التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الصيني شي جين بينج، اليوم الخميس، في كوريا الجنوبية، وسط توقعات بالتوصل لاتفاق يمدد الهدنة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، في ظل توترات متصاعدة حول المعادن النادرة والضوابط التكنولوجية.
وفي تصريحات قبل انطلاق الجلسة الثنائية المغلقة بين الزعيمين، أبدى الطرفان تفاؤلًا واضحًا بإمكانية التوصل لحلول للأزمات العالقة بينهما.
وقال ترامب: "أشرف بلقاء الرئيس الصيني الذي يرأس دولة عظيمة"، مضيفًا: "تربطني علاقة قوية بالرئيس الصيني وهو مفاوض عظيم.. ستكون لدينا علاقات رائعة مع الصين".
من جهته، أشاد "شي" بدور ترامب الدولي قائلًا: "الرئيس ترامب توصل إلى تسويات بعدد من مناطق النزاع في العالم"، مضيفًا: "نقدر للغاية دور الرئيس الأمريكي في إنهاء الحرب بغزة".
وأكد الرئيس الصيني حرص بلاده على تطوير العلاقات مع واشنطن، قائلًا: "معنيون بتوطيد العلاقات على مختلف الأصعدة مع الولايات المتحدة.. تربطنا علاقات قوية بالولايات المتحدة".
وأشار "شي" إلى أن "الخلافات واردة بين أكبر اقتصادين في العالم".
ومن كلام الزعيمين، يبدو واضحًا أن الطرفين يسعيان لحل الأزمة التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي، وأنهما يمتلكان الإرادة السياسية لتجاوز الخلافات العالقة.
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن المخاطر هذه المرة أكبر بكثير من لقاء القائدين الأخير في عام 2019، إذ قد يؤدي انتهاء الهدنة في نوفمبر المقبل إلى فرض رسوم جمركية تتجاوز 100% بين البلدين، وهو ما وصفه وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بأنه "يشبه حظرًا تجاريًا كاملًا".
قمة أعمال
تأتي قمة ترامب مع شي في ختام جولة آسيوية شهدت استقبالًا حارًا من الحلفاء، بما في ذلك رئيسة وزراء اليابان الجديدة ساناي تاكايتشي والرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج.
ريان هاس، الخبير الصيني في معهد بروكينجز، كان قد حذَّر قبل القمة من أن الرئيس الصيني "لن ينجرف وراء السحر أو الإقناع"، مضيفًا: "على عكس قادة العالم الآخرين، لن يلعب شي دور المتظاهر بعلاقة شخصية وثيقة مع ترامب.. بالنسبة له، اللقاء يدور حول الأعمال وليس المجاملات".
ومع ذلك، قد تمهِّد القمة الطريق أمام شي لتأمين زيارة ترامب إلى الصين مطلع العام المقبل، والتي قد تقابلها زيارة للرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة، وفقًا لدبلوماسي كبير في بكين.
أوراق إستراتيجية
أحدثت قيود الصين الأخيرة على تصدير المعادن النادرة هزَّة في الأسواق العالمية، واتهمت إدارة ترامب بكين باحتجاز الاقتصاد العالمي رهينة بهذه القيود التي تشمل مواد حيوية لصناعات التكنولوجيا والدفاع، فيما ردَّت بكين بأن هذه الخطوة جاءت ردًا على إدراج واشنطن شركات صينية في قوائمها السوداء.
وتشير سارة شومان، كبيرة المفاوضين التجاريين الأمريكيين السابقين مع الصين ورئيسة الممارسات التجارية الدولية في "بيكون جلوبال ستراتيجيز"، إلى تحول جذري في الموقف الصيني، قائلة: "لعقود طويلة، كانت الصين تتحدث عن التجارة باعتبارها عامل استقرار في العلاقة، لكنها اليوم تنظر إليها كسلاح هجومي ودفاعي في صراع إستراتيجي".
ويؤكد باحث مقرب من الحكومة الصينية أن البلدين وصلا إلى "توازن ديناميكي" سيستمر حتى تتمكن إحدى الدولتين من كسر سيطرة الأخرى على التقنيات الحرجة مثل المعادن النادرة والرقائق الإلكترونية، مضيفًا: "من سيكسر هذا التوازن؟ الأمر يعتمد على من يكون أسرع في تطوير قدرات جديدة".
ملامح الصفقة المرتقبة
كشفت محادثات بيسنت في ماليزيا، نهاية الأسبوع الماضي، عن أن الصين قد تكون مستعدة لتأجيل تطبيق نظام قيود تصدير المعادن النادرة لمدة عام، وهو ما من شأنه أن يمهد الطريق لتمديد وقف إطلاق النار التجاري.
ووفقًا لما كشفه مسؤولون أمريكيون وصينيون، ستشتري الصين فول الصويا الأمريكي لدعم المزارعين المتعثرين، بينما أعلن ترامب أمس الأربعاء عن نيته خفض الرسوم الجمركية بنسبة 20% المفروضة على الصين بسبب تصدير مكونات مخدر الفنتانيل.
وتوضح شومان أن هذه التنازلات المتبادلة تعكس استعداد الطرفين للحل الوسط: "إنها معضلة من يتحرك أولًا، لكن عندما يجتمع القائدان وجهًا لوجه، سيتمكنان من تقييم بعضهما والبحث عن طريقة لكسر الجمود".
وتضيف سارة بيران، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض للشؤون الصينية والشريكة في "ماكرو أدفايزوري بارتنرز"، أن "قائمة متواضعة من الإنجازات ستعيد العلاقة إلى ما كانت عليه قبل التصعيد الأخير حول المعادن النادرة".
ثمن التنازلات الصينية
يتساءل دبلوماسيون ومسؤولون تنفيذيون وخبراء في بكين عمَّا يريده "شي" مقابل تأجيل قيود المعادن النادرة وشراء فول الصويا والسماح للمستثمرين الأمريكيين بالسيطرة على تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة.
ويشير كريج سينجلتون، الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أنه ليس واضحًا ما إذا وافقت واشنطن على تعليق ضوابط تصدير جديدة قد تؤثر على شركات صينية.
كما يراقب حلفاء أمريكا عن كثب أي تنازلات محتملة بشأن تايوان، إذ تريد بكين من ترامب تغيير الموقف الأمريكي التقليدي من "عدم دعم استقلال تايوان" إلى "معارضة أي تحرك استقلالي".
وقال ترامب سابقًا إن الموضوع قد يُطرح، لكنه أخبر الصحفيين أمس الأربعاء: "لا أعتقد أننا سنتحدث حتى عن تايوان".
اتفاق مؤقت
تحذِّر بيران من أن الصفقة المتوقعة "لن تعالج التوترات الهيكلية في العلاقة"، تمامًا مثل اتفاق "المرحلة الأولى" المحدود خلال ولاية ترامب الأولى، والذي ركَّز بشكل أساسي على التزامات صينية بشراء منتجات زراعية أمريكية بدلًا من معالجة القضايا الجوهرية.
وتضيف: "الطرفان يستخدمان هذا اللقاء لتحقيق استقرار مؤقت في العلاقة، وإبطاء وتيرة الفك الاقتصادي، وتقليل التأثير الاقتصادي لهذا الانفصال".
ويختم "هاس" بتحذير واقعي: "لم يؤدِ أي من لقاءات ترامب وشي الخمسة السابقة إلى اختراقات دائمة أو تفاهمات مستدامة حول مسار العلاقة.. ومن غير المرجح أن يكسر هذا اللقاء ذلك النمط".