تبعها بيوم واحد تفجير أجهزة اللاسلكي ووكي توكي، ما أدى إلى مقتل 39 شخصًا وإصابة أكثر من 3400 آخرين. هذه العمليات أسهمت في تراجع القدرات الميدانية للحزب، وأثرت على صورته أمام حاضنته الشعبية التي تكلفت العبء الأكبر لتلك المواجهات.

(*) سقوط نظرية الردع: يشكل إخفاق حزب الله في مواجهة الهجمات الإسرائيلية ضد الجنوب اللبناني، التي استهدفت بنيته وقادته إلى سقوط نظرية الردع، التي وظفها الحزب ضد كل المبادرات المطالبة بنزع سلاحه وحصره بيد الدولة. وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في التصريحات السابق الإشاره إليها بالقول "الحزب يقول إن سلاحه يردع الاعتداء، واردع يعني منع العدو من الاعتداء، لكنه اعتدى والسلاح لم يردعه.. هذا السلاح لم يحم لا قادة الحزب ولا اللبنانيين وممتلكاتهم، والدليل على ذلك عشرات القرى الممسوحة".

(*) رؤية المؤسسات الاقتصادية الدولية المانحة: تربط المؤسسات الاقتصادية الدولية المانحة ما بين نزع سلاح حزب الله، وإطلاق المعونات الاقتصادية إلى لبنان. وفي ظل معاناة الاقتصاد اللبناني وحاجته الماسة إلى خطة إنقاذ دولية، فإن ذلك الربط يُسهم في مساندة الدولة لتعزيز رؤيتها في نزع سلاح حزب الله وحصر السلاح بيدها على اعتبار أنه يُمثل حقًا سياديًا للدولة وأحد أهم وظائفها التي تتنوع ما بين الوظائف الدفاعية والأمنية، والاستخراجية، والتوزيعية، وغيرها من الوظائف التي تُعد حقًا حصريًا للدولة دون غيرها.

قيود متنوعة

على الرغم من وجود العديد من المقومات الداعمة لنزع سلاح حزب الله، إلا أن هناك العديد من القيود التي تُشكل عوائق في الأمد المنظور، وهو ما يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) موقف حزب الله: يرفض الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم تخلي حزب الله عن سلاحه، الذي اعتبره صمام أمان للبنان ضد الأطناع الإسرائيلية ففي تصريحات له، 18 أبريل 2025، أكد أن تخلي الحزب عن سلاحه ليس مطروحًا بالكلية، بل إن المطروح دخول الحزب في حوار مع الدولة ومختلف الأحزاب والقوى برعاية رئيس الجمهورية. وتماشيًا مع ذلك جاء تأكيده في 27 نوفمبر 2025، أن الحكومة اللبنانية يجب أن تضمن أولًا امتثال إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه 27 نوفمبر 2024، قبل إجراء محادثات بشأن إستراتيجية الدفاع الوطني، مضيفًا أن المقاومة ستبقى سدًا منيعًا لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها ولن تتمكن إسرائيل من البقاء في لبنان ولا من تحقيق مشروعها التوسعي من خلال لبنان.

(*) المساندة الإيرانية: على الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة أظهرت ضعف الأذرع الإيرانية في الإقليم التي لطالما اعتبرتها طهران ركائز مؤثرة لنقل مواجهاتها مع القوى الدولية والإقليمية، بعيدًا عن الأراضي الإيرانية في إطار الحروب بالوكالة، إلا أن التحالف الإستراتيجي بين حزب الله وإيران وبرغم ما أصابه من فتور فهو لا زال يُشكل أحد التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية لنزع سلاح الحزب، الأمر الذي تجسد في انسحاب وزيرين خلال منافشات مجلس الوزراء اللبناني لهذا الأمر. كما جاءت تصريحات مستشار المرشد الإيراني على أكبر ولايتي، 9 أغسطس 2025، بأن بلاده تُعارض قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، مؤكدًا أن البنية الأساسية لحزب الله لا زالت قوية جدًا.

