ــ السينما التجارية مطلوبة لاستمرار الصناعة
ــ أغنية "الإرهاب والكباب" لم تنل إعجابي في البداية
استطاع المخرج المصري شريف عرفة ترك بصمة فريدة في وجدان الجمهور بأفلامه التي جمعت بين العمق والمتعة، وجسّدت روح المجتمع المصري بأدق تفاصيله، ليفتح صندوق ذكرياته خلال ندوته في مهرجان الجونة السينمائي، الذي يحتفل به تقديرًا لمشواره في جلسة أدارها الفنان عباس أبو الحسن، الذي قاد الحوار مع المخرج الكبير حول مشواره الطويل، وكواليس أبرز أعماله، ورؤيته لمستقبل السينما المصرية.
ذكريات البدايات
أكّد "عرفة" أنه لم يكن من المخرجين الذين يخططون لمستقبلهم بدقة، موضحًا: "لم أخطط لأي مرحلة من حياتي الفنية، فالفنان لا يستطيع أن يضع جدولًا لموهبته، بخلاف بعض المخرجين الأجانب الذين يخططون لما سيقدّمونه خلال عشر سنوات".
وأشار إلى أن الرابط الأساسي في عدد من أفلامه هو الحلم والأمل، قائلًا: "كل أفلامي فيها حلم. في اللعب مع الكبار كانت الجملة الشهيرة "بنحلم"، وفي "سمع هس" كان فيها معنى "هتشوفوا"، وحتى فيلم "يا مهلبية يا" كان يحمل الاتجاه نفسه، وفيلم إكس لارج بطولة أحمد حلمي قال فيه: "أنا خسيت".. وكلها رسائل أمل".
السينما ليست قضية فقط
رفض "عرفة" فكرة تصنيف أفلامه بأنها "أفلام ذات قضية" فقط، قائلًا: "كلمة "فيلم قضية" كلمة صعبة، لأن الفن في جوهره ليس خطبة، بل رؤية وشكل بصري وسحر، القضية مجرد وسيلة للتعبير، لكن الأساس هو كيف تُقدَّم بشكل سينمائي جميل".
وأضاف: "أنا لا أقول إن أفلامي تافهة، لكنها لا تُصنع من أجل الوعظ، لابد للفيلم أن يغيّر شيئًا بداخلك، يجعلك تشعر بسحره، القضايا كثيرة، لكن الفن الحقيقي هو الذي يحرّك مشاعرك".
واستشهد "عرفة" بفيلم "باب الحديد" ليوسف شاهين، قائلًا: "تحدّيت وقلت لهم: كم شخص رأي قضية حقوق العمال في باب الحديد؟.. لكن الكل يتذكر شخصية قناوي التي جسّدها شاهين، لأننا نتذكر المشاعر الإنسانية أكثر من القضايا".
وأكد أن المضمون مهم، لكن الأهم هو الطريقة التي يُقدَّم بها: "النجاح الحقيقي أن الفيلم يعيش في وجدان الناس، مثل فيلم الإرهاب والكباب، يا مهلبية يا، والناظر.. كلها أفلام لا تزال تعيش معنا حتى الآن".
من نيازي مصطفى إلى حسن الإمام
تحدث شريف عرفة عن المخرجين الذين تأثر بهم، مشيرًا إلى أن من بينهم من لم يأخذ حقه، وأوضح ذلك بقوله:"أرى أن المخرج نيازي مصطفى لم يأخذ التقدير الذي يستحقه، فهو مَن أسّس للسينما المصرية الحقيقية، وكبار المخرجين مثل حسن الإمام وصلاح أبو سيف بدأوا كمساعدين له".
وأوضح أنه تعلّم من كل من تعاون معهم، وأضاف: "تعلمت من حسن الإمام الروح، ومن نيازي مصطفى الإتقان، ومن عاطف سالم واقعية البيت المصري، خاصة في فيلم "الحفيد"، والمخرج يوثّق الحياة اليومية مثلما فعل حسن الإمام في مشاهد ثورة 1919، وهذا جعلني أتأثر بروحه أثناء عمل فيلم يا مهلبية يا".
وأشار إلى أن المخرجين الحقيقيين يأخذون "روح" من سبقوهم ويطوّرونها: "الموهبة شيء، والتكنيك شيء آخر، أخذت مرة واحدة مشهدًا من فيلم أجنبي لكن طورته بطريقتي، وضفته في فيلم "الإرهاب والكباب"، الذي قدمته بروحي".
