الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صفقة ترامب وشي.. القارة العجوز رهينة المعادن الصينية رغم هدنة الكبار

  • مشاركة :
post-title
لقاء الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في كوريا الجنوبية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

منح الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الصيني شي جين بينج، خلال قمتهما في كوريا الجنوبية، الاتحاد الأوروبي فرصة للتنفس، لكنه في الوقت ذاته كشف عن تراجع النفوذ الأوروبي وسط صراع القوتين العظميين، فبينما اتفق الجانبان على تعليق القيود المفروضة على صادرات المعادن النادرة والمواد الخام الحيوية لمدة عام كامل، وجدت أوروبا نفسها على هامش المفاوضات تراقب من بعيد صفقة قد تحدد مصير اقتصادها، بحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.

على هامش اللعبة

يواجه الاتحاد الأوروبي واقعًا مريرًا يتمثل في تراجع مكانته على سلم الأولويات لدى كل من واشنطن وبكين، ووصف جيريمي تشان، المحلل البارز في مجموعة يوراسيا الذي استشهدت به "بوليتيكو"، الموقف الأوروبي بقوله إن "الاتحاد الأوروبي يأتي في المرتبة الثانية في أحسن الأحوال، وربما الثالثة أو خارج الاعتبار تمامًا بالنسبة لواشنطن وبكين".

ويعود هذا التهميش جزئيًا إلى استياء المسؤولين الصينيين من بطء المحادثات الأوروبية وافتقارها للتنسيق، ما دفع بكين إلى خفض مرتبة أوروبا في قائمة أولوياتها الدبلوماسية.

ورغم أن وقف الصراع التجاري بين واشنطن وبكين يبدو إيجابيًا ظاهريًا للشركات الأوروبية التي عانت من تأخيرات طويلة وارتفاع حاد في الأسعار، إلا أن الخبراء يحذرون من الاعتماد على هذه الهدنة، فكما أوضح ألكسندر جابويف، مدير مركز روسيا وأوراسيا، فإن "عدم وجود تفاصيل مدونة ورسمية للاتفاق يترك مجالًا واسعًا للتراجع من كلا الطرفين وفرض شروط جديدة"، مؤكدًا أن الأمر "لم يُحسم بعد".

تحدي المعادن النادرة

يكمن التحدي الأكبر أمام أوروبا في اعتمادها شبه الكامل على الصين في المواد الحيوية، إذ تستورد 98% من احتياجاتها من المعادن النادرة من بكين، وفق أرقام أوردتها الصحيفة.

وعندما فرضت الصين قيودها التصديرية، لم تكن موجهة مباشرة ضد الاتحاد الأوروبي، لكن الشركات الأوروبية، خاصة صناع السيارات الذين كانوا يعانون أصلًا، تلقوا ضربة قاسية أثرت سلبًا على خطوط الإنتاج.

دفعت المخاوف من أضرار دائمة لا يمكن إصلاحها المفوضية الأوروبية للعمل بجهد محموم لتأمين إمداداتها الخاصة وإطلاق خطة لتنويع سلاسل التوريد بنهاية العام، إلا أن المفارقة أن الاتحاد الأوروبي مر بهذا الطريق سابقًا، فقبل عامين أقر "قانون المواد الخام الحرجة" لحل هذه الأزمة تحديدًا، لكن جميع الاتفاقيات الموقعة فشلت في توصيل منتجات فعلية، والخطة الجديدة تبدو غنية بالأفكار لكنها فقيرة في التفاصيل العملية.

وتزداد خطورة الموقف عندما نتأمل الحالة الهولندية، إذ استولت السلطات على شركة "نكسبيريا" لصناعة الرقائق، فردت بكين بفرض قيود تصديرية على رقائق الشركة المنتجة في الصين، وهو ما قد يوقف خطوط الإنتاج في أنحاء أوروبا خلال أقل من أسبوع، مما يظهر حجم التبعية الاقتصادية الخطيرة التي وقعت فيها القارة.

الأولوية المؤجلة

تمثل الحرب في أوكرانيا الأولوية السياسية الأولى للاتحاد الأوروبي، إلا أن الصين تواصل دعم روسيا اقتصاديًا من خلال الاستثمارات وشراء النفط، ما يطيل أمد الصراع.

وبناءً على ضغوط من البيت الأبيض، أدرج الاتحاد الأوروبي في آخر جولتين من العقوبات بنوكًا ومصافي صينية بحجة مساعدتها موسكو على التحايل على العقوبات، وفق ما ذكره مسؤول أوروبي لـ"بوليتيكو".

أثار هذا القرار غضبًا صينيًا شديدًا، إذ وصف رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج العقوبات بأنها "غير مقبولة" خلال لقائه مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في آسيا.

وذهبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثلة الأوروبية للشؤون الخارجية كايا كالاس إلى أبعد من ذلك، منتقدتين بشكل صريح دعم بكين لموسكو، مع تأكيد فون دير لاين في يوليو الماضي أن هذا الدعم له "تأثير مباشر وخطير على الأمن الأوروبي".

لكن الآمال الأوكرانية بأن يضغط ترامب على بكين لوقف شراء النفط الروسي تبخرت سريعًا، إذ أكد الرئيس الأمريكي للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أن هذه المسألة لم تكن مطروحة للنقاش، رغم أنه أشار إلى أن الحرب في أوكرانيا "طُرحت بقوة" وأن الجانبين يأملان في إنهاء القتال، قائلًا عن شي: "سيساعدنا وسنعمل معًا بشأن أوكرانيا".

الانقسامات الأوروبية

تعاني أوروبا من انقسامات حادة بين دولها الأعضاء حول كيفية مواجهة النفوذ الصيني والانتقام المحتمل منه، ما يجعل اتخاذ موقف موحد بشأن التجارة أو إجراءات مكافحة الإغراق أمرًا شبه مستحيل.

وحصلت بروكسل على لمحة من هذا الانقسام عندما فرضت رسومًا على السيارات الكهربائية الصينية بعد تحقيق في دعم بكين لصناعتها، إذ أبدى صناع السيارات والساسة المدعومون منهم مخاوف من إغراق الصين للسوق الأوروبية بفائض إنتاجها.

لكن رغم كل القلق حول حماية صناعة السيارات المحلية، كشفت تصويتات العواصم الأوروبية على الرسوم عن مدى الارتباط الاقتصادي لكل دولة بالصين، حيث أطلقت ألمانيا نداءً في اللحظة الأخيرة لإيقاف هذه الرسوم.

أما في بريطانيا، فيواجه رئيس الوزراء كير ستارمر ضغوطًا متزايدة من "المتشددين الأمنيين" في البرلمان والحكومة الذين يطالبون بموقف أصلب تجاه بكين، بينما يدفع آخرون نحو تقارب أكبر لجذب الاستثمارات.

وزادت الصين كمشكلة لستارمر مؤخرًا بعد انهيار محاكمة رجلين متهمين بالتجسس لصالحها، بينما لم تحسم الحكومة بعد مصير مشروع "السفارة الصينية الكبرى" المخطط في لندن.