(*) القدرات العسكرية لحزب الله: وفقًا لصحيفة تايمز البريطانية، فإن الحزب يمتلك نحو 150 ألف صاروخ، إضافة إلى امتلاكه طائرات مُسيّرة وقذائف هاون ومدفعية صاروخية، كما أن لديه شبكة من الأنفاق المنتشرة في جنوب لبنان وعلى الحدود السورية اللبنانية. كما يمتلك الحزب ما يقرب من 50 ألف مقاتل متدربين على القتال كجيش نظامي. كما يستطيع الحزب إطلاق رشقات صواريخ من جنوب لبنان، لتدمير المراكز السكانية والبنية التحتية في شمال إسرائيل وصولًا إلى حيفا وتل أبيب، وما يمثله كل ذلك من استنزاف ممتد لإسرائيل في تلك العمليات. وللمفارقة فإن تلك القدرات -ووفق العديد من المحللين- لا يمكن استخدمها لاستهداف نوعي داخل العمق الإسرائيلي، إلا من خلال الموافقة الإيرانية، التي يقوم تصورها على رفض الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، والحفاظ على قواعد الاشتباك -التزم بها الحزب- منذ عملية طوفان الأقصى واتجاهه نحو إسناد المقاومة فقط، وتخفيف الضغط عليها من إسرائيل.

مساران محتملان

على خلفية الفرص والقيود السابق الإشارة إليها لنزع سلاح حزب الله، فإن ثمة مسارين لا ثالث لهما:

المسار الأول: استعادة دور الدولة اللبنانية وقدرتها على القيام بوظائفها الرئيسية، وكذلك تلبية الخدمات العامة للمواطنين، الأمر الذي سيسهم في نزع سلاح كل الميليشيات ومنها حزب الله، وحصر السلاح بيد الدولة، لا سيّما وأن الجيش اللبناني لا يزال يُمثل مؤسسة متماسكة بعيدة عن المحاصصة الطائفية باعتباره جسدًا جامعًا لمختلف الطوائف قادرة على أن تكون نواة صلبة لدعم الاستقرار في لبنان والحيلولة دون الفوضى، ونجح في لحظات حرجة في منع انهيار الدولة بالكامل. لذلك فإن ممارسة السيادة ترتبط بحصرية القوة بشكل فعّال من قبل الدولة، وتدشين مؤسسات قادرة على الوفاء بالتزاماتها وذات ملاءة مالية، وشرعية كافية لربط المكونات المجتمعية بالدولة. وهو ما تحتاجه الدولة اللبنانية خلال عام 2026.

المسار الثاني: الإخفاق في نزع سلاح حزب الله في ظل إصرار قادته على أنه يُشكل أداة لردع إسرائيل، ومنع تمددها أو قضم أراضٍ جديدة، في ظل المشروع الاستيطاني لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. هذا الإخفاق سيتوقف التعامل معه مع مدى قدرة الدولة على إدارة حوار داخلي يُسهم في تقريب وجهات النظر بين الجانبين بدلًا من الذهاب إلى السيناريو الأسوأ لمواجهات طائفية لا يعرف مداها. وهنا يصبح العبء الأهم على القوى الدولية الداعمة لاتفاق وقف إطلاق النار وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على إسرائيل للالتزام بالانسحاب من الجنوب اللبناني لتسهيل مهمة الدولة اللبنانية في حصر السلاح بيدها. وهو ما أفصح عنه الرئيس اللبناني جوزاف عون، في تصريحات له بأنه يقول للأمريكيين اضغطوا على إسرائيل للانسحاب وستتكفل الدولة اللبنانية فيما بعد بإبعاد حزب الله عن المواجهة.

إجمالًا تسعى الدولة اللبنانية: لنزع سلاح حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة، وتطالب القوى السياسية اللبنانية بانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، حتى تتمكن الدولة من نزع سلاح الحزب الذي يردد شعارات المقاومة ضد العدو، الخطاب الذي أضحى لا يلقى قبولًا لدى الحاضنة الشعبية الداعمة له بعد الهزائم، التي تعرض لها في الآونة الأخيرة. وهو الأمر الذي يجعل من نزع سلاح حزب الله أو انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وأيهما يتحقق أولًا أقرب إلى مسار دائري لن يتحقق أي منهما في الأمد المنظور.