الموهبة والتقليد
أكد "عرفة" أن الفرق بين الموهوب والمقلد كبير، قائلًا: "هناك مقلدون يأخذون فكرة من الخارج ويقدمونها بشكل سيئ، الموهوبون قليلون، لكن الصناعة تحتاج للشكل التجاري لكي تستمر ويحدث فيها زخم".
ذكريات مع النجوم
تحدث شريف عرفة عن ذكرياته مع نجوم كبار، قائلًا: "عملت مع فنانين كبار مثل حسين فهمي، ويسرا، وليلى علوي، وسناء جميل، ومع نجوم موهوبين زي حسن حسني، وسامي سرحان، ومحمد يوسف، وسهير الباروني، فهؤلاء أضافوا وكان وجودهم فارقًا".
كما أشاد بجيل الشباب ومن بينهم موهبة الفنان طه الدسوقي قائلًا: "هناك نجم صاعد اسمه طه الدسوقي وهو موهوب جدًا، لكن الزمن صعب ولا يوجد كتّاب كثيرون جيدون".
واستعاد كواليس من "الإرهاب والكباب" مع الفنان عادل إمام قائلًا: "أغنية فيلم الإرهاب والكباب، لم تنل إعجابي في البداية، لكن عادل إمام قال شاهدني كيف سأؤديها ثم أحكم عليها، وبالفعل بعدما قام بتنفيذها شعرت بها".
عن ذكرياته مع فيلم "الناظر" قال: "علاء ولي الدين جسد دور امرأة لأن الفنانة نعيمة الصغير كانت مريضة، ولا يوجد أحد مناسب يقدم هذا الدور، فقرر علاء تقديمه، وبالفعل قمنا بعمل بروفات على الشخصية لمدة شهر ونصف الشهر، وهناك فنانون عظماء قدموا شخصية "الست" في أعمالهم؛ مثل الفنان إسماعيل ياسين والفنان عبد المنعم إبراهيم".
كما استعاد ذكرياته مع السيناريست الراحل وحيد حامد، وقال: "تعلمت من وحيد حامد كثيرا، واقترضت منه أموالًا منذ عام 1988 وحتى 1993 لكي أعيش، ولم يسألني أبدًا عن السبب وكنت أعيدها وأخصمها من أجر الأفلام، وبعد غياب عدنا للعمل سويا في "اضحك الصورة تطلع حلوة" وهذا الفيلم به مشاعر بسيطة وساحرة".
وأشار إلى أنه كان وراء اكتشاف منى زكي وكريم عبد العزيز: "كنت أريد في الفيلم تقديم وجوه جديدة، فرشّح لي مروان حامد "كريم عبد العزيز"، وقدمت منى زكي، وفعلًا الفيلم نجح جدًا".
تجارب إنسانية لا تُنسى
روى شريف عرفة ذكرياته مع الفنان الراحل أحمد زكي، قائلًا: "أحمد زكي عبقري، يعمل المشهد من أول مرة، لكن إذا طلبت إعادته ممكن يقدمه 45 مرة ولكن لا يكون مثل أول مرة، فهو هو ممثل صادق، وهذا ما يميزه".
وتحدث عن الفنانة الراحلة سناء جميل قائلًا: "كانت تعاني من العدسات الكبيرة وفي أحد المشاهد كانت تقول جملة "أنا كنت بنت زيك زمان"، وتنزل دموع في كل مرة، ورغم أننا صورنا المشهد 13 مرة بسبب العدسات، ولم تشتك أبدًا".
اختتم شريف عرفة حديثه برسالة مؤثرة عن مسؤولية الفنانين تجاه تراث السينما المصرية، بقوله: "ورثنا الفن من أجيال عظيمة، مثل إسماعيل ياسين ونجيب الريحاني، ومطلوب منا أن نكمل على ما ورثناه، فنحن لا نخترع سينما كأن والدك ترك لك ورثًا ثم أضعته فنريد أن نكمل عليه، فعندما نقدم فيلمًا كوميديًا نكمل ما ورثناه من إسماعيل ياسين ونجيب الريحاني، وكذلك في أعمال الجد، فلابد أن نكون أمناء على هذا التراث، ومن المهم أن نعمل ليس من أجل وجود مخرج أو نجم معين، لكن من أجل العمل نفسه وأن نقدمه بصدق وحب".