في لحظة سياسية متوترة، تقف الحرب الأوكرانية عند نقطة تتجاوز حدود الميدان إلى أروقة الكرملين، وبينما يتوافد مبعوثو الإدارة الأمريكية إلى موسكو لإعادة ترتيب أوراق الخطة المعدّلة لإنهاء الحرب، يرفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سقف المواجهة بتصريحات حادّة، محذّرًا أوروبا ومتوعدًا أوكرانيا، في وقت يُبدي فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تفاؤلًا حذرًا إزاء ما قد تسفر عنه المحادثات.
لقاء الكرملين
التقى مبعوثا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، في الكرملين للتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتأتي هذه المحادثات بعد حذف بنود تتعلق بما وُصف بـ"استسلام أوكرانيا" مؤقتًا، وهو تعديل سبقته لقاءات في فلوريدا مع ممثلي كييف.
واعتمد مبعوثا ترامب خطة من 20 نقطة بعد تعديل خطة أولية كانت من 28 نقطة، صيغت خلال نقاشات مع مسؤولين روس، وعندما تسرّبت تفاصيل الخطة الأولى، أثارت قلقًا واسعًا في كييف وعواصم أوروبية بسبب تضمّنها مطالب روسية متطرفة، من بينها انسحاب أوكرانيا من دونباس، والاعتراف بسيطرة موسكو على 19 بالمئة من الأراضي الأوكرانية، وتقليص الجيش الأوكراني، وتثبيت عدم الانضمام إلى الناتو. ورغم التعديلات اللاحقة، ما تزال القضايا الأساسية محلّ خلاف.
قلق أوكراني
وحسب صحيفة ذي كييف أندبندنت الأوكرانية، تخشى كييف وبروكسل أن يستغل الروس القمة لمحاولة إقناع ترامب بالضغط على أوكرانيا للقبول بتنازلات مؤلمة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الخطة لا تزال تتضمن "قضايا شائكة"، خصوصًا ما يتعلق بالملف الإقليمي.
وأعرب زيلينسكي عن تفاؤل حذر، معتبرًا اللحظة الحالية من أصعب وأفضل اللحظات في آنٍ واحد، مشدّدًا على أن أي حلّ "لن يكون سهلًا". وحذّر من اتخاذ قرارات "من وراء ظهر أوكرانيا".
وأشار إلى أنه ينتظر تحديثًا من الأمريكيين بعد لقائهم بوتين، موضحًا أن النقاط الأكثر تعقيدًا تتعلق بـ"الأرض والأموال"، بما في ذلك استخدام الأصول الروسية المجمّدة لإعادة إعمار بلاده، وهو ما تعتبره موسكو سرقة. كما شدّد على الحاجة إلى ضمانات أمنية قوية، مع إدراكه أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو غير واقعي حاليًا.
موقف موسكو
تُعقد المحادثات بعد تعديل الخطة الأمريكية، لكن الصياغة النهائية لم تُكشف بعد، ما يجعل الموقف الروسي غير واضح. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا أنه غير مستعد لتقديم تنازلات كبيرة، مجددًا التهديد بالعمل العسكري إذا لم تنسحب كييف من المناطق التي لا تزال تسيطر عليها في دونباس.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا منفتحة على التفاوض، لكنه شدّد على أن أي محادثات يجب أن تحقق أهداف موسكو المعلنة منذ بدء الغزو في فبراير 2022.
معركة بوكروفسك
أعلن الكرملين أن الجيش الروسي أكمل السيطرة على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في دونيتسك، بعد معارك استمرت أكثر من عام وتكبّدت فيها روسيا خسائر كبيرة، ويُنظر إلى الإعلان باعتباره محاولة للتأثير على محادثات الكرملين.
لكن كييف نفت السيطرة الروسية الكاملة، مؤكدة أن قواتها ما تزال في الأجزاء الشمالية من المدينة.
وقبيل اجتماع الكرملين، أكد بوتين أن بوكروفسك تحت السيطرة الروسية الكاملة، معتبرًا أنها "ذات أهمية خاصة" ويمكن أن تشكّل قاعدة لتحقيق أهداف مستقبلية.
هجوم على أوروبا
وفي خطاب خلال مؤتمر اقتصادي في موسكو، هاجم بوتين القادة الأوروبيين الذين يشعرون بالقلق من استبعادهم من محادثات إنهاء الحرب، واتهمهم بمحاولة تخريب جهود إدارة ترامب، وتقديم مقترحات سلام غير مقبولة.
وقال إن الأوروبيين يدعمون كييف بالسلاح من دون امتلاك "أجندة سلام"، معتبرًا أنهم يقفون إلى جانب الحرب خوفًا من توسّع العمليات الروسية مستقبلًا.
إذ تشهد أوروبا حاليًا سباق تسلّح متجددًا، بالتزامن مع تسجيل خروقات متكررة للمجال الجوي من قبل طائرات روسية.
وعلى هذه الخلفية، قال بوتين: "إذا أرادت أوروبا حربًا، فنحن مستعدون الآن"، مؤكدًا في الوقت نفسه عدم رغبة بلاده في مواجهة مباشرة.
تهديد الناقلات
تطرّق بوتين أيضًا إلى الهجوم الأوكراني في البحر الأسود الذي استهدف ناقلتين من "أسطول الظل" الروسي، واصفًا العملية بأنها "قرصنة"، وتعهد بتصعيد الهجمات على السفن الأوكرانية، مقترحًا أن أفضل طريقة لوقف الهجمات هي قطع وصول أوكرانيا إلى البحر بالكامل.
وهدد قائلًا: "سنتخذ إجراءات ضد ناقلات الدول التي تساعد أوكرانيا"، مضيفًا أمله في أن تراجع كييف هذا النهج.